أحمد الدباغ
تنظيمٌ شغل العالم لأكثر من ثلاث سنوات مضت، إنه «تنظيم الدولة الإسلامية )داعش)»، تنظيم جهادي أعلن عن تأسيسه زعيم التنظيم، أبو بكر البغدادي في 29 يونيو (حزيران) 2014، عندما أعلن الناطق باسم التنظيم، أبو محمد العدناني، قيام الدولة الإسلامية، ومبايعة أبي بكر البغدادي خليفة للدولة، لم تكن ولادة التنظيم بمحض الصدفة؛ فقد سبق تنظيم الدولة تنظيمات مشابهة له، كتنظيم «القاعدة» الذي تبنى مسؤولية تفجير برجي التجارة العالميين في سبتمبر (أيلول) 2001 بنيويورك الأمريكية، وفكر تنظيم (داعش) شبيه – إلى حد كبير – بتنظيم القاعدة، مع تميز الأخير بإعلان دولة لها حدود، وتعيين خليفة لها، في هذا التقرير سنشرح خريطة انتشار تنظيم الدولة عالميًا بعد فقدانه أغلب مناطق سيطرته في العراق وسوريا.
نشأة التنظيم
كانت بداية «تنظيم الدولة» في العراق حيث يمتدّ تاريخ التنظيم في العراق منذ عام 2003، عندما أسس أبو مصعب الزرقاوي ما عرف حينها بتنظيم «الجهاد والتوحيد» في سبتمبر 2003. ومر التنظيم بمراحل وانعطافات كبيرة؛ إلى أن تحوَّل التنظيم إلى ما عرف حينها بـ«دولة العراق الإسلامية» عام 2006، وبعد انطلاق شرارة الثورة السورية في مارس (آذار) 2011، أوفد تنظيم دولة العراق الاسلامية – فرع تنظيم القاعدة في العراق – أبا محمد الجولاني مع عدد من المقاتلين إلى سوريا؛ ليعلن بعدها الجولاني عن تأسيس «جبهة النصرة لأهل الشام» في أواخر عام 2011، بعد ذلك بنحو عامين ظهر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) للمرة الأولى في أبريل )نيسان) 2013، وكان نتيجة اندماج بين تنظيمي دولة العراق الإسلامية التابع للقاعدة في العراق والنصرة التابع للقاعدة في سوريا؛ ما حدا بالعديد من المقاتلين الأجانب في سوريا إلى الانضمام لهذا التنظيم الجديد، مع رفض البقية من النصرة لهذا الإعلان؛ ما تسبب في اندلاع معارك بين الطرفين في يناير (كانون الثاني) 2014؛ أفضى إلى سيطرة التنظيم على الرقة ومناطق سورية أخرى، وإخراج النصرة منها.
بعد ذلك، استيقظ العالم بأسره على زلزال أمني في الشرق الأوسط؛ غيَّر مجريات الأحداث، وتمثل في سيطرة مجموعات مسلحة تابعة لتنظيم (داعش) على مدينة الموصل، ثانية كبريات المدن العراقية صبيحة يوم الثلاثاء 10 يونيو (حزيران) 2014، تمكن التنظيم بعدها – خلال أيام – من بسط نفوذه على مساحات شاسعة من العراق وسوريا؛ ليعلن التنظيم بعدها – وفق تسجيل صوتي للعدناني – عن تحول اسم التنظيم إلى: تنظيم الدولة الإسلامية فقط، وطالب بمبايعة المسلمين لخليفة الدولة.
انتشار «تنظيم الدولة» في العالم
ما أن أعلن تنظيم الدولة عن قيام الخلافة الإسلامية – بزعمه – حتى بايعته تنظيمات جهادية عديدة في العالم؛ ليتحول التنظيم من المحلية إلى العالمية، لينتشر التنظيم إثر ذلك في بلدان عديدة: بمصر وليبيا ونيجيريا وأفغانستان وغيرها.
تنظيم داعش في إفريقيا
مع قرب انتهاء تنظيم داعش في العراق وسوريا وخسارته الجغرافية التقليدية التي كان يتموضع فيها في السنوات السابقة، يسعى التنظيم إلى الانتشار في القارة السمراء مستغلًا الأوضاع التي تعانيها أكثر من دولة في هذه القارة، وبالفعل أوجد التنظيم لنفسه عدة بؤر في شمال غرب إفريقيا ودول الساحل.
تنظيم داعش في مصر
بعد إعلان تنظيم الدولة عن قيام الخلافة الإسلامية في يونيو 2014، ودعوة التنظيم – آنذاك – لكافة المجموعات المسلحة والمسلمين في العالم لمبايعته، لم يتأخر حينها تنظيم «أنصار بيت المقدس» المصري في تلبية الدعوة وإعلانه البيعة للبغدادي، فقد أعلن التنظيم بيعته للبغدادي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014؛ ليكتسب التنظيم اسمًا جديدًا هو تنظيم «ولاية سيناء».
تبنى تنظيم ولاية سيناء معظم الهجمات الدامية ضد قوات الأمن المصري في شبه جزيرة سيناء المضطربة أمنيًا منذ أن أطاح الجيش المصري الرئيس محمد مرسي في يوليو (تموز) 2013، ووفقًا للسلطات، قتل المئات من رجال الشرطة والجنود في هجمات، شن القسم الأكبر منها مقاتلو التنظيم في شمال سيناء، وبحسب مراقبين، ظهر أعضاء تنظيم أنصار بيت المقدس بعد ثورة يناير (كانون الثاني) 2011.
تنظيم داعش في ليبيا
عُدّت ليبيا مركزًا للحركات الجهادية العالمية والمقاتلين الأجانب منذ ثمانينات القرن الماضي على الأقل، ومع سقوط نظام العقيد معمر القذافي عام 2011 ازدادت أهمية ليبيا للمجموعات المسلحة، خاصة أن البلاد شهدت، وما تزال، انقسامًا حادًّا بين حكومتين في طبرق شرقًا، وطرابلس غربًا، وتملك كل حكومة قوة عسكرية نظامية غير متوافقة مع القوى الأخرى، وبما أن أجهزة الدولة الجديدة في ليبيا فشلت في الاندماج مع الشعب الليبي في الفترة التي أعقبت سقوط القذافي بين 2012-2013، فإن الفراغ الأمني والسياسي في ليبيا خلق مناخًا مناسبًا مكن الجهاديين من اللجوء إليه بعد انتهاء وانحسار نفوذهم في العراق وسوريا.
يمكن توضيح تسلسل زمني لداعش في ليبيا. ففي 5 من أكتوبر (تشرين الأول) 2014 انضم مجلس شورى شباب الإسلام في مدينة درنة الساحلية (1340 كم شرق طرابلس) إلى «تنظيم الدولة»، ثم في 10 نوفمبر 2014 نظم التنظيم في درنة أول استعراض عسكري علني في المدينة، ودعا الأهالي إلى المسارعة في بيعة أمير داعش لتأسيس أول إمارة لداعش خارج العراق وسوريا.
في 13 من ذات الشهر أصدر أبو بكر البغدادي تسجيلًا صوتيًّا أعلن فيه قبوله لمبايعات الولاء من مؤيديه في خمس دول، من بينها ليبيا، وأعلن عن إقامة ثلاث ولايات في ليبيا، برقة في الشرق، وفزان في الجنوب، وطرابلس في الغرب، وتوسع التنظيم بعدها إلى أن سيطر على مدينة سرت في مايو (أيار)2015، ومع استعادة الليبيين مدينة سرت نهاية عام 2016، لم ينته تواجد التنظيم في الدولة المتشظية المترامية الأطراف، فما زالت ليبيا تشهد عمليات عسكرية للتنظيم.
في 25 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أدى هجوم مسلّح استهدف نقطة عسكرية تابعة للجيش الليبي جنوب مدينة أجدابيا إلى مقتل جندي، وإصابة ثلاثة بجروح، وخطف جندي آخر وجد مذبوحًا فيما بعد، في الوقت الذي أكد فيه مصدر أمني من مديرية أمن أجدابيا أنّ مقاتلين من داعش نفذوا الهجوم، يقول المحلل العسكري الليبي عادل عبد الكافي إن القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا «أفريكوم»، وبالتنسيق مع القوات التابعة لحكومة الوفاق الليبية، قصفت تجمعات لمقاتلين من تنظيم الدولة في المناطق التي يتركزون فيها بمحاذاة بني وليد وجنوب مدينة سرت.
داعش في نيجيريا والنيجر والكاميرون وتشاد
لا يمكن الحديث عن تاريخ نشأة بوكو حرام دون الحديث عن التغيير السياسي الهائل الذي خضعت له نيجيريا خلال عملية الانتقال إلى الديمقراطية عام 1999، فبعد عقود من التأرجح بين فترات الحكم العسكري والديمقراطية، التي تخللت الانقلابات، بدأت الجمهورية الرابعة النيجيرية عندما سلم الجنرال عبد السلام أبو بكر السلطة سلميًّا إلى أولوسيجون أوباسانجو بعد انتخابات ديمقراطية. وقد صيغ دستور عام 1999 على غرار دستور الجمهورية الثانية (1979-1983)، الذي يؤيد نظامًا سياسيًا فيدراليًا يتسم بالأغلبية، حيث رفضت مجموعات شبابية إسلامية بعض القوانين النيجيرية التي رأوا فيها تمييزًا ضد المسلمين، ومن هنا بدأت بوكو حرام.
تأسست بوكو حرام فى نيجيريا عام 2002 على يد محمد يوسف من مجموعة من الطلاب الشباب الذين كانوا يدرسون الشريعة الإسلامية، اسم الحركة بوكو حرام هو ترجمة لمعنى رفض نمط الحياة والثقافة الغربية، تعد ظاهرة بوكو حرام الظاهرة الأكثر عنفًا في الجمهورية النيجيرية. وهي مسؤولة عن نزوح الملايين وموت عشرات الآلاف من الناس. بدأ عمل الحركة العسكري في نيجيريا بمدينة مايدوجوري، عاصمة ولاية بورنو، شمال شرقي نيجيريا.
حظيت بوكو حرام باهتمام دولي كبير في أعقاب اختطاف أكثر من 270 تلميذة عام 2014 من مسكنهنّ في بلدة تشيبوك النائية، أدت سلسلة من أعمال العنف التي انتهجتها بوكو حرام إلى تحول بوكو حرام من حركة دينية أصولية إلى مجموعة مسلحة عنيفة، واجهت قوات الأمن النيجيرية، واشتبكت معها في مدن عدة. وأعلن أبو بكر شيكاو زعيم جماعة «أهل السنة للدعوة والجهاد» المعروفة إعلاميًا باسم بوكو حرام في مارس 2015 بيعته لخليفة تنظيم الدولة الإسلامية أبي بكر البغدادي في تسجيل صوتي منسوب لشيكاو، وتسيطر بوكو حرام على مناطق بشمال نيجيريا، وكثفت مؤخرًا هجماتها عبر الحدود لتشمل الكاميرون والنيجر، في مسعى لإقامة إمارة إسلامية حول منطقة بحيرة تشاد المتاخمة لنيجيريا وتشاد والكاميرون والنيجر.
وما زال نشاط الحركة مستمرًا؛ إذ قال ضابط في الجيش الكاميروني في 30 من نوفمبر 2017: إن 11 قرويًا قتلوا ذبحًا على يد مسلحين من جماعة بوكو حرام في منطقة «فار نورث» قرب الحدود مع نيجيريا.
تنظيم داعش في آسيا
قارة آسيا وبؤر التوتر الكثيرة، والتي يمكن لأي منها أن يكون موطئ قدم جديد لـتنظيم الدولة، ومن هذه المناطق أفغانستان وباكستان والفلبين ومناطق أخرى، فضلًا عن العراق وسوريا معقل التنظيم الرئيس في العالم، والذي يبدو أنه لن يدوم طويلًا في البلدين الأخيرين.
آخر مظاهر قوة تنظيم الدولة ظهرت في جنوب شرق آسيا، وتحديدًا في الفلبين، بمدينة مراوي المسلمة، وكان مقاتلون – أعلنوا بيعتهم لـلتنظيم – قد سيطروا على أجزاء واسعة من ماراوي في 24 مايو (أيار) 2017، ولم تستطع القوات الفلبينية استعادة المدينة، إلا بعد حصار وحرب شوارع دامت خمسة أشهر؛ ليعلن الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي في 17 أكتوبر 2017 استعادة المدينة من تنظيم داعش.
إلا أن محللين يؤكدون أن هناك عوامل تلعب دورًا في احتمالية استمرار العنف في البلاد، وربما بطرق أكثر دموية، فالتقارير الحكومية تشير إلى مقتل نحو 800 من التنظيم خلال المعارك، إلا أن أعدادًا كبيرة أخرى تمكنت من الفرار، حيث يتمتع المقاتلون في الفلبين ببراعة فائقة في التنقل والتخفي، خاصة الذين كانوا يقاتلون في جماعة «أبو سياف»، وبالفعل لم يتأخر تحرك المسلحين كثيرًا؛ فقد أفادت مصادر عسكرية عن مقتل ستة عسكريين فلبينيين جنوب الفلبين 10 نوفمبر الجاري في استهداف مسلحي التنظيم القوات الفلبينية.
افغانستان
في الوقت الذي يشن فيه التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة حملة عسكرية كبيرة ضد داعش في العراق وسوريا، فإن القوات الدولية والأفغانية في أفغانستان تواجه تهديدًا متزايدًا من قبل المسلحين المرتبطين بتنظيم الدولة، وولاية خراسان التابعة له، وقد أعلن تنظيم الدولة مسؤوليته على مدى السنوات القليلة الماضية عن العديد من الهجمات الكبرى في أفغانستان، بما فى ذلك هجوم وقع مارس الماضي، عندما حاصر مسلحون – متنكرون بزي طاقم طبي – مستشفى عسكري، وقتلوا 30 شخصًا على الأقل خلال الهجوم. ظهر تنظيم الدولة لأول مرة في أفغانستان عام 2015 شرق البلاد، وسيطر على مناطق عدة، وبدعم سريع، مستغلين السخط الكبير من الشباب الأفغاني ومقاتلين في حركة «طالبان»، وكان مسلحون من تنظيم الدولة قد أحكموا سيطرتهم على معقل أسامة بن لادن في أفغانستان بمنطقة تورا بورا يونيو الماضي.
باكستان
أنشأ تنظيم (داعش) قاعدةً له في باكستان، وأطلق عليها اسم «ولاية خراسان»، والواقع أن باكستان تعد نقطة تجنيد جذابة للتنظيم؛ بحكم عدد سكانها البالغ 180 مليون نسمة، وإمكاناتها النووية، وموقعها الجغرافي على مقربة من أفغانستان ناهيك عن اقتصادها المتردّي، إذ شهدت البلاد تنامي خلايا التنظيم على مدى السنتين الماضيتين. فالقائمة الصادرة عن الحكومة الباكستانية بالتنظيمات الإسلامية «الإرهابية» تضم ما يفوق 100 تنظيم، وفق ما ورد على لسان الفريق سليم باجوا، المتحدث السابق باسم الجناح الإعلامي للجيش الباكستاني، أوقفت قوات الأمن والقوات شبه العسكرية في باكستان 309 أشخاص من داعش، ومن ضمن هؤلاء المعتقلين أجانب من أفغانستان وسوريا والعراق.
العراق وسوريا
كانت بداية انطلاق تنظيم الدولة من العراق في يونيو 2014، لكن الحكومة العراقية، وبدعم من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، قد استطاعت استرجاع غالبية الأراضي العراقية، ويشهد العراق الفصول الأخيرة من معاركه ضد التنظيم، حيث لا تزال القوات الحكومية العراقية تستهدف تجمعات للتنظيم في مناطق تقع بين محافظتي كركوك وصلاح الدين، فيما بدأت قوات مشتركة في محافظة الأنبار باقتحام قضاء راوة ومنطقة رمانة أقصى غرب العراق على الحدود العراقية السورية، وهما آخر معقلين للتنظيم في محافظة الأنبار غربي البلاد.
أما في سوريا، وبعد خسارة التنظيم لمعقله الرئيس في مدينة الرقة وسط البلاد، أعلنت قوات النظام السوري، في بيان بثه الإعلام الرسمي، استعادة أجزاء من مدينة البوكمال قرب الحدود العراقية، والتي تعد آخر مدينة يسيطر عليها التنظيم في سوريا، ولا تزال المعارك بين أخذ ورد بين مقاتلي التنظيم والقوات السورية داخل وحول المدينة، وفي حالة خسارة التنظيم لمدينة البو كمال؛ يكون التنظيم قد فقد كل الحواضر المدنية في سوريا، ولم يتبق لديه إلا جيوب صغيرة في مناطق مبعثرة من البلاد، لكن لا تزال لديها القدرة على شن الهجمات.
تظهر هذه الخريطة البلدان التي تسلل إليها تنظيم الدولة في الأشهر الأخيرة، الخريطة من موقع اكسبرس.
لا يقف انتشار “تنظيم الدولة” عند حدود معينة، إذ كشف تقرير لموقع إكسبرس البريطاني في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عن خريطة تواجد مجموعات تتبع لتنظيم حول العالم، وتكشف البيانات الجديدة التي جمعها مشروع كلاريون عن عدد من خلايا داعش التي تم الكشف عنها خلال الأشهر الأربعة الماضية. ومنذ أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي، تم اكتشاف ما لا يقل عن 12 جماعة تابعة لداعش فى ثماني دول مختلفة منها ايرلندا وبلجيكا وروسيا والمملكة العربية السعودية ومصر، وأضاف التقرير أنه على الرغم من انهيار تنظيم الدولة في مدينة الرقة السورية، إلا أن الجهاديين يواصلون انتشارهم فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ودول الخليج.
المصادر
ساسة بوست