لاهوت المقهورين (١) - مقالات
أحدث المقالات

لاهوت المقهورين (١)

لاهوت المقهورين (١)

الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ

هل من لاهوتٍ للمقهورين؟

  إنّ الوضع الذي يعيش فيه المقهورون تحت الظلم والقهر يعمل على نزع إنسانيّتهم وينتهكها. يُنتج هذا الوضع مواقف عنيفة، كلاميّة كانت أم فعليّة. كما أنّ هذا الوضع يحصر الإنسان في فكر ضيّق يصير فيه فعل التفكير جرمًا وفعل الكتابة مكرهة ومجلبة للعديد من المشاكل علي كافة الأصعدة، وفي المجال اللاهوتيّ يجلب التهميش والاستقصاء بل والاتّهام بالهرطقة. على اللاهوت إذًا أن يعمل على خلق الوعي بين المؤمنين بحقيقة القهر، بأنّهم مقهورون. كما على اللاهوت أيضًا أن يخلق الوعي لدى الطغاة بطغيهم.

خلق الوعي هو إذًا المفتاح، فهذا المصطلح الذي يستخدمه پاولو فريري هو بليغ في وصفه بأنّ الطغاة والمقهورين سيّان في أحيان كثيرة إذ هم غرقى في عالمهم وفي أغلب الأحيان لا يعون بذلك.

الوعي إذًا هو أوّل خطوة نحو التحرّر.

ليس هناك لاهوت محايد، فاللاهوت الذي لا يحرّر فهو بالضرورة يستعبد. يستعبد الإنسان بتغييبه واستلابه من واقعه اليوميّ.

يحمل اللاهوت في طيّاته واقعه التاريخيّ والثقافيّ والجغرافيّ، ويصبح في داخله العلاقة الإنسانيّة ذاتها بين المعلِّم والتلميذ وبين رجل الدين والعلمانيّ. على هذه العلاقة أن تتغيّر. لكي يبدأ الإنسان مسيرة تحرّره والإفاقة من استلابه.

  مَن هو المظلوم؟

وفقًا لباولو فريرى المظلوم هو شخص مزدوج، يحمل في داخله الطاغية عينه. فهو في الوقت ذاته  الشخص وهو الآخر. ينجذب المقهور إلى الطاغية وإلى طريقته في الحياة.

يتبنّى المقهور رؤى الطاغية ونظرته للحياة والأمور.

ويخشى المقهور التحرّر، يفزع من المساك بزمام الأمور، أن يكون هو سيّد مصيره، وربّ استقلاله.

يغرق المقهور في العالم الذي خلقه الطاغية الذي خلقه لمصلحته، فلا يعد يرى الواقع.

إن لم يستطع المقهور أن يضع إصبعه علي الطاغية الذي بداخله سيظلّ ينتج لاهوتًا يحركه الطاغية لمصلحته، لاهوتًا اعتماديًّا “جبريًّا” بل وسيمارِس قهره ضدّ مَن هم أضعف منه.

يتحوّل القاهر إلى طاغية في نهاية المطاف، وينتج لاهوتًا للقهر.

مصر المدنية

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث