في طبيعة الخطاب الديني وطقسه الموروث - مقالات
أحدث المقالات

في طبيعة الخطاب الديني وطقسه الموروث

في طبيعة الخطاب الديني وطقسه الموروث

د. أمانى فؤاد

يواجهني سؤال يفرض نفسه باستمرار: كيف لا يبرز مفكر واحد ولا شاعر كبير ولا فيلسوف وسط أكثر من مليار ونصف مسلم يعيشون على هذه الأرض؟، ما هو الخطاب المهيمن على ذهنية كل هؤلاء البشر، وما طبيعته؟. ربما بدا بعض الإجابة فى شيوع خطاب الفقهاء والشيوخ على كل هذه المجتمعات والدول، وهنا يقفز سؤال آخر: ما هى طبيعة خطاب ولغة الفقهاء والشيوخ والدعاة فى صورتهم الأحدث؟. لعل المراقب لهذا الخطاب يلاحظ بعض السمات التى أستطيع أن أوجزها فى:

ــ كل القضايا التى يناقشها رجال الدين يلصقون بها المسحة الدينية ومن ثم القداسة التى تكتسبها وتنتقل لها من آيات المصحف والأحاديث التى يستشهدون بها، وأحيانا تفسيرات وتخريجات علماء السلف أيضا فيتداولونها فى مناقشة كل قضية «الفرخة المباركة على سبيل المثال فى أحدث المقولات»، وتتمثل خطورة هذا التناول فى تقييد مستوى حرية إعمال العقل والبحث، وطرح كل مسألة من محاورها كافة، خاصة لو أنها من الأمور الحياتية النسبية لا الدينية المجردة والغيبية.

ــ غالبا ما كانت ذهنية الفقيه محدودة وقديمة لطبيعة مصادرها، ونادرا ما وجد فيهم العقلية المواكبة للتطور، كما يتملكهم حذر دائم من كل مستحدثات العلوم التى تأتى من الغرب؛ لتوجس دائم من مشاريعه الاستعمارية منذ القدم التى تريد الهيمنة على كثير من دول المناطق الإسلامية.

ــ افتقار ذهنية رجل الدين للعلوم والفنون والآداب إلا بعض الشعر القديم وهو ما تجاوزته الثقافة العالمية بسنوات ضوئية، ولهذا النقص أثر سلبى خطير حيث الوعى والذائقة المحدودان وعدم الانفتاح على الآخر المختلف وقبوله.

ــ حين أدخلت العلوم الطبيعية الحديثة بتخصصاتها المختلفة فى المؤسسات التعليمية الدينية زاوجوا ودمجوا بين علوم الدين والعلوم الطبيعية، على أن تكون أرضية المعارف التأسيسية الأولى للدارس العلوم الدينية بفروعها ومناهجها الموروثة، وأصبحت التخصصات العلمية لاحقة عليها ودُرست أيضا بمنهج الحفظ والتلقين لا البحث والابتكار والتجريب.

ــ لا اجتهاد يذكر بجانب المقدس السلفى الذى تحول معهم إلى أصنام جديدة، وفوق أحجارها الصلدة يراق دم العقل كل يوم، لا وجود لما يسمى التطور ولا الاكتشافات العلمية التجريبية ولا تاريخية الظواهر ولا القياس الفلسفى العقلى الموضوعى.

ــ تميزت طريقة الفقهاء بخطب ود المتلقين لأحاديثهم وذلك باستخدام لغة منغمة محفوظة، يتسبب إيقاعها فى نوع من الخدر الذهنى الذى يدغدغ غالبا مشاعر المتلقى لا أن يتفحص موضوعية ما يقال، كأنهم يسيطرون على الآذان بسحر إيقاعات اللغة لا المعنى ومضمونه، وكأن اللغة وجمالياتها مقصودة لذاتها لا ما يُطرح من خلالها، فهى لغة موقًعة عاطفية تخدر العقل، كما أن لأكثرهم طريقة كهنوتية بكائية من خلالها يستدرون مشاركة المتلقين لهم فيما يكررونه مرارا ولا يبعث على جديد.

ــ يتسم خطاب معظم رجال الدين بتوظيف النصوص بما يتسق مع أيديولوجيتهم الخاصة وتوازنات أكثرهم مع السلطات التى بيدها حكم البلدان، حيث الولاء لمصالحهم ومكتسباتهم وأهدافهم التى من المستحيل أن توظف لهدم كياناتهم المؤسسية التى تضمن لهم مصالحهم والتأثير فى الجماهير، ربما بدا الأكثر خطورة تلقيهم المنح والعطايا لتفعيل بعض الأجندات الخارجية التى تريد السيطرة على ثقافة الوطن أو هدم مقومات تماسكة.

ــ عند مناقشة بعض القضايا الخلافية والتى قد يلمس فيها التقصير فى دورهم فى التوجيه وزرع الأخلاق الحسنة بالجماهير يردون بالهجوم بأسلوب حدى متناقض فى دفع الآراء، فهو لا يناقش ما يقال بل يشرع بمواجهة المحاور بالنقيض المقابل المتطرف للظاهرة تماما، فلو أن محاوره تساءل عن ظاهرة شيوع تحرش الشباب والاغتصاب لرد مباشرة أنه لولا سفور البنات لما تحرش الشباب. ويتبعون هذا الأسلوب كثيرا لدحض وإماته القضية التى يريدون الهروب من مواجهتها فيبدو من تسوّل له نفسه مناقشتهم كأنه مع الابتذال والعرى. طرح الخطابات بتلك الطرق يحجم التواصل العقلى ويهدم الموضوعية.

المصرى اليوم

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*