بقلم فارس خشّان
أخبارنا قتل وويلات، إحباط وخيبات...
اختراعاتنا تفخيخ سيارات وتسديد عبوات...
قوتنا تزخيم رياح الكراهية وتوزيع أخبار المؤامرات...
عدونا يرتاح لنا، وأبناء جلدتنا يرتعبون منا...
أعيادنا ذكرى اغتيالات وانتصاراتنا بداية لحروب جديدة...
شبابنا وقود لمشاريع مشبوهة وإلّا طاقة يستهلكها الضياع...
غروب الشمس يحجبه غبار القذائف وشروقها تائه فوق جبال من الهموم، وقصائدنا لا تعرف سوى لون الرثاء، ولوحاتنا حمراء حتى آخر لون في آخر وريد...
سياسة الممكن مجرد تجنب للأسوأ وليست مفاضلة بين عادي وجيّد...
كل ما لدينا مستورد، استهلاكا حتى العلكة، وعمالة حتى تربية الأطفال...
قلوبنا صخور وصخورنا رمال ورمالنا مسروقة وإلا مدفونة تحت نفاياتنا...
وطننا جواز سفر وأحلامنا جنسية أجنبية وحقيبتنا ملجأ والهدوء مجرد نذير لعاصفة عاتية...
ديكتاتورنا مقدس ومقدسنا منجّس، وتدمير مدننا على رؤوسنا دبلوماسية...
قاتلنا وسيط وحلّال عقد وطاعته واجبة...
حليفنا مرحلي، مثله مثل تاجر المفرق، لا يحتفظ بالبضائع الا بمقدار ما تستغرق الرحلة من المصنع الى المتجر...
لا تُبقي لنا غريزة البقاء إلا العيش في الأوهام.
أوهام الاعتقاد بأن الويل الذي يصيب جاري لن يصيبني، وبأنّ النوائب التي تلحق بغيري مجرد لعنة خاصة به...
ولا يشبع التطلع إلى الغد سوى مراقبة المتطورين. ننقسم بين أقواهم، وتسحرنا طبيعية قياداتهم، وتسرق ألبابنا نماذج ديموقراطيتهم، ونتسامر في مساءلة صغيرهم لكبيرهم وفي خشية كبيرهم من غضب صغيرهم.
نتابع أخبار هؤلاء كما نتابع مسلسلا تلفزيونيا. وقائعهم الراسخة نشاهدها كما لو كانت قصة خرافية. هذا بديهي، فمن يقتله رئيسه ببرميل متفجر كيف يمكنه أن يحسب واقعيا ما يشاهده من محاكمة رئيس، جريمته أن من اختاره مرافقا له، ذهب واعتدى بالضرب على متظاهر؟
ماذا لدى غيرنا ما ليس لدينا؟
لماذا دماؤنا تُستباح ودماء غيرنا محرّمة؟
لماذا جوعنا بديهي وجوع غيرنا مأساة كونية؟
لماذا حروبنا ملهاة أممية، ومعارك غيرنا ويلات إنسانية؟
لماذا خياراتنا محصورة بين التصفيق في القاعة أو الأنين في المعتقلات؟
لماذا الذين يعيشون على وعد الفردوس يحوّلون الأرض إلى جحيم؟
كيف يمكن لهؤلاء أن يحولوا دليلهم الأول والأكبر على وجود الخالق، إلى رقعة موت وعويل وحرائق وروائح نتنة؟
لماذا لا تُنتج أسئلتنا سوى الأسئلة، وكأن الاجوبة محظورة علينا؟
هل قدرنا فعلا بين أيادينا؟
كيف يكون كذلك، ولم تنفع ثورة، ولم تنتج تضحية ولم تتوقف قافلة الشهداء؟
من أين أتتنا هذه اللعنة الأزلية؟
(هذه الكلمات دوّنتها بعد نهاية زيارة للمقبرة الأميركية في "كول فيل سُور مير" في النورماندي الفرنسية حيث يرقد أكثر من تسعة آلاف جندي كانوا طليعة تحرير فرنسا قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبالتزامن مع تفجيرات ضربت أكثر من بلدة في أكثر من بلد في شرقنا "الأحمر" الذي يعيش في ظل معارك تكريس الديكتاتورية)