القاهرة - أشرف عبدالحميد
أين ذهبت عناصر "داعش" بعد دحرهم في العراق وسوريا؟ كان هذا هو السؤال الذي أصدر الأزهر دراسة تفصيلية للإجابة عنه وكشف تفاصيله.
وفي الحلقة الثانية من دراسته التي صدرت، اليوم الأربعاء، للإجابة على هذا السؤال أكد الأزهر أنه لم يعد أمام عناصر التنظيم بعد دحرهم في سوريا والعراق سوى خيارات ثلاثة أولها: اللجوء إلى مناطق يوجد لهم فيها موطئ قدم، مثل ليبيا أو الحدود العراقية السورية أو صحراء سيناء، أما الخيار الثاني فهو القيام بعمليات إرهابية في أوروبا، ينقلون خلالها المعركة من الشرق إلى الغرب. وثالثاً وأخيراً: الانتقال إلى أسلوب حرب العصابات والذوبان في الصحراء، وهو أمر سبق لـ"داعش" تجربته في العراق.
الخيار الأول
يرى الأزهر أن الخيار الأول هو الأقرب للواقع، مضيفاً بالقول إن مقاتلي تنظيم "داعش" بدأوا بعد سقوط معاقلهم في العراق وسوريا بالفرار إلى مناطق أخرى، يرى فيها قادة التنظيم أرضاً خصبةً لإنشاء معاقل جديدة له.
المعلومات تقول إن عناصر "داعش" توجهوا إلى أفغانستان، وغرب إفريقيا، وسيناء، وباكستان، وليبيا، وآسيا الوسطى، حيث تُمثل أفغانستان مناخاً مناسباً لتنظيم "داعش"، إذ تتشابه مع العراق وسوريا في تواجد تنوع طائفي، الأمر الذي يُمكن عناصر التنظيم الإرهابي من اللعب على وتر الطائفية، وبالتالي إيجاد تربة خصبة للقيام بعملياتهم الإرهابية والتمركز هناك.
ويضيف الأزهر أن هذا ما حدث بالفعل، حيث توجه عدد كبير من الدواعش إلى الأراضي الأفغانية، وهذا ما أكده ممثل روسيا في أفغانستان زامير قابولوف، الذي قال في تصريحات له إن روسيا كانت من أوائل الدول التي حذرت من ارتفاع عدد الدواعش في أفغانستان، مشيراً إلى أن قوة تنظيم "داعش" قد ازدادت في أفغانستان خلال الفترة الأخيرة، وتجاوز عددهم العشرة آلاف، وهذا العدد في زيادة مستمرة مع تدفق مقاتلين جدد من سوريا والعراق بعد هزيمة التنظيم هناك.
المعلومات هذه أكدتها وكالة أنباء "خاورميانه" بأفغانستان، حيث ذكرت أن أعداد المقاتلين الأجانب التابعين لتنظيم "داعش" في ازدياد في الوقت الراهن خاصة فى مدينة درزاب بولاية غوزغان، شمال أفغانستان، وأكد رئيس المدينة باز محمد، للوكالة أن أعداد مقاتلي "داعش" الأجانب في المدينة وصل حتى الآن إلى ألف و250 مقاتلا تقريباً، مؤكداً أن هؤلاء الأجانب يحملون الجنسيات التركمانية، والشيشانية، والطاجيكية، والأوزبكية، والباكستانية، والجزائرية، والفرنسية، وأكثرهم يتحدثون اللغة العربية، الأمر الذي يشير لاحتمال أن يكونوا من أعضاء التنظيم الفارين من سوريا والعراق.
التوجه إلى إفريقيا
أما بالنسبة لتوجه مقاتلي "داعش" إلى إفريقيا فيعد ذلك أحد الخيارات المرجحة بقوة - وفق دراسة الأزهر - ويقول إنه تواردت الكثير من الأنباء التي تؤكد عودة بعض الأفارقة الذين كانوا يقاتلون في صفوف "داعش" بسوريا والعراق إلى موطنهم الأصلي.
وفي هذا الصدد، حذّر مفوض السلم والأمن في الاتحاد الإفريقي إسماعيل شرقي من إمكانية عودة حوالي 6 آلاف مقاتل إفريقي قاتلوا في صفوف "داعش" إلى القارة السمراء، داعياً الدول الإفريقية إلى الاستعداد بقوة للتعامل مع عودتهم، ومشيراً في الوقت ذاته إلى أن هناك تقارير تفيد بوجود 6 آلاف مقاتل إفريقي ضمن 30 ألفا انضموا إلى "داعش"، الأمر الذي يثير مخاوف من أن يتكرر ما حدث في الجزائر حين عاد مقاتلون من أفغانستان وأنشأوا جماعات مستقلة حصدت أرواح آلاف الأبرياء.
ويرى الأزهر أن عودة الدواعش إلى إفريقيا وبالأخص في منطقة الساحل والصحراء يمثل خطورة بالغة على القارة الإفريقية بشكل خاص، وعلى أمن واستقرار المواطنين بشكل عام، الأمر الذي يتطلب بذل جهودٍ كبيرة وتعاون بين دول القارة على المستويين المحلي والعالمي، وتبادل المعلومات الكافية بشأن هؤلاء المسلحين، لمنع تسربهم لشرايين القارة السمراء.
"داعش" في سيناء
وتكشف دراسة الأزهر عن بعض أهداف "داعش" نحو مصر، وتقول إنه على الرغم من أن الجيش المصري نجح في توجيه ضربات قاصمة للدواعش في سيناء، وقضى على المئات من عناصره وحصر وجودها في عدة بؤر معزولة ومتناثرة إلا أننا نلاحظ من وقت لآخر وقوع بعض العمليات الإرهابية التي يتغير شكلها التكتيكي وأبعادها الاستراتيجية، لكن هذه العمليات في المجمل تتخذ من قوات الجيش والشرطة والأقباط والجماعات الصوفية ورموز الدين الإسلامي أهدافاً لها.
وتقول الدراسة إن هذه العمليات المتناثرة تشير إلى أن بعض خلايا التنظيم في مصر ما زالت قادرة على إلحاق الأذى والتخريب، كما تؤكد أن خطة تنظيم "داعش" الأساسية في مصر، والتي كانت تستهدف تحويل أرض الكنانة إلى بؤرة صراع وانقسام، منيت بفشل ذريع.
"داعش" في ليبيا
منذ سقوط نظام الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، وليبيا تعيش حالة من غياب الدولة، وتشهد العديد من الانقسامات التي وصلت إلى حد الاقتتال الداخلي، وهي الأسباب التي تسمح لأي تنظيم إرهابي بالاستقرار دون مقاومة حقيقية، وقد سعى تنظيم "داعش" إلى استغلال هذا الأمر، وشرع بالفعل في تعزيز تواجده في بعض الأراضي الليبية محاولًا اتخاذها مركزاً له.
وأعلن داعش في وقتٍ سابق، أن له ثلاث ولايات في الأراضي الليبية، هي: طربلس، وبرقة، وفزان، ومن ثم جعل التنظيم من ليبيا في الفترة ما بين عامي 2015 و2016 مركزاً لتنفيذ عملياته الإجرامية في شمال إفريقيا، ونجح الليبيون في استعادة مدينة سرت من التنظيم، لتبقى أمامهم معضلة بقاء خلايا "داعش" المنتشرة في الصحراء الليبية حتى الآن، فيما صرح البنتاغون في عام 2016 بأن عدد المقاتلين الدواعش في ليبيا بلغ 6 آلاف و500 مقاتل تقريباً.
"داعش" في باكستان
تندرج باكستان ضمن قائمة أهم الدول التي يسعى "داعش" إلى تعزيز تواجده فيها، وتشير إلى أن الهدف الجديد لمقاتلي "داعش" القابعين في أفغانستان، هو إفساد مشروع الصين، والمعروف بطريق الحرير الجديد الذي يعد أضخم مشروع تجاري في العالم يربط الصين بتركيا وأوروبا وجمهوريات آسيا الوسطى وأفغانستان وباكستان ودول أخرى.
وجهة النظر هذه ربما تكون الأقرب للحقيقة كما يقول الأزهر فقد تبنى "داعش" استراتيجية توسعية جديدة في آسيا بعد هزيمته في سوريا والعراق، وجاءت استراتيجية الصين في بناء طريق الحرير الجديد لتفسد على التنظيم الإرهابي ما كان يرمي إلى تحقيقه، حيث تقع المحطات الرئيسية للطريق ضمن الاستراتيجية التوسعية للدواعش.
لكن إذا كان إقليم بلوشستان الباكستاني قد دخل ضمن مشروع الصين التجاري في عام 2015، فإنه أيضاً دخل ضمن مشروع "داعش" عام 2016، حيث استغل التنظيم الأزمة التاريخية القديمة والصراع الدائر هناك وقام بتنفيذ العديد من العمليات الإرهابية ضد الشرطة والمدنيين، آخرها الهجوم على إحدى الكنائس في مدينة كويتا عاصمة بلوشستان.
الأمر ذاته وفق دراسة الأزهر يتكرر مع بنغلادش، وميانمار، اللتين تقعان ضمن الممرات البرية الستة التي تُشكل طريق الحرير البري، الممتد من جنوب الصين إلى الهند، وإذا كان العام 2016 شهد انضمام بنغلادش إلى المشروع الصيني، فإنه شهد أيضاً إعلان "داعش" بداية الجهاد في أرض البنغال، وهو ما تحقق على أرض الواقع بإعلان التنظيم الإرهابي مسؤوليته عن عدة عمليات إرهابية وقعت هناك.
وفي ذات السياق، حذر كثير من المتخصصين في مكافحة التطرف من أن أحداث العنف غير العادية، وجرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضد مسلمي الروهينغا في إقليم أراكان البورمي، يشكل مناخاً مساعداً ومهيئاً لظهور تنظيم "داعش" وغيره من الجماعات المتطرفة في ميانمار.
أما بالنسبة لإندونيسيا فقد سعى تنظيم "داعش" منذ فترة إلى التواجد فيها، بهدف إنشاء ذراع آسيوية له، تمكنه من بسط خلافته المزعومة في آسيا، متمسكاً في ذلك بشعار تنظيم "داعش" باق ويتمدد، ومتخذاً من استقطاب مقاتلين جدد في جنوب شرق آسيا وسيلة لتحقيق أهدافه الخبيثة.
ويقول الأزهر ولعل التفجيرات التي ضربت جاكرتا في 14 يناير 2016، ونُسبت إلى "داعش"، وأسفرت عن مقتل 7 أشخاص، تشير إلى أن التنظيم الإرهابي يسعى للتواجد في إندونيسيا.