متى يستمر دور الكهنوت الأزهرى؟ - مقالات
أحدث المقالات

متى يستمر دور الكهنوت الأزهرى؟

متى يستمر دور الكهنوت الأزهرى؟

طلعت رضوان

نشرتْ بعض الصحف المصرية أنّ شيخ الأزهر أقام دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى طالب فيها مصادرة كتاب (من معجزات القرآن فى الآيات والمخلوقات) تأليف (مبروك محمد حسن) لما يحتويه الكتاب ((من مخالفات وإدعاءات وتفسيرات خاطئة للقرآن وتشكيك فى بعض الروايات، وخلق الله للكون)) وأنّ محكمة القضاء الإدارى أيـّـدتْ قرار شيخ الأزهر الذى رفض نشر الكتاب وتوزيعه. واستندتْ المحكمة إلى تقرير أعـدّه مجمع البحوث الإسلامية، الذى قال إنّ الكتاب ((به أخطاء من أوله إلى آخره. وكذلك الأخطاء اللغوية والنحوية والإملائية. وأنّ المؤلف انتهج تفرقة (فى تفسير القرآن) بين النفس والروح، والعاقر والعقيم، والموت والوفاة. وخالف ما استقر عليه الفقه الإسلامى حول (عدة الصغيرة)…إلخ (الشروق المصرية- 11/8/2017) 

إنّ هذا الخبر يؤكد حقيقة أنّ مصر لن تعبر النفق المظلم، الذى يـُـصر العاملون فى مؤسسات الكهنوت الدينى (التابعة للدولة) على العودة إلى عصور التخلف، حيث البداوة وآليات طاعة زعيم القبيلة، وبالتالى رفض أى صوت مختلف، أى قمع حرية الرأى. والكارثة أنّ يكون مجمع البحوث الإسلامية وشيخ الأزهرعلى رأس هذا الكهنوت، الذى يـُـصر على تكريس التخلف وتوسيع الفجوة بين شعبنا والشعوب التى تحكمها أنظمة ألزمتْ الكهنوت الدينى بعدم تجاوز دور العبادة وبالتالى منعتْ تدخله فى شئون العلوم والفكر، وبذلك هيـّـأتْ – تلك الأنظمة- المناخ للفلاسفة وللعلماء فأفادوا البشرية وشعوبهم، وتغلــّـبوا على قانون الجاذبية الأرضية، فطار الحديد وصعد إلى القمر، وتحكــّـموا فى السحب فأسقطوا المطر، ومنعوه وفق إرادتهم، وأنشأوا معامل لتخليق قطع غيار بشرية.. إلخ. 

وهذا الخبر يستدعى الملاحظات التالية : 

أولا: الاعتراض على الأخطاء اللغوية والنحوية، حيث أنّ تلك الأخطاء يقع فيها كثيرون بما فيهم رئيس مجمع اللغة العربية (د.شوقى ضيف) الذى وقــّـع على التوصية السنوية عن الدورة رقم 66 وبها أخطاء أسلوبية وأخطاء فى النحو (مجلة أخبارالأدب العدد 37يوليو2000) مقال بعنوان (باب النجار مخلع) للكاتب الراحل بيومى قنديل. 

ثانيـًـا : ما المشكلة عندما فرّق الباحث بين النفس والروح، والعقيم والعاقر.. إلخ، أليس من حقه الاجتهاد حتى ولو أخطأ؟ خصوصـًـا اجتهاده حول (عدة الصغيرة) 

ثالثــًـا : جاء فى عريضة الدعوى أنّ الباحث قــدّم (تفسيرات خاطئة للقرآن) فهل تضمّـنتْ عريضة الدعوى بعض الأمثلة على التفسيرات الخاطئة؟ وحتى لو كان بالعريضة بعض الأمثلة، فهل هذا يستوجب منع صدور الكتاب وعدم توزيعه؟ وألا يـُـعتبر ذلك منعـًـا لحرية البحث والاجتهاد ووأدًا لحرية التعبير، وفرض الوصاية الكهنوتية بحرمان القارىء من التعرف على آراء الباحث، حتى ولو كانت كل تفسيراته للقرآن خاطئة؟ 

رابعًـا : وهل يستطيع الأزهر تقديم الطبرى أو ابن كثير أو السيوطى للمحاكمة؟ وإذا كان هؤلاء الذين كتبوا كتبهم التراثية عن ظاهرة (أسباب النزول) قد رحلوا عن عالمنا، فهل يكون البديل مصادرة كتبهم ومنع تداولها، حيث أنّ بها (تفسيرات) لا يرضى عنها الكهنوت الأزهرى، ومن بين تلك الأمثلة – وهى كثيرة جدًا – تفسير السيوطى لآية ((نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنىّ شئتم)) (البقرة/ 223) فكتب السيوطى ((أخرج البخارى عن ابن عمر بن الخطاب قال : نزلتْ هذه الآية فى إتيان النساء فى أدبارهنّ، وأخرج الطبرانى فى الأوسط بسند جيد عنه قال : إنما نزلتْ على الرسول ((رخصة فى إتيان الدبر)) (أسباب النزول للسيوطى) فماذا يحدث لو أنّ باحثــًـا فى عصرنا البائس نقل ما كتبه السيوطى؟ وهل كان عصر السيوطى (التاسع الهجرى، الخامس عشر الميلادى) أكثر تحررًا من عصر الألفية الثالثة؟ وهل كانت لديه الشجاعة الأدبية والأمانة العلمية، عندما نقل ما كتبه البخارى نقلا عن ابن عمر فى جواز إتيان النساء فى دبرهنّ؟ وهو التفسير الذى يرفضه كل أعضاء الكهنوت الدينى (رسمى وشعبوى)؟ 

وماذا يحدث لو أنّ باحثــًـا اعتمد على تفسير السيوطى لآية ((والمحصنات من النساء إلاّ ما ملكتْ أيمانكم..إلخ)) (النساء/24) فكتب السيوطى ((روى مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى عن أبى سعد الخدرى قال : أصبنا سبايا من سبى أوطاس لهنّ أزواج، فكرهنا أنْ نقع عليهنّ ولهنّ أزواج، فسألنا النبى فنزلتْ الآية. وقال ((إلاّ ما فاء الله عليكم، فاستحللنا بها فروجهنّ. وأخرج الطبرانى عن ابن عباس قال : نزلتْ يوم حنين، لما فتح الله حنينــًـا أصاب المسلمون نساء أهل الكتاب لهنّ أزواج، وكان الرجل إذا أراد أنْ يأتى المرأة قالت : إنّ لى زوجــًـا. فسُـئل الرسول عن ذلك فنزلتْ الآية (السيوطى- تفسير سورة النساء) 

واضح من تفسير هذه الآية السماح لرجال جيش النبى بمضاجعة النساء الأسرى رغم أنهنّ مُـتزوجات، وقبل قضاء (مدة العدة) المنصوص عليها فى القرآن. فهل يكون الباحث فى عصرنا مُـخطئــًـا لو نقل ما كتبه السيوطى الذى ذكر مصادره وعن رواة مسلمين وعرب من بينهم ابن عباس؟ ونفس الشىء فى آية ((ومنهم من يقول إئذن لى ولا تفتنى)) (التوبة/49) فكتب السيوطى ((أخرج الطبرانى وأبو نعيم وابن مردويه عن ابن عباس قال : لما أراد النبى أنْ يخرج إلى غزوة (تبوك) قال : يا جد بن قيس، ما تقول فى مجاهدة بنى الأصفر؟ فقال: يارسول الله إنى امرىء صاحب نساء، ومتى أرى نساء الأصفر أفتن. فأذن لى ولا تفتنى. فأنزل الله الآية. وأخرج ابن أبى حاتم وابن مردويه من حديث جابر بن عبدالله مثله. وعن ابن عباس أنّ النبى قال : اغزوا تغنموا بنات الأصفر. فقال ناس (من المنافقين) : إنه ليفتنكم بالنساء (تفسير سورة التوبة) فلماذا امتلك المفسرون التراثيون شجاعة نقل ما قرأوه؟ هل هو اختلاف العصر؟ وهل معنى ذلك أنّ عصرهم لم يكن فيه كهنوت دينى مثل كهنوت الأزهر؟

الحوار المتمدن

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث