هل الإلحاد جريمة؟ - مقالات
أحدث المقالات

هل الإلحاد جريمة؟

هل الإلحاد جريمة؟

سحر الجعارة

روى البخارى ومسلم عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، رضى الله عنهما، قَالَ: (بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، إِلَى الْحُرَقَةِ، فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ، فَهَزَمْنَاهُمْ، وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ رَجُلاً مِنْهُمْ، فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ! فَكَفَّ الْأَنْصَارِىُّ، فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِى حَتَّى قَتَلْتُهُ فَوَقَعَ فِى نَفْسِى مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِىَّ، صلى الله عليه وسلم، وفى رواية مسلم: فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِىِّ، صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «يَا أُسَامَةُ: أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟!..»، قُلْتُ: كَانَ مُتَعَوِّذاً.. إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفاً مِنَ السِّلاَحِ.. «أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟! أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟!».. فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَىَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّى لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ)!.

هكذا لم يجد الرسول الكريم «آلية» تحدد موقف الإنسان ما بين الكفر والإيمان، إلا ما نطق به ليكون الحكم بالظاهر وليس بـ«شق القلوب».. وهو ما اصطلح على تسميته فى عصرنا الحالى بمحاكم التفتيش، التى اجتاحت الغرب فى العصور الوسطى، لكن البعض يريد أن تتزايد معدلات «الفتنة» فى مصر، فبعدما أصبحت ورقة «الأقباط والمسلمين» مكررة، بدأت تصفية «الصوفيين» فى تفجير مسجد «الروضة» بالعريش.. تحت زعم أنهم يروجون لأفكار «شيعية».. والآن جاء الدور ليفجر مجلس النواب قنبلة جديدة بمحاولة التصدى للملحدين (وهى فى ظاهرها دعوة إيمانية وفى باطنها لغم على وشك الانفجار)!.

أمين سر اللجنة الدينية بالبرلمان المصرى «عمر حمروش»، تقدم بمشروع قانون يسعى إلى تجريم ظاهرة الإلحاد، وإدراجها فى مواد قانون تلحق بازدراء الأديان.. وقبل أن أتطرق لمشروع القانون سأتذكر -معكم- واقعة كنت بطلتها -حين وقعت فى نفس الفخ، فقبيل ثورة يناير 2011 خضت معركة على «الفيس بوك» مع مجموعة ملحدين، كانوا قد أسسوا صفحات على «الفيس بوك» للسخرية من الأديان الإبراهيمية، واختراع «قرآن مشوه» والإساءة إلى جميع الأنبياء.. حتى وصل الصدام معهم إلى «بلاغ للنائب العام» -آنذاك- وبالفعل تم التحقيق فى نيابة أمن الدولة مع بعض الأطراف.. حتى جاءت الثورة ليغلق الملف، خاصة أن الصفحات كانت بأسماء وهمية، وكان يكفى لأى متهم أن ينطق الشهادتين ليخرج من القضية (مثل الشعرة من العجين)!. لم أكن وقتها ضد «حرية الاعتقاد»، بل كنت ضد السخرية من الأنبياء والكتب السماوية، وبعدها صدر قانون «ازدراء الأديان».. ورغم أنه من القوانين السالبة للحريات إلا أنه يعاقب: (بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، ولا تتجاوز الـ5 سنوات كل من استغل الدين فى الترويج بالقول، أو الكتابة، أو بأى وسيلة أخرى لأفكار بقصد الفتنة أو تحقير أو ازدراء الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها).

والحقيقة أن قانون ازدراء الأديان تحول -عند التطبيق- إلى «مصيدة» للمفكرين والمبدعين ولكل من يجرؤ على الاقتراب من التراث الفقهى، وعوقب بموجبه «أطفال مسيحيون» فى صعيد مصر!. الآن نحن أمام قانون يصطدم أولاً بـ«حرية العقيدة» التى كفلها المولى، عز وجل، للإنسان: «وقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُر»، سورة الكهف الآية 29.

وكما قلت سابقاً (فى مداخلة هاتفية مع الإعلامية «إيمان الحصرى» على قناة «دى إم سى»)، كيف سيتعامل هذا القانون مع من يبدل عقيدته (من الإسلام إلى المسيحية أو العكس)؟.. هل سنعتبره «كافراً» يجب معاقبته رغم أن القانون المصرى يكفل له ذلك؟. فى نفس المداخلة قال النائب «حمروش» إنه يبحث عن «التوعية الدينية»، فلماذا لم يركز عليها فى «مكافحة الإرهاب»، الذى تعتمد تنظيماته اجتزاء آيات من القرآن أو أحاديث نبوية ضعيفة، أو تستخدم الفتاوى الشاذة ومناهج الأزهر التى تبيح أكل لحم الأسير، للقتل والترويع وإسقاط الأوطان.. فالإرهاب والإلحاد وجهان لنفس العملة؟.

السؤال: هل الإلحاد جريمة فى حق المجتمع؟ الحقيقة لا.. طالما لم ترتبط بتسفيه الأديان، والقانون الوضعى يعاقب على الجرائم «الملموسة» التى يمكن تحديدها ووضع ضوابط للمتهم بها.. فهل يسعى النائب «حمروش» لقانون يتحول إلى أداة لضرب أى خصم فى أى معركة، والزج بالناس خلف السجون بجمل مطاطية؟!. أيضاً يتعارض قانون «تجريم الإلحاد» مع الدستور الذى ينص فى المادة «64» على أن: (حرية الاعتقاد مطلقة. وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية حق ينظمه القانون).

كما يتناقض -أيضاً- مع المادة 18 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الذى وقعت عليه مصر والتى تنص على: (لكل شخص حق فى حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته فى تغيير دينه أو معتقده، وحريته فى إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة)!. فهل المقصود هو إلهاء الشعب وتغييب المواطنين عن عدم اهتمام البرلمان بقضاياهم الأساسية بفرقعة إعلامية؟.. ومناقشة «قضايا عبثية»!.. نحن لم نر ملحداً يحمل سلاحاً ويدمر الوطن بتفجير كنيسة أو هدف عسكرى.. حاربوا التطرف والإرهاب إن كنتم تنظرون بجدية لهذا الوطن.

الوطن

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*