هل يكره المسلمون والعرب اليهود؟ - مقالات
أحدث المقالات

هل يكره المسلمون والعرب اليهود؟

هل يكره المسلمون والعرب اليهود؟

بقلم: محمد عبد اللـه

تم أثناء زيارة وفد من التجار اليهود الأمريكان لعدة دول خليجية في ديسمبر الفائت 2016، وفي محطتهم البحرينية، تسريب لقطات فيديو لبعض البحرينيين وهم يراقصون الوفد على أنغام ترانيم يهودية. إذ كان توقيت الزيارة قريبًا من عيد حانوكا اليهودي.

لم يكن هذا المشهد هو الأول من نوعه الذي ينقل لنا احتفاء البحرين باليهود، لكنه جاء هذه المرة على مستوى شعبي، فوقع هذا المشهد فريسة سهلة لبيانات واستنكارات من المجتمع المدني.

يتكرر هذا الموقف المزدوج في بلاد عربية إسلامية كثيرة، حيث يتم التغاضي عن العلاقات الرسمية مع دولة إسرائيل، بينما تُكشر الأنياب لأي تقارب مع اليهود أو إسرائيل على الصعيد الشعبي بعيدًا عن رعاية الدولة. تقول بعض المؤسسات الإسلامية بكل صراحة وعنصرية إنها ضد اليهود، وأما المؤسسات القومية فتنفث نفس مستوى الكراهية والإقصاء، لكن مع استبدال مسمى اليهود بمسمى الصهيونية في بياناتها كما فعلت جمعية مقاومة التطبيع البحرينية.

ومن المفارقة أن تنبري مؤسسات المجتمع المدني في البحرين جرّاء زيارة هذا الوفد اليهودي التجاري لتؤكد على حرصها على مقاطعة إسرائيل دفاعًا عن فلسطين، في الوقت الذي يفضّل فيه فلسطينيون كثيرون العمل لدى التاجر اليهودي (الإسرائيلي ليس الأمريكي) بسبب سخاء الراتب وشروط السلامة وحسن المعاملة في ظل قانون العمل الإسرائيلي، فضلًا عن أن الفلسطينيين في الأساس يعيشون على العملة الإسرائيلية والبضاعة الإسرائيلية والخدمات الإسرائيلية.

وعلى العموم، فإن هذه الازدواجية في العلاقات مع إسرائيل بين ما هو رسمي وما هو شعبي ليست الحالة الوحيدة من الازدواجية في المجتمعات العربية والإسلامية، والتي تعكس البحرين صورتها بكل جدارة. إذ أصبحنا نرى الازدواجية كثقافة وأسلوب

حياة في كل شيء. فعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد أن البلدان الإسلامية نصف إسلامية ونصف علمانية، ونرى تلويحها ببعض بيانات المنظمات الإنسانية والحقوقية التي تأتي لمساندة هذه الطائفة أو ذلك المذهب، بينما تستنكر بيانات أخرى من نفس المنظمة ذاتها لأنها لا تخدم المصالح الطائفية أو السياسية. وتصل الازدواجية إلى أبشع مستوياتها في التعاطف العرقي والديني مع ضحايا الحروب سواءً أكان ذلك في التاريخ أم في وقتنا الحاضر. وينسحب هذا المثال الأخير للازدواجية بكل بشاعته على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، حيث يقوم التعاطف الغالب للمسلمين والعرب مع الفلسطينيين على أسس عرقية ودينية ليست لها علاقة بالإنسانية. وهذا أمر غير مستغرب على روّاد الحروب الأهلية. فلماذا يغيب هذا التعاطف مع الكثير من الشعوب والحركات اليوم التي تطالب بسيادتها على أرض تحمل ثقافتها ولغتها ودينها كبلوشستان وكردستان والتبت وغيرها؟ والجواب هو أن هناك خللًا في الانتماء الديني أو القومي لهذه الشعوب.

فمن العنصرية والطائفية والازدواجية أيضًا أن تعيش وسط ما يسمى بالعالم الإسلامي الممتلئ بانتهاكات حقوق الإنسان وعمليات اغتصاب الأراضي والأموال وظلم الأقليات من دون أن يكون لك غضاضة في التعامل مع أي من هذه الدول لأنها فقط تحت مظلة العالم الإسلامي، لكنك ترى الشر كل الشر من إسرائيل فقط.

وفي مجتمعات تعودت الازدواجية، من السهل أن تدعي المثالية وأن تنادي بالحرية والمساواة وتقبّل الآخر وتروي قصصًا على شاكلة قصة النبي الذي زار جاره اليهودي، وإبليس الذي ناقش الله، لكنك غير مضطر إلى تطبيق هذه المفاهيم الجميلة على

أرض الواقع، لأن الازدواجية قد أصبحت أسلوب حياة راسخ استهواه الكثير. فهذه المجتمعات تتقبل الازدواجية بكل أريحية، لكنها لا تتقبل الآخر المختلف.

تزيد نسبة الشيعة من المواطنين البحريين على النصف، ويدفعني إلى أن أستغل زيارة الوفد اليهودي للبحرين لأقارن بين نظرة المسلمين إلى اليهود من جهة ونظرة المسلمين في البلدان ذات الأغلبية السنية إلى الشيعة من جهة أخرى. لا يقبل الشيعي العادي ربطه بإيران وحزب الله وتجريده من الثقة بناءً على عقيدته، لكنه يمارس هذا التمييز ضد اليهودي ويربطه بدول وكيانات سياسية بناءً على عقيدته. لكن إذا كنت تريد من الآخر أن يتقبلك مهما كان توجهك الديني والسياسي، فعليك أن تتقبل الآخر.

يصعب على مجتمع لم يخرج من ثقافة الصراع السني الشيعي بعد أن يتقبل اليهود. فاستيعاب اليهود بين مؤسسات المجتمع المدني في العالم الإسلامي مرحلة متقدمة جدًا بعيدة عن مستواهم الحضاري الراهن.

أدعو الجميع إلى لخروج من قوقعة العقل الجمعي وإخضاع المواقف والمنطلقات والأهداف للتفكير والمراجعة. فالإنسانية هي أهم ما نحتاج إليه لتغيير واقع الحروب والفقر والتخلف الذي تعيشه المنطقة. وإذا أزعجك سؤال هذه المقالة، فاجعل الإنسانية المحرك الأول لمنطلقاتك وأهدافك، لئلا تدفن رأسك في التراب هربًا من سماع الحقيقة المرة: "هل يكره المسلمون والعرب اليهود؟"

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*