تناول مقال في صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» ملفًا شديد الحساسية ويعتبر من المحظورات في المملكة العربية السعودية، إذ نقلت كاتبة المقال مولي هينسي فيسك، وقائع صادمة عن الانتهاكات الجسيمة التي تتعرض لها النساء هناك بسبب نظام الوصاية عليهن.
تستهل الكاتبة بنقل حكاية السيدة السعودية هالة (30 عامًا)، التي تعيش مع والديها وإخوتها، فطلبت يومًا من أخيها إصلاح شيء في حجرتها، حينها سألها عن لون سروالها الداخلي، مما أصابها بالهلع. وتضيف السيدة أن والدها قد راودها عن نفسها من قبل. فاختبأت في حجرتها ووضعت قفلاً وخزنت الطعام، لكنه اتصل بها من حجرة مجاورة وتفوه بكلام جنسي وهو يمارس العادة السرية. لم تتحمل السيدة هذه الأوضاع، ففرت من المنزل إلى شقق مفروشة لبضعة أيام، لكنها عادت بعد أن اتصل بها والدها، الوصي عليها وفقًا للقانون السعودي.
ينقل التقرير عن هالة قولها «لقد هددني برفع دعوى قضائية ضدي لأنني هربت، وتوعدني بمنعي من العمل». تعمل هالة في مجال الرعاية الصحية. وقد التقتها «لوس أنجلوس تايمز» في مقهى نسائي مؤخرًا. بدت متوترة طوال الوقت، وغطت وجهها بالحجاب كلما اقترب أحدهم. وطلبت تعريفها باسمها الأول فقط خوفًا من التعرف عليها. يقول التقرير:
إن فرار النساء من اعتداءات الرجال يعتبر جريمة في السعودية؛ إذ أن نظام الوصاية هناك يمنح الذكور سلطة واسعة عليهن، فلا يجوز للنساء الهرب من الآباء والأزواج حتى، ويمنح القانون صلاحية سحب جواز السفر والمنع من السفر للأخيرين. وقد تتعرض المرأة الهاربة إلى السجن إذا ألقي القبض عليها إلى أن يسمح لها الوصي بالخروج.
ويؤكد التقرير أن النساء السعوديات المطلقات أو الأرامل أو غير المتزوجات وضعهن أسوأ؛ إذ وصل الأمر إلى حد تعيين بعض الأمهات أحد أبنائها الذكور وصيًا عليها. بيد أن السعوديات بدأن يتمردن على ذلك إما بالهرب من المنزل، أو بترك البلاد كلية. وفي ذلك، يستعينون بمساعدة نشطاء متعاطفين على مواقع التواصل الاجتماعي لترتيب الزيجات أو للسفر للالتحاق ببرامج الدراسة في الخارج غطاءً للهرب.
كان الملك سلمان قد تسلم مقترحات لإصلاح نظام الوصاية – يشير التقرير – حيث كان قد وعد في بداية عهده بتخفيف القيود عن النساء السعوديات. نصت المقترحات على عدم الحاجة إلى إذن من قريب ذكر للسفر أو فعل العديد من الأمور العادية مثل بقية نساء العالم. وناشد قرابة 14 ألف شخص الحكومة بالسماح للنساء بقيادة السيارة.
وقد أصدر الملك سلمان مرسومًا يقضي بتعيين النساء في وظائف حكومية دون الحاجة إلى موافقة قريب ذكر، ما لم يكن هناك تشريع يتطلب ذلك – يستدرك التقرير – وقد أعطى ذلك أملاً لبعض النساء بالحصول على المزيد من الحريات. إذ تقول عائشة ماني – سيدة أعمال وناشطة حقوقية – «ربما لن يحدث ذلك في حياتي، لكنه سيحدث بلا شك».
بعض السعوديات يؤكدن أنهن لم يجدن بدًا من الهرب. تشير تقديرات وزارة العمل والتنمية الاجتماعية إلى أن أكثر من 1750 امرأة فررن من بيوتهن بسبب عنف منزلي. ويؤكد خبير علم الاجتماع في جامعة بن سعود – منصور عسكر– أن العدد في ازدياد.
ويؤكد نشطاء أن نجاح بعضهن في الهرب يُعزى إلى طلبهن المساعدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. يقول طالب عبد المحسن – ناشط سعودي مقيم في ألمانيا ويساعد في عمليات تهريب النساء – «أتلقى العديد من الرسائل يوميًا والعدد في ازدياد. تطلب نساء مني المساعدة، ومعظمهن لا يملكن إذنًا بالسفر من الوصي عليهن».
تنقل الصحيفة قصة شروق حسين المغامسي، وهي امرأة متزوجة من شخص جزائري. ادعت شروق لأهلها أنها ستسافر إلى كندا لقضاء عطلة. لكنها فرت بدلاً من ذلك إلى دولة لم تكشف عنها في أوروبا خشية أن تتعرض للقتل. قالت شروق في تسجيل مصور بعد هروبها إنها تعرضت لسنوات للضرب من والدها، وأعلنت ردتها عن الإسلام «لنشره العنف والكراهية والقمع» ضد النساء.
ثم نـأتي إلى دليم محمد ابنة الـ22 ربيعًا، التي طلبت اللجوء إلى ألمانيا بعد أن فرت من بيت والدها بعد أن حصلت منه على إذن بالسفر. وقد اتصلت بوالدتها بعد أن وصلت إلى ألمانيا كي تخبرها أنها لن تعود، مما دفع والدتها إلى البكاء الشديد.
وهناك دينا علي السلوم – وهي معلمة لغة إنجليزية من الرياض – التي كانت تعتزم الفرار إلى أستراليا قبل أن يجري إيقافها في مطار مانيلا. ووفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش – يواصل التقرير – قالت امرأة تدعى ميجان خان في المطار إن دينا طلبت المساعدة منها لأن سلطات المطار صادرت جواز سفرها واحتجزتها 13 ساعة، لكن مسئولي الهجرة الفلبينيين ينفون ذلك.
تضيف خان أنها سجلت عدة مقاطع مصورة لدينا ونشرتها على الإنترنت، حيث قالت في إحداها «ستقتلني عائلتي إذا عدت إلى السعودية. سأكون في عداد الموتى. ساعدوني أرجوكم». وأكدت خان أنها رأت اثنين من أعمام دينا. ونقلت منظمة هيومن رايتس ووتش عن مسؤول أمن في المطار قوله إنه شاهد اثنين من زملائه وثلاثة رجال شرق أوسطيين يجرون سيدة عنوة – وقد وضعت القيود على فمها ويديها وقدميها – على كرسي متحرك.
وذكر شهود عبر فيسبوك أنهم شاهدوا السلوم تصرخ وجرى إجبارها على ركوب طائرة الخطوط السعودية المتجهة إلى الرياض. لم يعد أحد يعرف إلى أين اقتيدت دينا، مما حدا بمتعاطفين إلى إطلاق وسم #SaveDinaAli للفت الأنظار إلى قضيتها وناشدوا السلطات منحها عفوًا ملكيًا.
وإلى مريم العتيبي – يشير التقرير – التي فرت من بيت عائلتها في الرياض بسبب ما تلاقيه من معاملة سيئة، ثم حصلت على وظيفة واستأجرت شقة. لكن عائلتها عثرت عليها وتسببوا في اعتقالها. وما زال النشطاء يسعون إلى الإفراج عنها عبر وسم #justiceforMaryam.
بعض الناشطات الحقوقيات يعتبرن الهرب تصرفًا غير مسئول. فوفقًا لعزيزة يوسف – التي تساعد العتيبي و40 أخريات – فهي تتوجس من أعمال عبد المحسن – الناشط السعودي في ألمانيا – وتوضح أن الحل هو في تحسين أوضاع النساء داخل المملكة وليس تهريبهن.
وعبرت سحر نصيف – أستاذة جامعية متقاعدة – عن خشيتها على سلامة الهاربات. وصرحت للتقرير بالقول «إن بناتنا لسن مثل الأمريكيات؛ فهن يعتمدن على الوالدين في المعيشة. وما نحتاج إليه هو مرسوم ملكي يمنحنا حريتنا. نحن كالإماء، لكن الإماء أفضل حالاً لأنهن قادرات على شراء حريتهن. أما نحن فلا».
يعود التقرير إلى سرد مآسي النساء السعوديان. فينقل لنا حكاية مشاعل التي أجبرت على الزواج ثم تطلقت. وكادت أن تجبر على الزواج مجددًا قبل أن تفر إلى بريطانيا عبر إذن كانت قد حصلت عليه من زوجها السابق. وقد خططت للهرب عبر وضع أغراضها في أكياس قمامة بنية التبرع بها، ثم اصطحبت سائق العائلة إلى سوق لتشتري حقيبة سفر سرًا، ونقلت أغراضها من الأكياس إلى الحقيبة، وأخيرًا ركبت مع سائق آخر إلى المطار.
ورغم مرور ثلاثة أشهر، فما زالت تنتظر مقابلة اللجوء. وقالت إن عائلتها اكتشفت مكانها، وهددها شقيقها بقتلها إذا لم تعد، فأبلغت الشرطة بالتهديد. وقالت إن الهروب كان «صعبًا حقًا، ولكن أعتقد أن الأمر يستحق». ويؤكد التقرير أن النساء اللواتي يهربن بنجاح يساعدن غيرهن. فهن يتحدثن عن حريتهن الجديدة على تويتر ويوتيوب، وأوضحن أن هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود لمساعدة ضحايا العنف المنزلي وإنهاء ولاية الذكور.
بعد أن فرت أمل الجبارة في العام الماضي إلى ألمانيا مع ابنتها البالغة من العمر 7 سنوات، بدأت نساء أخريات في الاتصال بها. تقول «راسلتني الكثير من النساء طلبًا للمساعدة». فأحالتهن إلى عبد المحسن، الناشط الذي ساعدها.
بعد هروب هالة – التي ذكرنا حكايتها سلفًا – قالت إنها خشيت أن تفقد وظيفتها وحسابها المصرفي، فعادت إلى بيتها. لكن المعاملة من قبل والدها وأخيها الأصغر سنًا تزداد سوءًا.
وأثناء المقابلة في المقهى، كانت هالة ترتدي المعطف الطبي تحت لباس العباءة الأسود، إذ أنها اضطرت إلى التظاهر بالذهاب إلى العمل من أجل مغادرة المنزل. عرضت هالة على معدة التقرير صورًا على هاتفها المحمول لكدمات على رقبتها وذراعيها بعدأن تشاجرت مع شقيقها التي قالت إنها حاول خنقها. وعندما رفضت القيام بواجباته المدرسية، اقتحم غرفتها ومزق كتبها. وأكدت أن والدتها كانت تساند الرجال ليطردوها خارج المنزل عندما تزعجهم، ويسرقون أغراضها ولا يسمح لها بتناول الطعام مع الأسرة أو استخدام اللوازم المنزلية.
وقد عرض رجل ثري أن يأخذها إلى الخارج إذا مارست الجنس معه. لكنها رفضت. قالت للصحيفة «عذريتي هي آخر ما أملك، ويريد أن يسلبني إياها ليعطيني حريتي».
توجهت إلى المحامين لطلب المساعدة، وعرضت عليهم صور إصاباتها. تقول «قلت للمحامين إنني أريد أن أترك أسرتي، ولا أريد أن يكون أبي أو أخي أوصياء عليّ». لكن المحامين قالوا لها إنه إذا لم يكن لديها فيديو باعتباره دليلًا، فإنه لا يمكنهم توجيه اتهامات. فكرت في الذهاب إلى ملجأ للنساء، لكن مديرة المأوى قالت إنها سوف تفقد ممتلكاتها، ولن تتمكن استخدام الإنترنت، والتلفزيون ووسائل الإعلام الاجتماعية. قالت هالة «لا أريد أن أستبدل سجنًا بآخر».
مترجم عنFor some Saudi women facing strict male authority and even abuse, there's only one answer: Runللكاتب Molly Hennessy-Fiske
ترجمة ساسة بوست