يوسف تيلجي
استهلال
من هو الناشط السعودي رائف محمد بدوي؟
وُلد بدوي في 13 يناير 1984 في مدينة الخبر في السعوديّة، وهو كاتب وناشط في مجال حقوق الإنسان ومُؤسس موقع "الليبراليّون السعوديون" الالكتروني سنة 2006، اشتُهِر بدعوته لإلغاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر، وطالب بمحاكمة رئيسها "إبراهيم الغيث" في محكمة العدل الدوليّة وذلك في حديث خاص معه على قناة السي إن إن الأمريكيّة أواخر عام 2008.
تمَّ اعتقال بدوي سنة 2012 بتُهمة الإساءة للدين الإسلاميّ من خلال الإنترنت، واتُهم بعِدّة قضايا من بينها الردة. حُكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات، والجلد 600 جلدة، وإغلاق موقع الشبكة الليبراليّة السعوديّة الحُرّة، وذلك في 29 يوليو 2013، على خلفيّة هجومه على المُؤسسة الدينيّة السلفيّة في السعوديّة. وفي 7 مايو 2014 تمّ تعديل الحكم إلى الجلّد 1000 جلدة، والسَجن لمدة 10 سنوات، بالإضافة لغرامة ماليّة. وبدأ تنفيذ حُكم الجلّد إبتداءً من 9 يناير 2015 أسبوعياً لمدة 20 أسبوع (نُقل بتصرف من موقع الأيكيبيديا).
مُلاحظة: في مُقابلة مع إحدى القنوات التلفزيونيّة السعوديّة، أشار والد الناشط رائف بدوي بأنّ والدة "رئيف بدوي" لبنانيّة مسيحيّة مارونيّة، ولكنه أعقب بعد ذلك بأنها قد أسلمت حسب ادعائه!
النص
الكلمة الحُرة لا تُسجَن في أفواه الأحرار لأنّ صداها ينبثق كرنين ناقوس يُسمِع من أعمى جهلُهم وتخلُّفُهم صوتَ الحُريّة. إن الكلمة الحُرّة ستُعريهم، وتُبقيهم فقط "بورقة التوت" لستر عوراتهم. إن رنين الكلمة الحُرّة وصداها سيقتحمان أذهانَ الذين أقفلوا كل مداركهم، وأصبحوا كالنعام التي تغمر رأسها في التراب، خوفا من الحريّة، الحريّة التي ستهدم المعبد على روؤسهم التي ملأها الصدأ. إنهم عبيد مفاهيم فتاوى شُرب بول البعير، جهاد النكاح، إرضاع الكبير، وتكفير الآخرين من مسيحيين ويهود وشِيعة بل وحتى المسلمين الذين لا يتبعون مذهب شيخ الإسلام بن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب.
إضاءات
إن المملكة العربيّة السعوديّة بعيدة كلّ البُعد عن أدنى مفهوم لحريّة المُعتقد وخيار المذهب؛ فالحُريّة الشخصيّة في المملكة شبه معدومة للنساء في السفر، وفي التحرك، وفي التجوال بل حتى في قيادة السيارة التي لم يكن مسموحًا لهن بها حتى أيام مضت! المملكة تُكمّم أفواه الليبراليّين، وتكبت الأصوات المُتطلّعة نحو فضاء خال من الخُرافات والأساطير والغيبيات. من المثير للسُخرية أن تشارك السعوديّة بالمسيرة التضامنيّة في باريس مع جريدة شارلي ايبدو! ويُشار الى أن وزير الدولة للشؤون الخارجيّة السعوديّة نزار مدني كان قد شارَكَ في المسيرة التضامنيّة المذكورة (حسب موقع "التقرير" في أول ديسمبر ٢٠١٥). كان الأجدر بالمملكة أن تُعالج شأنها الداخلي قبل المشاركة بالمسيرة؛ هذا الشأن الموبوء قهرًا وظُلمًا، هذا الشأن الذي يفتقد لأقل درجات حُريّة التعبير وبيان الرأي المُستقل. وقد أكّدت مُنظمة هيومن رايتس ووتش الحُقوقيّة هذه الأنباء، وقالت في تصريح لـ CNN: "بدلًا من حماية حقِّ المُواطنين السعوديّين في حريّة التعبير، قامت الحكومة السُعوديّة بمعاقبة "رائف بدوي"، وهي رسالة لتخويف الآخرين الذين قد يجرؤون على مُناقشة مسائل الدين. وأضافت المنظمة: "بوصف السعوديّة عضوًا في مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتّحدة، فإنها تعهّدت بالتزام أعلى المعايير في تعزيز وحماية حقوق الإنسان، إلا أنّ القمع المتواصل ضد بدوي وغيره من المُعارضين السلميّين يسخر من هذه التعهُّدات.
والسُوال الآن هو أين حُقوق الإنسان؟ ففي القرن الواحد والعشرين يُجلد الناس في السّاحات العامّة، ويُقام الحَدُّ تعزيزًا أي قطع الرقاب أمام أنظار العامّة. أمّا بالنسبة إلى الناشط السُّعودي "رائف بدوي" فقد عدل حُكمه من 600 جلدة إلى 1000 جلدة، والمهزلة أنّ المملكة قنّنت الجلد إلى 50 جلدة أسبوعيا! وإنّني أتساءل: "ما هو رد فعل الناشط رائف بدوي بعد الانتهاء من الجلد؟ بل ما هو شُعوره بعد كُلّ جلدة؟ وهل سيُخرس هذا السوط الكلمةَ الحُرّة أم سيزداد سقف صلابة هذه الكلمة مع الألم؟ وهل ستعتقد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ الشرطة الدينيّة التي تدعى سُعوديًا بـ الحسبة أو المطاوعة، ورئيسها "إبراهيم الغيث" أنها بهذا العمل ستبث الرعب والخوف في قلوب الآخرين حتى لا ينهجوا النهج الليبراليّ؟ إنني أرى العكس؛ فأصوات الحريّة ستظل تعلو فوق أصوات التخلُّف والخرافات ... وتضامنًا مع جلد بدوي، وحسب موقع رُوسيا اليوم في ١٨ يناير ٢٠١٥، تظاهرت ناشطاتٌ من حركة "فيمين" يوم الجمعة 16 يناير كانون الثاني 2015 عاريات أمام السفارة السعوديّة بباريس حاملاتٍ بأيديهن سِياطًا، احتجاجًا على عُقوبة الجلد التي يخضع لها الناشط السعودي رائف بدوي.
من المُؤكد أنّ السُجون السعوديّة، هي الأكثر ظُلمًا عربيًا، حيث كلّ المؤشرات تشير الى ذلك، وليس من سيطرة عليها، وهذا يُعزى إلى سيطرة الحرس القديم على مقاليد السُّلطة في المملكة، خاصّة في عهد الملك الرّاحل عبد الله بن عبد العزيز الذي كان في سنواته الاخيرة شبه غايب عن الوعي بسبب وضعه الصّحيّ الحرج إذ كان يبلغ من العمر 90 عامًا. ومنطقيًا كان لا يستطيع أن يحكم وهو في هذه الظروف. والآن من الضروري في عهد الملك الحالي سلمان بن عبد العزيز أن يبدأ عهده بالإفراج عن سُجناء الرأي، وبالنسبة للجلد عامّة ووضع السُّجون خاصّة، وعن وضع بدوي يُشير الأستاذ علي الأحمد؛ الأكاديميّ السعوديّ والأستاذ في معهد شؤون الخليج، إلى وفاة الكثير من السجناء والمحتجزين في السّعوديّة، ويقول إنّ هذا العدد من الجلدات مع مرور الوقت قد يُؤدي الى إصابات والتهابات قد تؤدي إلى الوفاة، مع الأخذ في الاعتبار سوء الظروف الصحيّة التي سيُواجهها بدوي في السجون السعوديّة، ولكن زيد بلباجي يقول إنّ الغرب يُنسّق عن كثب مع الحكومة السعوديّة وإنّ دبلوماسيّة الأبواب الخلفيّة ستعمل لصالح بدوي (نُقل بتصرف من موقع بي بي سي ١٦ يناير ٢٠١٥).
وقالت منظمة العفو الدوليّة إنّ فريقًا من الأطباء أجرى كشفًا صحيًا على المُدوِّن السعودي رائف بدوي، وقرّروا أن وضعَه الصّحيّ لا يسمح بتوقيع عقوبة الجلد عليه (حسب موقع بي بي سي في يوم ٢٢ يناير ٢٠١٥). ورغم هذا، أرى أنّه لا بُدّ من تدخُّل ملكي لمنع هذا العمل الإجرامي/الجلد، تجاه ناشِط سُعوديّ، تُهمته فقط الرأي الحُرّ المُستقل، فكلمة بدوي الحُرّة تخدم أفكارًا حضاريّة، إضافة لمطالبته بإلغاء خليّة شرطويّة، وهي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي تبث الرُّعب والخوف بقُلوب السعوديّين المُتطلّعين إلى مُستقبل أفضل في عالم حُرّ مُتحضّر، يرفض القيود والإذلال والتبعيّة الخرفة لفئة من الشيوخ والدُّعاة المُنتمين إلى المؤسسة الدّينيّة السّلفيّة الوهابيّة المُتزمتة، الذين لا زالوا يعيشون عصر الجاهليّة!
شمعة
سيبقى رائف بدوي، القابع في سجن "بريمان" حسب ما أدلى به موقع جهود، شمعةً لا يُطفئها فحيح الأفاعي. ستبقى كلمتُه مُنيرة متفرّدة رائِدة حُرّة مُتمرّدة مُستقلّة تسمو على الظلام الفكريّ المُخيّم على المملكة (عدا العقول والأقلام والأصوات الحرة التي تظهر في السعوديّة كلّ يوم). وكما يقول المثل الصيني الشهير: بدلًا من أن تلعن الظلام أوقد شمعة، ورائف بدوي شمعةٌ سُعوديّة سيُكتب لنُورها الديمومة والاستمرار وستزداد صلابةً وعزمًا وقُدرة وصبرًا ووهجًا، رغم جرعات التّعذيب الجسديّ والفكريّ وألم السِّياط.