إغلاق مساجد ومنع إطالة اللحى... صراع على الرموز الدينية في إسطنبول - مقالات
أحدث المقالات

إغلاق مساجد ومنع إطالة اللحى... صراع على الرموز الدينية في إسطنبول

إغلاق مساجد ومنع إطالة اللحى... صراع على الرموز الدينية في إسطنبول

ثروت منصور:

 

من العوامل اللافتة التي ساعدت أكرم إمام أوغلو على الفوز برئاسة بلدية إسطنبول اسمه الإسلامي ("أكرم"  و"إمام") الذي منحه قبولاً لدى قطاع كبير من المتدينين في تركيا، فمن غير المألوف في العرف التركي أن يحمل مرشح من حزب "الشعب الجمهوري" العلماني اسماً محافظاً كهذا، حتى أن كثيرين توقعوا أنه سيقوم بتغييره، إلا أنه عبّر عن رفضه لذلك معرباً عن اعتزازه به.

ظهر إمام أوغلو خلال الحملة الانتخابية في مسجد السلطان أيوب وهو يمسك بالمصحف ويتلو آيات من سورة "يس" على أرواح ضحايا هجوم نيوزيلندا الإرهابي، وهو مشهد غير مسبوق لمرشح ينتمي إلى حزب الأب الروحي للعلمانية التركية مصطفى كمال أتاتورك.

ووفقاً لاستطلاعات الرأي، فإن 20% من السكان الملتزمين دينياً صوتوا لإمام أوغلو في الانتخابات الأخيرة، كما ظهرت نساء محجبات وهن يقفن بجواره احتفالاً بفوزه على مرشح "العدالة والتنمية" رئيس الوزراء السابق المقرب من أردوغان، بن على يلدريم.

لكن في أعقاب فوزه، عادت معركة علاقة تركيا بالإسلام إلى المشهد من جديد في إسطنبول، إذ أصدر رئيس البلدية الجديد قرارات ضد بعض المظاهر الإسلامية في المدينة، ما جعل أنصار "العدالة والتنمية" يقولون إن "وجهه الحقيقي ظهر".

قرارات إمام أوغلو

في أعقاب توليه المنصب، قرر إمام أوغلو تغيير شعار قناة "İBB TV" التابعة لدائرة الإعلام في بلدية إسطنبول الكبرى عبر حذف "رمز المئذنة والمسجد"، ما أدى إلى اشتعال جدل كبير بين مؤيدين لهذه الخطوة من القوى الليبرالية ومعترضين من أنصار المعسكر الإسلامي، لا سيما مؤيدي أردوغان الذين رأوا في ألوان الشعار الجديد تقارباً مع "ألوان المثلييين جنسياً".

وفي خطوة أخرى، قرر إمام أوغلو غلق أبواب المساجد في محطات ما يُعرف في تركيا بـ"المتروبوس" في غير أوقات الصلاة، وهي خطوة، وفقاً لوسائل إعلام تركية، ولّدت غضباً شديداً بين المتدينين والعمال الحرفيين والعديد من المواطنين الذين كانوا يترددون على المساجد. أما المساجد العامة، التابعة لإدارة الشؤون الدينية، فبقيت على حالها إذ لا سلطة له عليها.

وقرر إمام أوغلو أيضاً حظر إطلاق اللحى على سائقي الحافلات في إسطنبول، كما فرض عليهم زياً  موحداً هو البزة الرسمية، وتبيّن أن هذا القرار جاء نتيجة شكوى من "رابطة الفكر الكمالي" إلى المديرية العامة طالبت فيها بفرض قيود على مظهر العاملين في مؤسسة النقل العام، وفقاًً لوسائل إعلام تركية.

وفي الشهر الماضي، بدأ إمام أوغلو يتدخل في عرض الأعمال الفنية حين قرر وقف عرض المسرحيات الإسلامية والأخلاقية لكل من الأديب نجيب فاضل، والكاتب إسكندر باله والكاتب مصطفى قوطلو من سلسلة "مسرحيات إسطنبول"، بحجة الاقتصاد والتوفير وارتفاع تكلفة هذه المسرحيات.

إرث أردوغان المهدد بالحظر

في أعقاب تولي حزبه مقاليد الحكم في تركيا، عام 2002، لم يسارع أردوغان نحو إعادة المظاهر الإسلامية إلى تركيا على الرغم من وجود دعم شعبي كبير له، وكانت خطوته الأولى في هذا المسار رفع الحظر عن ارتداء الحجاب تدريجياً عام 2011 سواء في الجامعات أو المدارس أو في صفوف الجيش والشرطة.

خاض أردوغان معركة قوية من أجل إعادة المدارس الدينية التي أُغلق جزء كبير منها عام 1997 عقب انقلاب عسكري، ولا سيما المدارس المعروفة بمدارس "الإمام الخطيب" التي شهدت توسعاً كبيراً شمل التعليم الإعدادي، فارتفع عدد طلابها من 65 ألفاً فقط عام 2002 إلى 1.3 مليون طالب يتوزعون على أربعة آلاف مدرسة.

وعام 2011، قام أردوغان بتعديل امتحان القبول في الجامعات، والذي كانت قد  وضعته الحكومات العلمانية من أجل تقليل فرص تلاميذ مدارس "الإمام الخطيب"، كما لم يعد تلاميذ المدارس الابتدائية ينشدون عهداً وطنياً كل أسبوع يبدأ بكلمتي "أنا تركي" وهو تقليد يرجع إلى زمن أتاتورك.

وتقوم مدارس "الإمام الخطيب" الثانوية بفصل البنين والبنات بين سني 14 و18 عاماً، وبتدريس اللغة العربية التي حظرها أتاتورك في المدارس والجامعات التركية إلى جانب تعليم القرآن الكريم والسيرة النبوية.

وكانت مساعي أردوغان لإعادة التعليم الديني قد واجهت معارضة قوية من حزب "الشعب الجمهوري" والحركات العلمانية، حتى دُشنت مبادرة "لا تلمسوا مدرستي" وهي تجمّع للآباء الغاضبين الذين أكدوا رفضهم لفرض قواعد دينية على  التعليم، مؤكدين أن هذا "النظام ليس له جذور لدى الشباب ممن لهم رؤية تتطلع إلى مستقبل مستنير بالعلم بل في جيل يثمّن الطاعة".

وعام 2013، صدر قانون من البرلمان التركي صاغه أردوغان - حين كان رئيساً للوزراء - يفرض حظراً شاملاً على الإعلان عن المشروبات الكحولية، كما يحظر فتح متاجر لبيع الكحول على بعد 100 متر من مسجد أو مدرسة، وتضمّن منع بيع الكحوليات بين الساعة 10 مساءً والساعة السادسة صباحاً باستثناء المطاعم والنوادي الليلية.

تضمن التشريع أيضاً أمراً لمحطات التلفزيون بطمس "أي دعايات" للمشروبات الكحولية في الأفلام أو العروض أو مقاطع الفيديو الموسيقية.

وعام 2014، أُغلق أحد أكبر المصانع المنتجة للكحول في تركيا بسبب انخفاض المبيعات، ما أثار صدمة في قطاع المشروبات الكحولية في البلاد، على حد وصف صحيفة "حرييت" التركية التي نقلت عن مسؤولي المصنع أن رفع الضرائب أدى إلى رفع أسعار منتجاتهم وتراجع الإقبال عليها، وأن القانون الجديد حرم منتجي الكحول من رعاية الحفلات الموسيقية وفرض قيوداً صعّبت من استمرار عملهم.

تقول الإذاعة الألمانية إن أبرز ملامح التغيير التي جرت في تركيا منذ تولي أردوغان كانت إعادة الطابع الإسلامي إلى منطقة إسطنبول القديمة حيث مبنى آيا صوفيا الذي كان كنيسة حتى حوّله السلطان العثماني محمد الفاتح إلى مسجد عام 1453 ثم تحوّل إلى متحف عام 1935.

عام 2016، رُفع الآذان من متحف آيا صوفيا وجرى بثه عبر الراديو، وهي خطوة وصفتها آنذاك الأحزاب المعارضة ودول أوروبية بـ"الاستفزازية"، وفي مارس الماضي هدّد الرئيس التركي بأنه سيعيد تحويل هذا المبنى إلى مسجد مرة أخرى في أعقاب مقتل أكثر من 50 مسلماً في أحد مساجد نيوزلندا.

وخلال عهد أردوغان، شهدت تركيا طفرة كبيرة في بناء المساجد التي وصل عددها إلى 17 ألفاً، ما جعل المآذن السمة الأكثر شيوعاً في سماء البلاد ولا سيما في إسطنبول التي شهدت عام 2016 افتتاح مسجد مساحته أكثر من 150 ألف قدم مربع على تل فوق المدينة، فيه أعلى مئذنة في العالم، ما دفع رئيس حزب "الشعب الجمهوري" كمال كيليجدار أوغلو إلى وصفه (المسجد) بأنه خطوة أخرى نحو تحويل تركيا إلى جمهورية إسلامية.

وعام 2017، أعادت أنقرة كتابة المنهج المدرسي في البلاد، من منهج جمهوري صارم إلى منهج غني بالعقيدة الإسلامية كما أعادت الاحتفالات الدينية والتاريخية.

وخلال عهد أردوغان، عادت مرة أخرى الأعمال السينمائية والدرامية الدينية، كما شهد المسرح أعمالاً إسلامية عديدة بتمويل ودعم حكومي من أجل إحياء القومية على أساس إسلامي في العديد من الأفلام وأعمال الدراما، أبرزها قيامة أرطغرل ومحمد الفاتح، بل حتى الأعمال غير الإسلامية ظهرت فيها مشاهد صلاة أو سيدة ترتدي حجاباً والعديد من المظاهر والممارسات الدينية التي كانت محظورة من قبل.

وتشير إحدى الدرسات إلى أن العديد من الأعمال استمرت في الهجوم على الإسلام والمسلمين المتدينين، إلا أنها لم تعد ذات تأثير أو مقبولة كما كانت قبل عام 2002.

هل ينجح إمام أوغلو في محو إرث أردوغان؟

يقول الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي التركي خيري أوغلو إن "كل حزب له أجندته التي يضعها حسب إيديولوجيته، وكل حزب يأتي الى السلطة يحاول فرض سياسته لذلك لا يبدو أن هناك هوية في إسطنبول بل هي متعددة"، مضيفاً أن "الحزب الحاكم عمل على تقليل هذه التعددية من أجل سياسته التي استهدفت أسلمة المجتمع، ولم تنجح كثيراً".

وأضاف خيري أوغلو لرصيف22:" أشكال الملتحين تخيف الناس وهناك تشابه بينهم وبين الإرهابيين، وهذا هو سبب القرار الذي أصدره إمام أوغلو كما أن هناك مسؤولين علمانيين كماليين قربيين من اليسار دفعوا نحو هذه القرار كاستهداف للمتدينين ومظاهر الأسلمة التي ظهرت في المجتمع".

 وأشار الأكاديمي التركي إلى أن إمام أوغلو يستعد للانتخابات الرئاسية، وأصبح رمزاً واستطاع أن يخلق قنوات تواصل مع المحافظين، لذا لا يريد تغيير صورته المتفاهمة مع المتدينين، وسيكون حذراً في اتخاذ مثل هذه القرارات التي يدفع بها العلمانيون الذين بجواره، مثل رئيسة حزب الشعب الجمهوري في إسطنبول جنان كفتانجي أوغلو وهي من أبرز قيادات حملته الانتخابية وأكثرهم علمانية.

وأكد أن إمام أوغلو وقع في خطأ كبير باتخاذ قرارات مماثلة وسيضطر إلى تطبيق سياسة التوافق مع المحافظين كي يحقق طموحه بالوصول إلى رئاسة تركيا.

وأشار خيري أوغلو إلى أن أردوغان يلعب على وتر القومية والمشاعر الدينية، لذا كانت البلديات تستخدم رموزاً دينية في أعمالها، لكن إمام أوغلو يريد يسحب البساط بالتفاهم والتقارب من المحافظين، وهو يعلم ضرورة الجمع بين اليسار واليمين. 

وذكّر خيري أوغلو برد فعل رئيس البلدية خلال مؤتمر فوزه، حين هتف بعض مَن كانوا بجواره قائلين "نحن جنود أتاتورك"، فتدخّل طالباً منهم التوقف عن ترديد هذه الشعارات، وداعياً إلى الوحدة بين الجميع.

من جانبه، يرى الباحث التركي في التاريخ السياسي والمحلل السياسي فراس رضوان أوغلو أن القرارات التي اتخذها عمدة إسطنبول لن تمحو الهوية الإسلامية، فـ"الكل في تركيا يعتبر الإسلام محور الشخصية التركية والدولة، لكنه يريد إعادة أفكار حزبه بالابتعاد عن إدخال التدين في السياسة وحتى التدين بحد ذاته".

واعتبر فراس أوغلو في حديثه لرصيف22 أن "إمام أوغلو يسعى لفرض هوية الحزب الذي يمثله كي تكون له بصمة مختلفة عن العدالة والتنمية في سبيل المحافظة على الكتلة الشعبية التي انتخبته والتي تمثل الفكر الجمهوري العلماني".

وقال الباحث التركي: "أعتقد أنه من الصعوبة محو الهوية الإسلامية السياسية في إسطنبول لأن المحافظين قوة كبيرة، وهذه القرارات ستسبب له مشاكل وقد بدأت إرهاصاتها".

وأضاف: "أما مسألة الحجاب فإذا دخل بها إمام أوغلو ستكون نهايته السياسية، لأن أنصار المحافظين كثر داخل وخارج تركيا إضافة إلى أنه بدأ يدخل في مسألة الحريات الشخصية وهذا مرفوض".

رصيف 22

 

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*