ما أسعد الفقراء بصوم رمضان! - مقالات
أحدث المقالات

ما أسعد الفقراء بصوم رمضان!

ما أسعد الفقراء بصوم رمضان!

الأخ رشيد

قالوا "نصوم لكي نشعر بالفقير"، قلت: "ولماذا يصوم الفقراء؟" هل يصومون لكي يشعروا بالفقر أكثر؟ أم ليشعروا بصوم الأغنياء؟ ثم كيف يستفيد الفقير من صوم الغني؟ هل سيتغيّر حال هذا الفقير؟ وهل مائدة الغني عند الإفطار تشبه مائدة الفقير؟ سيبقى الفقير فقيرًا حتى في صومه وسيبقى الغني غنيًا حتى في صومه.

سيقضي الغني يومه في بيت فخم متسليًا أو نائمًا، لديه خدم وحشم، ولديه أفضل القنوات وأفضل الألعاب وأفضل تكييف للهواء. سيتحدّث مع أصدقائه في كل بلدان العالم بأغلى جهاز هاتف، سيتابع الأخبار ويقرأ الجرائد ويسلّي وقته حتى حلول موعد الإفطار، بينما الفقير سيعاني في الحر، يكد من أجل لقمة العيش أو يتسول في الأزقة والشوارع، تلفحه نار الشمس من فوق ونار الجوع داخله تشوي بطنه، والظمأ يكاد يقتله، يفكر في أطفاله وزوجته في البيت، ويفكر بماذا سيعود في المساء خصوصًا وأن الأسعار وصلت إلى عنان السماء. صارت وسائل المواصلات في رمضان حربًا أخرى يتعيّن عليه خوضها. وإذا كان لا يملك ثمنها لتوجّب عليه أن يمشي لساعات على قدميه لتكتمل المأساة! يتأمّل الأغنياء حوله: يركبون أحدث السيارات، ويشترون أفخم أنواع التمور والفواكه، بينما هو يحمل كيسًا فيه القليل القليل من الرزق ومن أقلها جودة وثمنًا. يجلس على مائدة الإفطار المتواضعة لعلّه يروي ظمأه بكأس ماء بارد، ويسد جُوعه بأقل ما يمكن، ويضع رأسه على وسادة مفكرًا في العذاب الذي ينتظره يوم غد!

هل فعلا يشعر الغني بالفقير بينما هو يتلذّذ بكل ما لذّ وطاب من أنواع العصائر والمأكولات؟ هل سيقول لزوجته وأولاده فعلًا: "لقد شعرتُ اليوم بفقر الفقراء، وشعرت بمعاناتهم، وأنا أتألم لآلامهم وعلينا أن نقوم بعمل شيء لنساعد به هؤلاء الفقراء؟"،  أم أنه سينهمك في حرب مع أنواع المأكولات تنتهي ببطن منتفخ ومائدة مازالت بقايا الأكل فيها تكفي لعُرس كامل؟ هل فعلا سيشعر بالفقير وهو يقهقه على وقع المسلسلات وبرامج التسلية؟ هل فعلا سيشعر بالفقير بينما كُل ما حوله لا علاقة له بالفقر لا من قريب ولا من بعيد؟ هل سيشعر بالفقير وهو يخرج بعد الفطور لإكمال السهرة في أغلى الفنادق وأجمل المقاهي؟!

ما أسعد الفقراء بصومنا! هل تغيّرت أحوال بلداننا بعد هذه الرمضانات كلها؟ هل تغيّرت معدلات الفقر في شيء؟ إننا أمة تتفنّن في الكذب على نفسها. أمة بارعة في تجميل دينها. أمة تحفظ أقوالا جاهزة للاستهلاك رغم الواقع المؤلم. ماذا فعل الفقراء بصومنا كل هذه السنين؟ ألا تزيد معدلات استهلاكنا في هذا الشهر أكثر من باقي الشهور؟ ألا تزيد الأسعار خلال هذا الشهر بالذات؟ ألا نُثقل كاهل الفقراء أكثر مما هو مثقل؟ لقد صار رمضان مصدر قلق للفقراء لأنهم يفكّرون في مصاريفه أكثر من تفكيرهم في الصيام نفسه! ليتكم لم تصوموا إحساسًا بالفقراء! ليتكم وفّرتم تضامنكم معهم؛ فالفقراء لا يحتاجون إلى صومكم بل إلى مساعداتكم المادية العملية. الفقراء يحتاجون إلى كرامة وإلى مصدر رزق دائم. لا يحتاجون شعاراتكم ولا أقوالكم. يحتاجون اقتصادًا قويًا يصون إنسانيتهم ويضمن مستقبلًا واعدًا لأبنائهم وأسرهم. أما تضامنكم الديني فما هو إلا سراب توهمون به أنفسكم.

لقد وصلت رسالتكم للفقراء، والفقراء يقولون لكم: شكرا على تضامنكم، فعلًا إحساسكم بنا أخجلنا. لقد رأيناه وأحسسناه في كل مكان، بعد 1400 سنة من الرمضانات والتضامن نعفيكم من الصوم معنا الآن. علمنا أنكم تشعرون بنا ولم تنسونا بالمرّة، شكر الله لكم سعيَكم وتضامنَكم، وكل عام وأنتم بخير.

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث