علاء الأسواني: ..الحلة على رأس سيادة الرئيس .. - مقالات
أحدث المقالات

علاء الأسواني: ..الحلة على رأس سيادة الرئيس ..

علاء الأسواني: ..الحلة على رأس سيادة الرئيس ..

حدث ذلك فجأة: كان السيد رئيس الجمهورية يتكلم في مجلس الوزراء أمام الكاميرات التي تنقل وقائع الاجتماع، أنصت الوزراء كالعادة لكلام الرئيس بتبجيل وهم يهزون رؤوسهم باعجاب بالغ. تكلم الرئيس عن الانجازات الكبرى التي حققها للوطن والمؤامرات الخارجية الشريرة التي تصدى لها وأفشلها جميعا وفجأة، سكت الرئيس ومد يده أسفل مائدة الاجتماعات ثم أخرج حلة ووضعها على رأسه، كانت حلة عادية من الألمونيوم المستعملة في طهي الطعام.

استقرت الحلة على رأس سيادة الرئيس فبدا عليه الارتياح وراح يتأمل وجوه الوزراء الذين أصابهم ذهول وظلوا عاجزين عن الحديث نحو دقيقة كاملة وأخيرا صفق وزير الدفاع وتبعه بقية الوزراء فأخذوا يصفقون بحرارة بينما الرئيس يتأملهم مبتسما وهو يرتدي الحلة. كان وضع الرئيس للحلة على رأسه بمثابة زلزال: قطع مخرج التليفزيون الارسال فورا وتجاهلت القنوات التليفزيونية والصحف ما حدث، اعتبر ضباط المخابرات المشرفون على الاعلام ان مافعله الرئيس مجرد زلة ناتجة عن الارهاق في العمل، اتصل رئيس المخابرات برئاسة الجمهورية طالبا تعليمات محددة بشأن واقعة الحلة، سرعان ما جاءته الاجابة المدهشة: لقد قرر الرئيس أن يضع الحلة على رأسه بصفة دائمة.

في اليوم التالي التقى الرئيس ببعض أعضاء البرلمان (الذي تسيطر عليه المخابرات) فأخرج الحلة ووضعها على رأسه من جديد وراح ينظر إلى أعضاء البرلمان. كانوا قد سمعوا عن الأمر فصفقوا بحرارة وهتف أحدهم:

ــ ربنا يخليك يا سيادة الرئيس

انتشر خبر الحلة وسادت حالة من الحيرة والارتباك بين الناس وراحوا يتساءلون:

ــ لماذا يضع الرئيس الحلة على رأسه ..؟

لكن المخابرات بدأت فورا حملة اعلامية كبرى من أجل الدفاع عن تصرف الرئيس. تلك الليلة ظهر في كل البرامج التليفزيونية المسائية عشرات المتحدثين الذين أجمعوا على ان وضع الحلة على دماغ سيادة الرئيس تصرف حكيم وملهم يجب أن نتعلم منه الكثير. قال قسيس من قيادات الكنيسة ان الرئيس عندما وضع الحلة على رأسه ضرب للشعب المثل في التواضع تماما كما فعل السيد المسيح بينما أكد شيخ من القيادات الاسلامية ان سيادة الرئيس أراد بتصرفه أن يذكرنا بالجهاد المقدس اذ أن الحلة التى وضعها على رأسه ما هي في الواقع الا الخوذة التي كان المسلمون المحاربون يضعونها أثناء الغزوات.

أستاذ الاجتماع السياسي قال إن الرئيس يريد أن يطور تفكير الناس فتعمد أن يصدمهم في المسلمات حتى يتعلموا التفكير الحر،  رئيس حزب يساري أكد ان الرئيس بوضعه للحلة على رأسه انما يحاول هدم الثقافة البورجوازية المتعفنة ويبين لنا ان التهذيب البورجوازى مجرد غطاء كاذب لجشع الرأسماليين الذين يمصون دماء الطبقة العاملة.

أما الشاعرة المعروفة التى لا تصفف شعرها  أبدا فيسقط دائما على جانبي وجهها على هيئة جدائل متشابكة فقد ألقت بصوتها المتهدج قصيدة قالت فيها:

"عندما وضع الزعيم الحلة على دماغه"

"انشق الأفق بسكين لامع وبصق الأقحوان الدم قبل أن يتجلط

"أين أنت ياسنابل الموت ؟"

"تعالي أيتها العاهرة العجوز ؟"

"الحلة على رأس الزعيم"

"تنشر العطر في أكفان الموتى المحتشدة - كرقائق الحلوىى - في صهاريج المياه اللعوب"  

بعد شهر واحد، نجحت الحملة الاعلامية في اقناع الشعب أن ماحدث أمر عظيم للغاية وبدأ الناس يقولون:

ــ هذا الرئيس يخاطر بشعبيته. أي رئيس آخر كان سيرفض وضع الحلة على رأسه لكنه يريد ان يطور تفكيرنا حتى نحقق النهضة في بلادنا. انه فعلا قائد مخلص عظيم.

ثم بدأت الاجهزة التنفيذية بالتعاون مع المخابرات في تنظيم مسيرات حاشدة يحمل فيها المتظاهرون مئات الصور لسيادة الرئيس  وعلى رأسه الحلة وهم يهتفون باسمه. تقبل الشعب تماما منظر الرئيس والحلة على رأسه لكن بقيت  مشكلتان: أولا ان الاعلام الأجنبي لم يكن معجبا بما فعله الرئيس وبدأ يسخر منه، عندئذ انطلقت البرامج التليفزيونية تهاجم وسائل الاعلام الاجنبية وتتهمها بتنفيذ مخطط عالمي صهيوني ماسوني هدفه زعزعة ثقة الشعب في قيادته.

المشكلة الأخرى ان شبانا كثيرين لم يقتنعوا بما يقوله الاعلام وسخروا على فيسبوك وتويتر من الحلة التى وضعها الرئيس على رأسه.

قبضت أجهزة الأمن على آلاف الشبان وأحالتهم إلى المحاكمة العسكرية بتهم اهانة السيد الرئيس والانضمام لجماعة ارهابية وتكدير السلم الاجتماعي ومحاولة قلب نظام الحكم. على ان القبض على آلاف الشباب والقائهم في السجون لم يمنع بقية الشباب من التعبير عن سخطهم على هذا الرئيس الذى يضع الحلة على رأسه وراح الشباب يشتبكون مع كبار السن  في مناقشات حادة كثيرا ما تتحول الى مشاجرات.

كان الشباب يتساءلون:

- كيف تعتبرون أن وضع الحلة على رأس أي انسان تصرف طبيعي . ألهذه الدرجة تتأثرون بالاعلام الكذاب ..؟ من يضع الحلة على رأسه لايصلح لمنصب الرئيس

عندئذ يصرخ الكبار بغضب:

- أخرسوا. قطع لسان كل من يسيء لقائدنا العظيم. أنتم عيال خونة قبضتم أموالا من جهات أجنبية حتى تسقط بلادنا في الفوضى.

وهكذا انقسم الشعب الى قسمين: الشباب يعارضون الرئيس والكبار يؤيدونه. شباب كثيرون أحسوا باحباط وغربة في بلادهم فقرروا الهجرة. الأوضاع تزداد سوءا كل يوم في البلاد، قمع وفقر وفساد، متى يدرك الكبار أن الشباب على حق ..؟

ملحوظة:هذه الحكاية حدثت في إحدى جزر المحيط الهادي                

الديمقراطية هي الحل

 draswany57@yahoo.com

دى دبليو

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث