معسكرات «شينجيانغ».. هنا يُجبر المسلمون على احتساء الخمر ولحم الخنزير - مقالات
أحدث المقالات

معسكرات «شينجيانغ».. هنا يُجبر المسلمون على احتساء الخمر ولحم الخنزير

معسكرات «شينجيانغ».. هنا يُجبر المسلمون على احتساء الخمر ولحم الخنزير

كتب – فريق ساسة بوست:

على مدار السنوات الخمسة الأخيرة، صعدت السلطات الصينية من تصميم شتى وسائل التعذيب والقمع بحق ملايين المسلمين المنتمين لطائفة الإيغور المسلمة، الذين يتمركزون غرب الصين، محاولة لمحو آثارهم تمامًا، وتحجيم نفوذهم سواء داخل أو خارج البلاد.

أخذت هذه المحاولات إعادة تأسيس معسكرات الاحتجاز، والشروع في اتخاذ المزيد من الإجراءات الأمنية الشديدة بالفعل عبر توظيف آلاف عناصر الأمن، فضلًا عن وسائل تعذيب وانتهاكات واسعة، يحاول التقرير التالي رسم صورة كاملة لها.

المُسلم مُجبر على احتساء الخمر ولحم الخنزير

داخل معسكر «شينجيانج»، الذي تمتد مساحته لآلاف الكيلومترات، في أقصى غرب الصين، اُحتجز عمر بيكلي، المسلم من أصول كازاخستانية، من جانب السلطات الصينية دون أي تحقيقات معه، أو السماح لمحاميه بالتواصل مع السلطات الصينية، إذ تمثلت كُل تهمته في الانتماء لطائفة الإيغور المُسلمة؛ ما جعل السلطات الصينية تقبض عليه خلال رحلة عمل انطلق فيها من كازاخستان إلى الصين.

لم يمض على وجود بيكلي، الذي ولد في الصين عام 1976، 10 أيام داخل المعسكر حتى راودته فكرة الانتحار، محاولة للحيلولة دون أصناف التعذيب التي تعرض لها كعدم السماح بالنوم طيلة أربعة أيام، وتكبيل يديه وقدميه في كرسي حديدي، فضلًا عن إجباره على الوقوف يوميًا لمدة خمس ساعات مع فترات أخرى من الحرمان من الأكل، وإلزامه بتناول لحم الخنزير واحتساء الكحول باعتبارهما عقابًا له، بعد نقله لزنزانة انفرادية.

يروى بيكلي لجريدة «الإندبندنت» البريطانية آثار ذلك عليه :«كان الضغط النفسي هائلًا من وقع هذا التعذيب، لا زلت أفكر في وقائع هذه الأيام داخل المحتجز حتى الآن؛ لا أستطيع النوم في الوقت الحالي؛ بسبب سيطرة هذه الأفكار طيلة الوقت».

لا يُعد بيكلي حالة فردية، إذ تحول معسكر «شينجيانج» إلى ساحة اعتقال وتعذيب الآلاف من المسلمين المنتمين لطائفة الإيغور؛ والتي أخذت أشكالًا متنوعة مُورست بحق المحتجزين الإيغور مثل تأدية تحية العلم الصيني، وإجبارهم -من جانب المحققين- على تلاوة الأناشيد الشيوعية، وتنظيم حلقات يقفون فيها ويُرغمون على نقد معتقداتهم الدينية، والزعم بأنها فاسدة، وأن الحزب الشيعي هو الذي أنقذهم. وتُعتبر شينجيانغ، منطقة حكم ذاتي تضم 11 مليون من الإيغور الأتراك المسلمين، تقع على الحدود مع باكستان والعديد من دول آسيا الوسطى، بما في ذلك كازاخستان.

بلغت القيود التي تضعها السلطات الصينية داخل مقاطعة شينجيانغ بشمال غرب الصين على الأقلية الإيغورية المسلمة حد تصميم برامج تكون مهامها التعرف على الأشخاص المنتمين لهذه المجموعة، حال ابتعادهم ما يوازي نحو حوالي 1000 قدم عن أماكن عملهم أو منازلهم؛ ومن ثم إرسال إشارات تنبيه للسلطات الصينية بأماكن تواجدهم منعًا لهروبهم. ونجحت هذه التطبيقات في مهامها، بعدما أجبرت السلطات في يوليو (تموز)، السكان في منطقة أورومتشي، عاصمة شينجيانغ، على تثبيت هذه التطبيقات على هواتفهم الخلوية.

وتحاول السلطات الصينية إطلاق تبريرات لما تمارسه من انتهاكات واسعة بحق طائفة الإيغور المُسلمة عبر تسمية معسكرات الاحتجاز بأماكن إعادة التعلم، أو تفسير احتجازهم بالخضوع لمقررات تتصل بالتربية الوطنية؛ في محاولة منها لنفي تهمة الانتهاكات الواسعة عنها بحقهم خصوصًا في ظل تأكيدات تقارير صحفية من مواقع أجنبية، تُشير إلى أن عدد المعتقلين داخل المعسكر قد يتجاوز المليون شخص، فضلًا عن توصيف لمجموعات داخل الكونجرس الأمريكي هذه الاعتقالات بأنها أكبر احتجاز جماعي حالي لسكان الأقليات في أي مكان.

امتدت قيود السلطات الصينية إلى إطلاق مجموعة من التشريعات التي تضع تشديدات على حركة الطائفة الإيغورية كصدور لوائح مكافحة التطرف في «شينجيانج»، في أبريل (نيسان)، والتي تحظر تربية لحى «غير طبيعية» أو ارتداء حجاب في الأماكن العامة، نافذة المفعول. وتزامن ذلك مع صدور قانون جديد يحظر على أولياء الأمور من تسمية أطفالهم بعشرات الأسماء ذات الدلالات الدينية مثل صدّام.

الأقلية الإيغورية.. مُحاصرون حول العالم بأوامر صينية

لا تقف هذه القيود على الطائفة الإيغورية داخل الصين، بل سعت السلطات الصينية عبر توقيع اتفاقيات أمنية مع السلطات حول العالم لتسليم كُل منتم للطائفة، وترحيله للصين. واحدة من هذه الاتفاقيات كانت بين مصر والصين، والتي انبثقت عن لقاء جمع وزير الداخلية المصرية مجدي عبد الغفار، ونائب وزير الأمن العام الصيني، في 19 يونيو (حزيران) الماضي عام 2017، وتضمنت نتائج اللقاء الذي جرى في القاهرة، تفعيل قنوات تبادل المعلومات ذات الصلة بالتنظيمات المتطرفة وأنشطة الهجرة غير الشرعية، بحسب بيان مشترك صدر عن الطرفين.

وطائفة الإيغور هم مسلمون ناطقون بلغة قريبة من التركية، ويعيش معظمهم في منطقة شينجيانغ (المعروفة أيضًا بتركستان الشرقية) في أقصى غرب الصين، كما نجح آلاف منهم في الفرار لعدد من البلاد العربية والغربية باعتبارها وسيلةً للهروب من القيود الواسعة والقمع الذي تمارسه السلطات الصينية تجاههم.

لم تمُر أيام على توقيع هذه الاتفاقية حتى وقعت أكبر حملة اعتقال مُنظمة لطلبة طائفة الإيغور، ممن يدرس أغلبهم في الأزهر الشريف، بمحافظات الشرقية والإسكندرية والقاهرة وكذلك في مطار الإسكندرية في توقيت متزامن، فضلًا عن اقتحام قوات الأمن للمحلات التجارية والمطاعم التي تتردد عليها الأقلية الأوغورية داخل مصر على الرغم من سلامة موقفهم القانوني.

واحد من هؤلاء ممن جرى ترحيله إلى الصين كان العالِم المسلم حبيب الله طهتي، الذي حكمت محكمة شينجيانغ عليه بالسجن 10 سنوات بعد عودته من جامعة الأزهر في مصر.

لم تقف هذه القيود عند طائفة الإيغور في مصر، بل امتدت لتشمل ضغوطًا على أغلب الحكومات الأجنبية ممن يتواجد على أراضيها منتمون لطائفة الإيغور، فضلًا عن التوسع في القبض على آلاف المنتمين من السيدات اللاتي تزوجن من تجار باكستانيين، وتواجدن على الحدود بين البلدين باعتبارها وسيلة ترهيب والضغط على غيرهم للعودة.

تباينت استجابات الحكومات التي طالبتهم الصين بتسليم المنتمين لطائفة الإيغور؛ في حين رفضت أغلب هذه الحكومات طلبات الحكومة الصينية، وافقت حكومات أخرى مثل تايلاند التي رحلت قسرًا في أغسطس (آب) 2015، نحو 220 من الإيغور إلى الصين. وكذلك ماليزيا التي رحّلت في ديسمبر (كانون الأول) لعام 2012، عددًا من المواطنين الإيغور إلى الصين.

وسائل الترهيب من جانب السلطات الصينية تجاه المنتمين لهذه الأقلية ممن يعيشون في الخارج تضمنت كذلك إدانة أغلبهم من جانب المحاكم الصينية بتهمة تهديد الأمن القومي والمشاركة في الإرهاب، فضلًا عن اعتقال أقارب لهؤلاء الطلبة لإجبارهم على العودة مقابل الإفراج عن ذويهم من أجل مساومتهم لتسليم أنفسهم.

الباحث بمنظمة هيومان رايتس ووتش عمرو مجدي شرح لموقع «المدن» اللبناني وقائع الضغوط التي يتعرض لها المنتمون للإيغور حول العالم، قائلًا: «الحكومة الصينية ضغطت على دول عديدة لترحيل الإيغور وهناك سوابق لذلك في دول أخرى مثل كمبوديا وغيرها، لكن الغريب أن تقوم مصر بالاستجابة لهذا الطلب».

ويحذّر مجدي من أن «هناك تقارير صحافية عن أعداد متزايدة من أقلية الأيغور المقيمين في تركيا انضموا لداعش والجماعات المتطرفة -نتيجة الملاحقة- هل هذا هو ما تريده الحكومة المصرية من ترحيل هؤلاء من مصر؟».

ما بعد الحصار والقمع: الإيغور إلى داعش في سوريا والعراق

انعكست القيود الواسعة، والقمع التعس بحق الأقلية الأيغورية على الانتماءات الدينية لآلاف منهم؛ إذ أدت هذه السياسات والمزيد منها نحو مزيد من التشدد الديني كما أظهر شريط فيديو، في فبراير (شباط)، لتنظيم «الدولة الإسلامية» عن مقاتلين من الإيغور تعهدوا بالعودة إلى الصين و«إسالة أنهار دماء».

وقال المسلح في تسجيل مدته 28 دقيقة بعنوان «أولئك هم الصادقون» نشره فرع تنظيم «الدولة الإسلامية» في غرب العراق :«أيها الصينيون الذين لا يفهمون لسان الناس. نحن جنود الخلافة وسنأتي إليكم لنوضح لكم بلسان السلاح لسفك الدماء كالأنهار ثأرًا للمسلمين». وأكد أن الصين باتت من أهداف الجهاديين، وذلك في تطور لافت في إدراج الصين باعتبارها أحد أهداف التنظيمات المتشددة الدينية بعد أن كانت لا يرد اسمها نهائيًا.

تتطابق الروايات حول انضمام مئات من طائفة الإيغور إلى داعش مع ما ذكرته وزارة الأمن الصينية، في عام 2015، إن أكثر من 100 من الإيغور توجهوا إلى تركيا وسوريا أو العراق «للانضمام إلى الجهاديين». كما قدر تقرير لصحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، أعده «مركز الأبحاث السياسية في وزارة الخارجية الإسرائيلية»، عدد المنتمين لطائفة الإيغور الصيني نحو 3 آلاف ممن يقاتلون في سوريا، ولا سيّما في «جبهة النصرة» و«داعش» و«الحزب الإسلامي التركستاني».

ويتطابق ذلك مع ما نقلته جريدة الأخبار اللبنانية، المُقربة من حزب الله، عن مصادر ميدانية لها، أن «للإيغور معسكرين رئيسيين في محافظة إدلب، الأوّل يقع في قرية إحسم في منطقة جبل الزاوية، ويقدّر عدد الموجودين في هذا المعسكر بحوالي 2500 مقاتل ينضوون تحت لواء «الحزب التركستاني»، فيما يقع المعسكر الثاني الأبرز في بلدة مرعيان في جبل الزاوية أيضًا، ويضمّ حوالي 3000 مقاتل».

ذهب نحو هذا الطرح الكاتب الأمريكي سيمور هيرش، وذلك في مقالة نشرها نهاية عام 2015، والتي رصد خلالها موجة نزوح كبيرة للمنتمين للطائفة الإيغورية إلى تركيا خصوصًا في الفترة الزمنية ما بين 2013 وخريف عام 2015، وينقل عن السفير السوري في بكين عماد مصطفى أن «دمشق تمتلك معلومات عن 860 إيغوريًا موجودين في سوريا»، وأن «الصين تعهدت بتخصيص ثلاثين مليار دولار لمرحلة إعادة إعمار سوريا بعد الحرب».

ويُشكل انضمام آلاف من الطائفة الإيغورية لتنظيم داعش في سوريا أحد المُحددات الرئيسية لدعم السلطات الصينية الرسمية لنظام بشار الأسد، ودعمه عسكريًا وسياسيًا من أجل استمرار بقائه؛ خصوصًا بعد التعاون الواسع من جانب نظام الأسد مع الصين في تزويدها بأسماء أكثر من 221 منتمٍ للإيغور في سوريا، وكذلك معلومات تفصيلية عن أماكن وجودهم، وخرائط ميدانية للمعسكرات التي يتمركزون فيها، وحجم الدعم العسكري المُقدم لهم من جانب تركيا.

يتجلى هذا التعاون كذلك في حصول العناصر العسكرية المحسوبة على بشار الأسد نحو ثماني طائرات صينية من دون طيّار لاستخدامها في رصد تحركات المقاتلين «الإيغور» في إدلب، فضلًا عن التنسيق العسكري الدائم بين الجانبين.

المصادر

ساسة بوست

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث