لماذا كل هذا الحديث عن حرب عالمية ثالثة؟ - مقالات
أحدث المقالات

لماذا كل هذا الحديث عن حرب عالمية ثالثة؟

لماذا كل هذا الحديث عن حرب عالمية ثالثة؟

آن آبلباوم*

في مارس 2014، وبعيد الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم، وصف أشهرُ مقدم برامج في التلفزيون الروسي الرسمي الوضعَ الدولي على نحو واضح جداً، حيث قال دميتري كيسليوف لملايين المشاهدين: «إن روسيا هي البلد الوحيد في العالم الذي يستطيع فعلياً أن يحوّل الولايات المتحدة إلى رماد إشعاعي». وعلى خلفية انفجار نووي وأهداف نووية بارزة، تحدّث بنبرة مهدِّدة كيف أن الشيب أخذ يغزو شعر باراك أوباما، «أعترف أنا هذا يمكن أن يكون مصادفة»، وعن اليأس المتزايد للبيت الأبيض الذي يخشى فعلًا اندلاع حرب نووية في أي لحظة.

واليوم نحن في أكتوبر 2016، وها هو كيسليوف، الذي يرأس وكالة الأنباء المملوكة للدولة في روسيا، يعاود الكرة حيث قال محذّراً في 9 أكتوبر: «إن السلوك الوقح تجاه روسيا» له «بعد نووي»! وفي البرنامج التلفزيوني نفسه، أظهر مرة أخرى صوراً لأوباما. وقال إن «تغييراً جذرياً» وقع في العلاقات الأميركية- الروسية، قبل أن يضيف مهدِّداً: «إن موسكو ستردّ بأعصاب من فولاذ» على أي تدخل أميركي في سوريا -رد قد يشمل بعداً نووياً. هذا بينما نصحت قناة تلفزيونية روسية أخرى مشاهديها: «إذا كان ذلك سيحدث يوماً ما، فيجدر بكل واحد منكم أن يعرف مكان أقرب ملجأ ضد القنابل. من الأفضل معرفة ذلك الآن».

ما هو الفرق الذي تحدثه سنتان: الحكومة الأميركية والجمهور الأميركي تجاهلا خطاب روسيا النووي في المرة الأولى التي صدر فيها، ولكن في هذه المرة تبدو اللغة مختلفة. فنحن وسط انتخابات رئاسية محتدمة. والأهم من ذلك أن لدينا مرشحاً رئاسياً جمهورياً يكرّر عبارات «بروباغندا» مقتبسة من وسائل الإعلام الروسية التابعة للدولة. فقد سبق لدونالد ترامب أن قال إن هيلاري كلينتون وأوباما «أسّسا تنظيم داعش»، وهو تصريح مأخوذ مباشرة من وكالة الأنباء الروسية «سبوتنيك». كما كرّر أيضاً نظرية مؤامرة أخرى سبق دحضها -أن «محرك البحث غوغل يعمد إلى حذف الأخبار السيئة المتعلقة بهيلاري كلينتون»- بعد أن أعادت إحياءها وكالة «سبوتنيك» بوقت قصير.

واليوم، يكرّر ترامب تهديدَ كيسليوف أيضاً حيث قال الأسبوع الماضي: «سينتهي بكم المطاف في حرب عالمية ثالثة حول سوريا إذا أصغينا إلى هيلاري كلينتون». وعلى غرار كيسليوف، أشار أيضاً إلى أن لدى روسيا رؤوساً نووية وأنها ستستعملها -في حال انتُخبت كلينتون- إذ قال: «إن روسيا بلد نووي، ولكنها بلد تعمل فيه الرؤوس النووية خلافاً لما هو عليه الحال في بلدان تتحدث (فقط)».

ولكن، لماذا تستعمل وسائل الإعلام الروسية التابعة للدولة مثل هذه اللغة المتطرفة؟ ولماذا يكرّرها ترامب؟ الواقع أنه من غير الصعب فهم دوافع النظام الروسي: فهو يريد التأثير في معنويات الروس، ذلك أن الاقتصاد بات أضعف مما كان عليه بكثير، ومستويات المعيشة آخذة في التراجع ومعها الدعم الذي تحظى به سياسات الحكومة. والمجموعة الحاكمة تشعر بالقلق والتوتر أصلًا، ولهذا، فإنها تستعمل الإعلام لترويج رسالة مفادها أن نظام الرئيس بوتين وحده يستطيع حماية الروس من اعتداء أميركي.

ولا شك أن النظام يرغب في تخويف الأميركيين أيضاً وإقناعهم بالتخلي عن سوريا. ذلك أنه إذا استسلمت الولايات المتحدة وأوروبا، فإن روسيا ستصبح حرة في مساعدة نظام بشار الأسد على فرض «الحل» بالقوة، وتدمير كل البدائل السياسية. وفي هذه الأثناء، فإن للحرب أيضاً فوائدها: ذلك أنها تزيد من تدفق اللاجئين على أوروبا، وتوسّع الفوضى السياسية والاقتصادية التي تعتقد روسيا أنها تخدم مصالحها.

ثم إن الروس أيضاً لديهم مصلحة كبرى في انتخاباتنا: فمنذ الصيف الماضي، عندما حاول من زعم البعض أنهم قراصنة روس إفساد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي من خلال رسائل بريد إلكتروني مسرّبة، اتضح بشكل جلي أن روسيا تفضّل المرشح الجمهوري، وهو رجل سبق له أن أعلن مراراً وتكراراً إعجابه ببوتين وكرهه لحلفاء الولايات المتحدة. ويزعم منتقدون أن «خبراء تكنولوجيا السياسة» الذين يصمّمون حملة النظام الإعلامية يدركون أن الخوف والهستيريا يستطيعان إقناع الناس بالتصويت لمرشح سلطوي. ثم إن محاولة خلق الخوف والهستيريا في الولايات المتحدة لا تكلّفهم أي شيء. صحيح أنها قد لا تنجح، ولكنها قد تحقق أيضاً نتائج كبيرة إن نجحت.

وإلى ذلك، فثمة دافع آخر ممكن. فأياً تكن نتيجة انتخابات الثامن من نوفمبر في أميركا، فإن حالة من عدم اليقين السياسي ستعقبها: أشهر الانتقال، وتغير موظفي البيت الأبيض، وربما حتى رد الفعل العنيف الذي قد يحرّض عليه ترامب. وقد تكون هذه لحظة ممتازة لهجوم روسي كبير من قبيل استيلاء على أراض في أوكرانيا، أو مغامرة في دول البلطيق، أو تدخل أكبر بكثير في الشرق الأوسط -أي شيء من أجل «اختبار» الرئيس الأميركي الجديد.

وإذا كان ذلك سيحدث، فعلى بوتين أن يعدّ الجمهور لخوض حروب أكبر بكثير وإقناع بقية العالم بالإحجام عن محاولة وقفه. كما عليه أيضاً أن يجعل جنرالاته في الحالة الذهنية المناسبة، وجنوده مستعدين لما هو آت. ولاشك أن بعض التصريحات حول حرب نووية لن تفشل في لفت الانتباه، وأنا على يقين أنها قد فعلت ذلك سلفاً.

* محللة سياسية أميركية، مديرة برنامج التحولات العالمية بمعهد «ليجاتوم» في لندن

واشنطن بوست

ترجمة صحيفة الاتحاد

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث