الأكل ليس جريمة - مقالات
أحدث المقالات

الأكل ليس جريمة

الأكل ليس جريمة

سناء العاجي:

 

تخيل أنك، بعد بضع سنوات، وأنت تبلغ من العمر سبيعين سنة أو أكثر، ستجد نفسك محرجا: كيف تشرح لأحفادك وحفيداتك أنك دخلت السجن.. ليس لأنك قتلت ولا لأنك اغتصبت، بل لأنك أكلت أو شربت قهوة

تخيلي أن شبابا من عمرنا، بعد سنوات، سيسخرون من جيلنا لأن الكثيرات والكثيرين بيننا مضطرون اليوم للاختفاء في كل الأماكن الممكنة (حتى المراحيض أحيانا) لممارسة حق طبيعي هو الأكل والشرب! بالمناسبة، فتلك الأقلية التي يعدها البعض بالعشرات هي في الحقيقة بالآلاف، لكننا لسنا بعد مستعدين لقبول هذا التنوع في المجتمع!

الحقيقة أن الحديث عن "حريتك التي تنتهي حين تبدأ حرية الآخر" فيما يتعلق بالصوم أو عدمه، هو مغالطة عظيمة. إذ، في ماذا تتأذى حريات الآخرين حين لا يصوم شخص ما؟ هل يجبرك غير الصائم على عدم الصوم؟ بل أن العكس هو الصحيح، لأن حريتك في الصوم تتوقف عندما تبدأ حرية الآخر في عدم الصوم: من حقك أن تصوم، لكن ليس من حقك أن تجبر الآخر على الصوم! حريتك أن تصوم تماما كما هي حريته ألّا يصوم، وليس لأحدكما إجبار الآخر على الإتيان بغير ما يريد. لكن الواقع أن غير الصائم لا يفرض على الآخرين الإفطار، هو فقط يطالب بحقه في ممارسة اختياره بحرية. بالمقابل، فالصائم يريد أن يفرض التدين والصوم على غيره!

كذلك، فلازمة احترام مشاعر الآخرين هي ربما من أغبى الحجج التي يمكن أن يسوقها المدافعون عن هذا العبث، لأن الصائمين بالملايين في أوروبا وأمريكا وكندا والصين والهند، يشاهدون غيرهم من المواطنين يأكلون ويشربون ويدخنون، دون أن تنزعج مشاعرهم.. كما أن نفس المسلمين في المغرب وفي باقي دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد يصومون خلال باقي أيام السنة دون أن ينزعجوا من زملائهم وأقاربهم الذين يأكلون ويشربون.. لكن، خلال رمضان، تصبح مشاعرهم الدينية هشة. في النهاية، فهم ينزعجون من قدرتك على ممارسة اختلافك، وليس من الإفطار. ينزعجون من قدرتك على الخروج من الإجماع و"مما يفعله الآخرون" ومن ثقافة القطيع. وإلا، بهذا المنطق، فعلينا أن ننزعج من ملايين المغاربة الذين يمارسون حياتهم الطبيعية في أوقات الصلاة، والذين يملكون الإمكانيات ولا يذهبون للحج، والذين لا يعطون الزكاة... أليست هذه أيضا من أركان الدين؟

أما متلازمة "الأجانب الذين يحترمون رمضان، فكيف بالمغاربة الذين يفترض أنهم مسلمون؟"، فتلك حرية أولئك الأجانب التي يمارسونها بكامل اختيارهم، وهذا أمر جميل. لكننا هنا نتحدث عن سلوك يصبح إجباريا بلغة القانون وبمنطق الضغط الاجتماعي..

الحجة الواهية الأخرى التي يقدمها البعض هي: "إذا ابتليتم فاستتروا"؛ لأن من يختار عدم الصيام ليس مدمنا ولا مجرما لكي نتحدث عن الابتلاء، هذا طبعا دون الحديث عن مئات الآلاف من المتدينين ممن لهم عذر شرعي يعطيهم الحق في الإفطار. ثم، من قرر أن الفضاء العام هو ملك حصري للمتدينين والصائمين؟ لماذا لا يكون لغير الصائم الحق في الاستمتاع بحقه المواطن في الفضاء العام؟ أليست الدعوة لـ "الستر" هي دعوة للنفاق؟ دعوة لأن يصوم الشخص أو لا يفعل، لكن أن يكون منافقا ويتظاهر أمام غيره بالصيام؟ دعوة للكذب؟ في النهاية، هل نصوم لله أن نصوم خوفا من المجتمع ومن السجن؟

هذا دون أن ننسى أن ظروف الحياة والعمل قد تغيرت.. الكثيرون اليوم يغادرون بيوتهم ولا يعودون لها إلا في نهاية اليوم. إن اختاروا عدم الصوم، فلماذا لا يكون من حقهم ممارسة هذا الحق بشكل طبيعي؟ لماذا يكون عليهم أن يختبئوا وكأنهم يرتكبون جريمة؟ أين يمكنهم أن يمارسوا هذا الحق؟ 

لقد حان الوقت لإلغاء الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي، والذي يعاقب غير الصائمين بالسجن. الأكل ليس جريمة. لا يعقل أن يدخل مواطنون السجن بسبب الأكل والشرب أو التدخين في رمضان. السجن للمجرمين فقط! وإمكانيات الدولة يجب أن تُرْصَد لمعاقبة المغتصبين واللصوص والقتلة... وليس لمعاقبة مواطن لا يسبب أي أذى لغيره، بل فقط لأنه اختار عدم الصوم

الحرة

 

 

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث