Fasla Team
جايين الدنيا ما نعرف ليه
في مدينة ""حي الزبالين"" بيبتدي الأطفال يشتغلوا في لمّ الزبالة من سن 7 سنين علشان يساعدوا أهاليهم، روز ماريا الجوهري قررت تسيب شغلها في شركة كبيرة وعملت حضانة للأطفال بحي الزبالين علشان تساعدهم يغيروا قصتهم بنفسهم ويحسوا بالقبول ويكتسبوا مهارات جديدة.
“المنظر صدمني، المرة التانية اللي روحت فيها حي الزبالين، نسيت أو أقنعت نفسي إني نسيت”، دا كان تعليق روز لما ابتدينا نتكلم معاها. المنظر في الحي كان مؤسف، أكوام زبالة في كل حتة مخلية ريحة الهوا تخنق، خنازير بتاكل من الزبالة وسط المباني اللي الناس ساكنة فيها. حي الزبالين موجود في منشية ناصر عند طلعة المقطم، بيضم حوالي 30 ألف بني آدم بيشتغلوا في لم الزبالة واللي بيفرزوا حوالي 15 ألف طن زبالة بتنتجها القاهرة.
لما دخلنا حارة في الحي، لقينا مدرسة عملاها مؤسسة "رؤية حياة" الغير هادفة للربح، وست قاعدة جنبها أكياس زبالة بتفرزها بإيديها من غير أي عازل علشان تصنف الأنواع المختلفة من الزبالة، كان في ناس بتساعدها ومنهم أطفال. روز فسرتلنا ليه سابت شغلها في الشركة وقررت تفتح حضانة “البيت” فقالت: "حسيت إني مسؤولة عن اللي بيحصل دا ومابقيتش عايزة أحس إني متواطئة في جريمة الفقر أكتر من كدة. في يوم قررت إني لازم أعمل حاجة بخصوص اللي شفته". الحضانة بتضم حوالي 300 طفل وبتساعدهم يكتسبوا ويتعلموا مهارات مطلوبة في الحياة اليومية.
روز بتكمل وتشرحلنا وجهة نظرها "المشكلة مش بس في الفقر، المشكلة الأكبر في العقلية. الفقر مش بيديهم فرصة يطوروا من نفسهم، كأن عقلهم وقف عند مرحلة نمو أو نضج معينة ومش هتلاحظ فرق في التعامل بين الأطفال والكبار". الحارة اللي دخلناها كانت ضيقة جدًا وبتشيل عربية واحدة ومافيش مساحة متاحة للناس، لأن كل المباني الفاضية مليانة أكياس زبالة بتتغذى عليها الخنازير.
في دراسة اتعملت في الجامعة الأمريكية في القاهرة في 2009، كانت بتقول إن حوالي 50 ألف لـ 80 ألف شخص عايشين في حي الزبالين، منهم 30 ألف بيشتغلوا في لم وتصنيف الزبالة. في المجمل بيجمعوا ويعيدوا تدوير 9000 طن زبالة يوميًا -اللي هو نص الناتج اليومي- في حين إن الشركات الخاصة بتجمع حوالي 3000 طن وبتسيب حوالي 3000 تاني في الشارع.
مؤسسة PRAISED كواحدة من أكبر مؤسسات إعادة التدوير، بتقوم بإعادة تدوير 80% من الزبالة اللي بتجمعها، دي نسبة صاعقة لو خدنا في الاعتبار إن أغلب الدول الأوروبية بتعيد تدوير 32% بس من الزبالة. الزبالين في الأغلب بيتم تقديمهم في الميديا العالمية كقصة نجاح، بس الموضوع بالنسبالهم مختلف، كتير منهم شايف إن الطريقة اللي بيتقدموا بيها نسخة تجميلية للواقع والمعاناة اليومية اللي الاقتصاد المصري بيخلي احتمالها أكتر صعوبة.
اتكلمنا مع "نبيلة"، واحدة من جامعات القمامة في حي الزبالين، اتولدت في أسيوط بصعيد مصر ونقلت حياتها للقاهرة بعد ما اتجوزت جامع قمامة، قالتلنا: "أطفالي مش حابين مهنة جمع القمامة بس مجبرين عليها علشان مافيش طريقة تانية نعرف نجيب منها فلوس، بناتي رافضين الشغل في جمع القمامة نهائي، ولا حتي الأولاد، بس كلهم بيروحوا مدارس ودا بيكلفني كتير، علشان كدة ماعندعاش حل تاني غير إننا نشتغل المهنة دي".
روز بتشرحلنا أكتر الوضع في حي الزبالين "المشكلة بتمتد لقضايا أكبر من بس فكرة ظروف المعيشة، في ضغط اجتماعي، إهمال شخصي وعدم مساواة بين الجنسين ومشاكل تانية كتير. لاحظت إن الناس هنا كل همهم الفلوس، دا كل اللي بيفكروا فيه، ازاي يقدروا يجيبوا فلوس في اللحظة دي بأي طريقة. تركيزهم على الفلوس خلاهم مش بيبصوا لنفسهم، حياتهم، أطفالهم أو أهاليهم. المشكلة إنهم بيهينوا بعض علي أساس قدرتهم الشرائية وبيصرفوا فلوس كتير جدًا برغم إن دخلهم قليل، ودا بيبن لأي مدى ماعندهمش وعي اقتصادي ولا تخطيط لأي حاجة"
بداية روز للمشروع كانت سبتمبر اللي فات لما راحت لمنظمة رؤية حياة للتطوير علشان تعمل الحضانة اللي أنشأت في منطقة مكونة من مبني ست أدوار فاضية اسمه الواحة. المؤسسة غير هادفة للربح وتأسست سنة 2010 على إيد ""منى ويصا"، بتشتغل على المناطق غير المؤهلة على مستوى مصر، من كوم إمبو لحد أرض اللوا في القاهرة. روز بتوضح: "الواحة مش فكرة جديدة، بالعكس هي شغالة بقالها 3 سنين، بس أنا كنت لاحظت إن مافيش حاجة زي كدة للصغيرين".
روز بتحاول تحقق تطوير اجتماعي واقتصادي من خلال برنامج اسمه "أفلاطون"، الحضانة بتقدم للأطفال مهارات الحياة اليومية اللي هتساعد في تطوير عقول مختلفة، وتفاعل مع مجتمع بيمارس العنف ومش بيشجع الفن أو الابتكار. جوّه المبنى كل أوضة بتمثل كون لوحدها، في أوضة مليانة عبوات ألوان وأشكال هندسية، أوضة تانية فيها عرايس مسرح وألعاب مختلفة. واحدة من الحصص اللي الأطفال بياخدوها، بيلونوا فيها فاكهة أثناء تعلمهم ازاي يقولوا اسم الفاكهة بالإنجليزي، واتقالنا: "احنا عايزينهم يحسوا بالقبول، يعبروا عن نفسهم ويستمتعوا بفكرة إن حد عنده استعداد يسمعهم بشكل ماختبرهوش قبل كدة"
أثناء جولتنا بين الدروس، حسينا إن الريحة صعبة جدًا ومع الوقت أصبحت لا تحتمل، ودا اللي طرح سؤال مهم: "ازاي قادرة تستحملي الوضع ده كل يوم؟" ردت وقالتلنا: "في البداية الموضوع كان صعب خاصة إني مش متعودة، الريحة كانت لا تطاق والدبان في كل حتة، بس أنا لقيت السعادة في المكان ده وحسيت إني بقيت قادرة استغل كل إمكانياتي وشايفة نتايج شغلي طول الوقت، ودا شئ لا يقدر بثمن. بعد فترة اتعودت وطالما همَّ اتعودوا على ده أنا كمان محتاجة اتعود عليه”.
كلام روز كان مليان ثقة بالنفس وخالي من أي إحساس بالكبر، وبتفسرلنا كدة فبتقول: "الناس عندها انطباع إني بدي شئ مقابل شئ، بس أنا مش شايفة الموضوع كدة، أنا كان عندي نعمة التعليم الكويس، كبرت في بيئة كويسة، كان متاحلي كل حاجة. فأنا قررت أقدم النعم دي لحد تاني بس في نفس الوقت بتعلم كل يوم. مش كفاية إنك تدي الناس فلوس أو حتي تعلمهم بس، الموضوع بالنسبالي ماكانش مقتصر إني أساعد الناس في وقت فراغي. أنا كنت عايزة أساعد بكل جهدي وطول الوقت كحاجة أساسية في حياتي. التحدي الأكبر قدامي هو إني أبطّل ابقي أنانية وأقدم كل اللي اقدر عليه في شغلي"
روز بشترحلنا اللي استنتجته من تجربتها فبتقول: "بالنسبة للأطفال كل الحاجات المادية زي اللبس والأكل مش مهمة، أنا بفكر فيهم زي مراية ليا اللي أقدر أشوف منها نقط قوتي وضعفي. ودا بيديني فرصة اشتغل على نقط ضعفي واتعلم أحبهم أكتر. في النهاية هم اللي بيساعدوني مش أنا بس اللي بساعدهم”
علشان تتبرع أو تساعد بأي شكل تواصل مع روز-ماريا الجوهري 201015141128
Photography: Mohamed Diaa.