أسامة غريب
إفطار الوحدة الوطنية هو لافتة براقة لطالما طالعتُها عندما دعيت لحضوره فى هذه العاصمة الغربية أو تلك. هو إفطار رمضانى يجمع عددا من المهاجرين المسلمين بنظراء لهم من المهاجرين المسيحيين من أصل مصرى، ولا يخلو إفطار الوحدة الوطنية فى العادة من وجود مجموعة من الشيوخ مع رهط من القساوسة يقوم بعضهم بإلقاء خطبة عن أهمية التكاتف والاصطفاف وحلاوة التلاحم بين عنصرى الأمة المصرية. حضرت شخصياً لقاءات من هذا النوع فى كندا وأمريكا لسنوات عديدة، وكنت فى كل مرة أنظر إلى الحاضرين وأتعجب: لماذا يفعلون هذا وقد هاجروا وأصبحوا مواطنين فى دولة حرة لا يعرف المرء فيها ديانة جيرانه وزملائه فى العمل؟. لم أكن أجد إجابة سوى أن المهاجر المصرى عندما شد الرحال إلى المهجر فإنه اصطحب الأونطة معه أو قدراً كبيراً منها! إن ظاهرة الأحضان الميكانيكية التى يقدمها كل من الشيخ والقسيس أمام الكاميرات هى من تجليات الدولة الديكتاتورية التى تهتم بالشكل على حساب الجوهر، والطبيعى أن هؤلاء المهاجرين قد فروا لينجوا بأنفسهم وبعقولهم من سيئات الحياة وسط قوم أدمنوا النفاق بعد أن شربوه حتى الثمالة، فكيف بهم وقد أصبحوا فى بلاد حرة يحتفلون على طريقة الحزب الوطنى ويقيمون لقاءات طائفية.. نعم طائفية لأن الدعوة فيها توزع بأسلوب المحاصصة وكل مدعو فيها يأتى باعتباره مسلماً يعتزم الإفطار مع حبايبه المسيحيين أو باعتباره مسيحياً جاء ليشارك إخوانه المسلمين فرحتهم، ويتم التقاط الصور لتنشر فى الصحف والمواقع كدليل على الحب المتبادل، بينما الحقيقة غير ذلك تماماً. قد يسأل سائل: هل تستنكر اللقاءات الاجتماعية بين المصريين فى المهجر وهى التى تكفل لهم استمرار الروابط مع الوطن الأم؟ والإجابة هى أننى أول من يشجع على المودة والمحبة بين الناس، لكن على أرضية الصداقة بصرف النظر عن المعتقد. إنه لمن الرائع أن أدعو أصدقائى وأن يدعونى أصدقائى إلى الإفطار والسحور والغداء والعشاء دون حضور الهلال والصليب فى الجلسة، ودون أن أضطر إلى الاستماع إلى خُطب تعيسة لا يعنى أصحابها ما يقولون.
لى أصدقاء مسلمون وأصدقاء مسيحيون وأنا أحبهم جميعاً ليس بسبب أديانهم ولكن بالرغم منها، وعندما أدعوهم للطعام، فإننى أحرص على أن يكون الكهنة على مسافة عشرة كيلو مترات على الأقل من مكان اللقاء، لأن وجودهم يسحب الصداقة بشكل تلقائى ويستدعى الحزب الوطنى فى النفوس ويحوّل الجلسة اللطيفة إلى مكلمة نفاق لا مكان فيها للمشاعر الحقيقية التى قد تكون موجودة وصادقة، غير أن دور الكهنة الأزلى هو محوها وزرع التوجس والخوف مكان المحبة التلقائية والتسامح الفطرى.