اعترافات إرهابي - مقالات
أحدث المقالات

اعترافات إرهابي

اعترافات إرهابي

بقلم: جوهانا ماك جيري

بحلول آذار من عام 2002، كان الإرهابي المدعو "أبا زبيدة" واحداً من أكثر الرجال المطلوبين القبض عليهم على الأرض. وهو عضو بارز من شبكة الأدمغة التي يثق بها أسامة بن لادن، ويعتقد أنه كان ضمن القيادة العملية لمؤامرات التفجيرات التي قام بها تنظيم القاعدة في بداية الألفية الجديدة، إضافة إلى الهجوم على السفينة الحربية الأمريكية، كول، في تشرين الأول من عام 2000. وبعد النجاح الباهر في الهجومات على طائرة الركاب في 11 أيلول من عام 2001، واصَلَ وضْع خطط إرهابية.

وقبل 17 شهراً، ألقت الولايات المتحدة أخيراً القبض على أبي زبيدة في الباكستان، وحبسوه وأبقوه في موقع سرّي حتى الآن. ولعل اسمه تلاشى من معظم ذكريات الناس. وحان الآن أن يعود اسمه إلى صفحات الأخبار. يقول كتاب جديد ألفه جيرالد بوسنر إن أبا زبيده قدم تصريحات مثيرة حول الصلات السرية التي ربطت بين السعودية والباكستان وابن لادن.

تشكل تفاصيل هذا المثلث الإرهابي الفصل النهائي المتفجر في تحقيق بوسنر حول الذين أخطأوا وأي خطأ ارتكبوه قبل الحادي عشر من أيلول. ويمثل معظم كتابه المعنون "لماذا نامت أمريكا" (من منشورات راندم هاوس) إعادة رواية جلية صافية لما فوّته قادة وكالة المخابرات المركزيّة ومكتب التحقيق الاتحادي والولايات المتحدة من قرائن وفرص على مدى عقد من الزمن كانت يمكن أن تؤدي - لو انتبهوا إليها - إلى إحباط هجمات الحادي عشر من أيلول، وفق بوسنر. وبوسنر خبير متمرس في إعادة النظر في نظريات المؤامرة. وقد كتب تقييمات مثيرة للجدل ترفض التقييمات المتعلقة باغتيال جون كنيدي ومارتن لوثر كنغ. وهذا المحامي الذي تخرج من جامعة بيركلي متخصص في تعبئة كتلة هائلة من المعلومات _ معظم مصادره كتبٌ أخرى وقصص إخبارية _ في نمط مرتب متدرج لفهم الحدث بعد وقوعه. وتغطي اتهاماته لوكالة المخابرات الأمريكية ووكالات إنقاذ القانون أرضية مطروقة معروفة، رغم أن التكهنات والفرضيات التي يوردها قد تبدو لبعضهم سطحية. والمادة التي ستشعل جدلاً ساخناً هو الفصل التاسع عشر. والذي يمثل رواية _ بناءً على مزاعم "أبي زبيدة" كما سمعها بوسفر من "مصدرين حكوميين" لا يذكر اسميهما، لكنه وصفهما بأنهما "في منصب يسمح لهما بالمعرفة والإطلاع" لبلدين متحالفين مع الولايات المتحدة وما فعلاه لبناء القاعدة وما عرفاه قبل الحادي عشر عن أيلول.

لم يسفر القبض على أبي زبيدة والتحقيق معه، والذي رُوِيَ في سرد مثير شبيه بفيلم أخاذ ذي تقنية عالية، عن القبض عن واحد من أكثر العاملين المطلوبين في تنظيم القاعدة فحسب، لكنه قدّم أيضاً على نحو غير متوقع ما وصفه أحد الأمريكيين المحققين على أنه بمنزلة "حجر الرشيد للحادي عشر من أيلول" تفاصيل ما زعم أبو زبيدة أنه "عمله" لمسؤولين سعوديين وباكستانيين كبار." وتبدأ الحكاية في الساعة الثانية صباحاً من 28 آذار، 2002 عندما حددت فرقة مراقبة أمريكية مكان أبي زبيدة في بيت آمن من طابقين وباكستان. واشتبك الكوماندوز بشراسةٍ مع 62 مشتبهاً أصيب أحدهم بجراح خطيرة أثناء محاولة الفرار. وقام ضابط مخابرات باكستاني بإجراء بصمات صوتية له وتعرّف بسرعة أنه أبو زبيدة.

ويسهب بوسنر في تفاصيل مذهلة كيف أن المحققين الأمريكيين استخدموا مخدرات _ مسكنًا للألم لم يكشف عن اسمه، في لحظة ويوقفه لحظة أخرى، وبنتوثال الصوديوم، نفس قصة الفيلم القديم حول استخدام المصل لانتزاع الحقيقة _ في نسخة كيماوية من العقاب والمكافأة لإجبار أبي زبيدة على الاعتراف. وعندما توقف الاستجواب، وفق ما يقوله بوسنر، طار رجال من المخابرات المركزية الأمريكية مع أبي زبيدة إلى مجمّع أفغاني مجهّز ليكون غرفة سجن سعودي زائف، حيث "قام اثنان من العرب الأمريكيين، وهما يعملان الآن مع القوّات الخاصّة" متظاهرين بأنهما محقّقان سعوديان، باستخدام مخدرات وتهديدات لتخويفه بغرض انتزاع مزيد من الاعترافات.

ويقول بوسنر إن رد فعل أبي زبيدة لدى هذين السعوديين الزائفين لم يكن خوفاً، بل ارتياحاً كاملاً. "فرح لرؤيتهما وأعطاهما وهو يترنح أرقام هواتف لعضو كبير في العائلة الملكية الذي سيخبرهما ما ينبغي أن يفعلاه. وسيكون الرجل على الطرف الآخر الأمير أحمد بن سلمان بن عبد العزيز، وهو ابن أخ للملك فهد متأثر بالغرب في أسلوب حياته، وهو ناشر، ومعروف كصاحب أفراس للسباق. وقد فاز حصانه، "شعار الحرب" في كنتاكي دربي عام 2002. وما أدهش الولايات المتحدة أن أرقام الهواتف كانت صحيحة. وعندما اتّهم المحققان الزائفان أبا زبيدة بالكذب، استجاب بعشر دقائق من الحديث المنفرد موضحاً المثلث السعودي _ الباكستاني _ ابن لادن.

ويكتب بوسنر أن أبا زبيدة قال إن حلقة الاتصال السعودي تمر من خلال الأمير تركي الفيصل بن عبد العزيز الذي رأس المخابرات السعودية مدة طويلة. وقال أبو زبيدة إن أسامة بن لادن أخبره "شخصياً" عن اجتماع في عام 1991 وافق فيه الأمير تركي على مغادرة المملكة السعودية وعلى توفير أموال سرية له ما دامت القاعدة تمتنع عن تعزيز الجهاد في المملكة السعودية. وقال أبو زبيدة إن حلقة الاتصال الباكستانية، وهو ضابط رفيع المستوى في سلاح الجو، مُشاف علي مير، دخل المعادلة في اجتماع في 1996 عقد في الباكستان حضره أبو زبيدة. وعقد بن لادن صفقة مع مشاف علي مير، الذي كان في الخدمة عندئذ وله روابط وثيقة مع الإسلاميين في جهاز الاستخبارات الباكستانية المتشابكة.

(ISI)

للحصول على حماية وأسلحة وإعدادات لازمة للقاعدة.. وأخبر أبو زبيدة ابن لادن أن السعوديين باركوا هذا الاتفاق.

وقال أبو زبيدة إنه حضر اجتماعاً ثالثاً في خاندار في 1998 مع الأمير تركي وكبار مسؤولي الاستخبارات الباكستانية ومسؤولون من طالبان. ويكتب بوسنر أن الأمير تركي وعد "بتدفق مزيد من المساعدات إلى طالبان، وأن السعوديين لن يطالبوا بتسليم ابن لادن ما دامت القاعدة على وعدها طويل الأمد بتوجيه الأصولية بعيداً عن المملكة." وقال بوسنر في حكم صارخ إن السعوديين "وضعوا بشكل فعّال ابن لادن على جدول مرتّباتهم منذ بداية العقد." وأخبر أبو زبيدة المحققين أن السعوديين كانوا يرسلون بانتظامٍ أموالهم من خلال ثلاثة أمراء سعوديين قام بتسميتهم.

وتشكل الفقرات الثماني الأخيرة من الكتاب تطوراً نهائياً مذهلاً. لقد لاقى هؤلاء الأمراء الثلاثة حتفهم في غضون أيام تفصل بينهم. ففي 22 تموز من عام 2002 مات الأمير أحمد بنوبة قلبية في سن الثلاثة والأربعين. وفي اليوم التالي قُتل الأمير سلطان بن فيصل بن تركي السعودي في سن الحادية والأربعين في ما دُعي حادث سير بسبب السرعة العالية. وأمّا العضو الأخير في الثلاثة، الأمير فهد بن تركي بن سعودي الكبير، فمات رسمياً بالعطش أثناء سفره شرقاً إلى الرياض بعد أسبوع. وبعد سبعة أشهر من ذلك، مات مشاف علي مير الذي كان عندئذ مارشالاً للسلاح الجوي الباكستاني، في حادث تحطم طائرة في طقس صافٍ في المقاطعة الحدودية الشمالية الغربية الجامحة، مع زوجته وأقرب المؤتمين على أسراره.

ومن دون توجيه اتهامات بتصرفات خبيثة (أخبر بوسنر مجلة تايم أن هذه الحوادث ربما تكون مصادفات)، يشير المؤلف إلى أن هذه الوفيات حدثت بعد أن قام مسؤولو المخابرات المركزية الأمريكية بتمرير هذه الاتهامات عن طريق أبي زبيدة إلى الرياض وإسلام أباد. ويذكر بوسنر أن واشنطن صدمت عندما ادعى أبو زبيدة أن الحادي عشر من أيلول لم يغيّرْ شيئاً حول الزواج السري للإرهاب والمصالح السعودية والباكستانية، "لأن كلاًّ من الأمير أحمد ومشاف علي أمير عرفا أنه كان هنالك هجوم مقرر على الأراضي الأمريكية في ذلك الوقت." ولم يكن ممكناً إيقافه أو تحذير الولايات المتحدة مقدماً بشأنه لأن البلدين لم يكونا يعلمان طبيعة الهجوم أو مكانه، وفق أبي زبيدة. ولم يكن بإمكانهما أن يتهما ابن لادن فيما بعد خشية أن يفضح سابق معرفتهما بالأمر. فأسرعت العاصمتان إلى التوكيد لواشنطن "أنهما قاما بالتحقيق في تلك المزاعم بشكلٍ وافٍ وأنها كانت كاذبة وخبيثة. "ويقول بوسنر إن إدارة بوش قررت أن "خلق حدث دولي وتوتر للعلاقات بهذين الحليفين الإقليميين، وهما هامّان جداً في الحرب في أفغانستان والتعبئة لحرب محتملة مع العراق، أمر غير وارد."

يبدو أنه من المؤكد أن الكتاب سيثير عاصفة سياسة ودبلوماسية. والسؤال الأول الذي سيطرحه الجميع هو: هل هذا صحيح؟ ويتساءل كثيرون إن كانت هذه الأمور المتناولة في الصفحات الثماني والعشرين من تقرير واشنطن الرسمي حول الحادي عشر من أيلول، والتي أُخضعت للرقابة. وقد قيل منذ فترة طويلة أنه يرجح أنه لدى المملكة السعودية نوع ما من الترتيب السري لدرء الأصوليين ضمن المملكة. لكن يبدو أن هذا أول وصف لميزة ممنوحة واضحة مكررة بين ابن لادن ومسؤول سعودي.

أخبر بوسنر مجلة تايم أنه حصل على تفاصيل التحقيق مع أبي زبيدة وتصريحات كاشفة من مسؤول أمريكي خارج المخابرات المركزية الأمريكية، وهو "مسؤول كبير جدّاً على مستوى السلطة التنفيذية" يرجح أننا نعرفه لو أخبرنا به. لكنه لم يفعل ذلك. وقال بوسنر إن المصدر الثاني هو من المخابرات المركزية الأمريكية، وقد أعطى ما عدّه بوسنر تثبيتاً للقصة، لكنه لم يكرر التفاصيل. هنالك مسؤولون كبار بين إدارة بوسنر تبنّوا منذ فترة طويلة نظرة عدائياً إلى السلوك السعودي حول الإرهابي، وربما يودّون تسريب مزاعم أبي زبيدة. ولم يستجب الأمير تركي، وهو الآن سفير السعودية لدى بريطانيا، لرسائل بوسنر والفاكسات التي أرسلها.

هنالك سؤال آخر لم تتم الإجابة عنه: إذا كان الأمير تركي ومشاف علي مير قد عقدا صفقات مع ابن لادن، فهل كانا يتصرفان بناءً على تكليف من حكومتيهما أم من تلقاء نفسيهما؟ يتجنب بوسنر أي تصريح مباشر حول هذا الأمر، لكن الكتاب يلمح إلى أنهما كانا يقومان بعمل رسمي، لكن سري. وسبق أن اعترف تركي _ لمجلة تايم في تشرين الثاني من 2001 بين مجلات أخرى _ باجتماعه في 96 و 98، لكنه ادعى أن جهوده كانت ترمي إلى إقناع السودان وأفغانستان بتسليم ابن لادن. والقضية ضد الباكستان أكثر غموضاً. فمن المعروف تماماً أن عناصر إسلامية في جهاز الاستخبارات هناك كانت تساعد طالبان في ظل حكومة نواز شريف. لكن إذا كان مشاف علي مير يتعامل مع ابن لادن، ربما كان يعمل خارج القنوات الرسمية.

وأخيراً، فإن تفاصيل اعترافات أبي زبيدة التي أدلى بها بتأثير المخدرات قد تجلب على الولايات المتحدة اتهامات أنها تستخدم وسائل التعذيب على المشتبهين بالإرهاب. ويقول بوسنر إن الإدارة الحكومية قررت بعد وقت قصير من 11 أيلول السماح باستخدام نبتوثال الصوديوم على السجناء. ويقول أيضاً إن الإدارة "تعتقد سِرّاً أن المحكمة العليا قد وافقت ضمناً على استخدام مثل هذه المخدرات حيثما تكون السلامة العامة في خطر"، مقتبساً بذلك رأياً في عام 1963.

أمّا بالنسبة للذين مازالوا يتساءلون كيف أمكن حدوث الهجمات قبل سنتين، فإن كتاب بوسنر يقدم مجموعة مرتبة من الأجوبة. لكنه يفتح المزيد من الأسئلة المزعجة حول حلفاء أمريكا الأساسيين، وهي أسئلة لا بد لشخص ما أن يتناولها.

النص الأنجليزى

http://content.time.com/time/magazine/article/0,9171,480226,00.html

مجلة تايم

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*