د. خالد منتصر
عندما علّق مارتن لوثر احتجاجاته على جدار الكنيسة الألمانية كانت بداية الإصلاح الدينى، وعندما ترجم الكتاب المقدس إلى لغة الناس المتداولة ولهجة الوطن الذى يسكن فيه خرج الدين من احتكار رجال الكنيسة الذين كانوا يملكون حل شفرته اللاتينية وتوصيل طلبات الفتاوى وصكوك الغفران وتفسيرات الاستبداد إلى المنازل!!
لكن مارتن لوثر الإسلامى تأخر كثيراً، وكما فى مسرحية العبث «فى انتظار جودو» ما زلنا فى انتظار «لوثر»، المؤسسة الدينية الآن لا تعرف ولا تدرك أنه بمجرد ضغطة زر «كى بورد» يستطيع أى شاب أو حتى طفل الاطلاع على ما كان المشايخ يحتكرونه من تفاسير وفتاوى وآراء فقهية وتاريخ مخفى، كل المسكوت عنه انكشف وبان أمام شاشة الـ«لاب توب»، وعندما أرادت «الزيتونة» التجديد اعترض الأزهر وقال إن تونس تهدم الثوابت وحكومتها تخرج عن المعلوم من الدين بالضرورة، واتضح أمر خطير وهو أن كل نص من الممكن أن نقول عنه إنه ابن زمانه ومكانه عندما لا يوافق الظروف، ولكن بالنسبة للنصوص المتعلقة بالمرأة فهى عند المؤسسة الدينية المصرية لا تمس، وهى فقط المعلوم والمفروض من الدين بالضرورة، عندما يحس الشيخ أنه محرج وخجلان أمام العالم من الإصرار على مسألة الرق يخرج علينا قائلاً تلك ظروف بنت زمانها ومكانها وقد تغيرت وتبدلت، لكن عندما نذكر له الحجاب يصرخ ويتشنج ويقول هذا نص واضح وصريح لا يخضع لأى متغيرات أو ظروف!!
برغم أن الزى هو أكثر الأشياء خضوعاً للظروف والمكان والمناخ والزمان، وعندما تحكى للشيخ عن إلغاء الفاروق عمر لسهم المؤلفة قلوبهم برغم صراحة ووضوح النص فإنه يقول لك جملة ملتفة حلزونية وهى أن عمر لم يعطل النص بل وجد الظروف غير ملائمة لتطبيقه، وعندما تذكر له الميراث وأن ظروف المرأة قد تغيرت وأن ربع النساء يقمن بإعالة أسرهن وأن عم البنات الذى لم يكن يسأل عليهن عند موت أبوالبنات يقفز معهن فى الميراث، وأننا لا بد أن نراعى الظروف المتغيرة، هنا تنتفخ أوداجه وتنفر عروقه ويصرخ: لا، هذه نصوص قطعية الدلالة، والسؤال: من الذى معه عصا الإشارة إلى المعلوم بالضرورة والقطعى الدلالة؟!، هل لا بد أن يكون معمماً حاصلاً على لقب رجل دين أو شيخ أو داعية؟!، ولماذا الاجتهاد فى النصوص المتعلقة بالمرأة بالذات هى التى تثير حفيظة المشايخ؟!، إنه ليس الدفاع عن صحيح الدين وإنما الدفاع عن مكاسب الذكورية!!
أنا لا أتحدث عن تفاصيل القرارات التونسية، ولا أدعى أننى درست نقاطها بالكامل، ولكنى ضد روح العدوانية والفاشية التى واجهنا بها تلك القرارات، ضد الوصاية، ضد ضياع ملامح الدولة المدنية الحديثة بسبب جشع وتغول سماسرة الدين، أليست الوصية الواجبة فى الميراث والتى دخلت إلى صلب القانون المصرى اجتهاداً حتمته الظروف؟!، أليس إلغاء حد السرقة وحد الزنا مثلاً استجابة لتغير الظروف؟!، أليس السجن نفسه كعقوبة معنى ومفهوماً غير فقهى؟!، محاولة إلباس الزمن «جاكت» من الجبس محاولة مستحيلة، التغير هو الثابت الوحيد فى الكون، تونس تعتذر عن ربيع الفوضى وتهدى لنا ربيع التنوير