عبد الرحمن ناصر
يعتبر التصوُّف طريقًا خاصًّا، يسيرهُ السالك إلى الله، محاولًا التخلُّصُ من شوائب النفس وكدوراتها، في محاولةٍ للوصولِ إلى النُّورِ الأكبر. لكنّ التصوُّف والمتصوِّفة أيضًا كانوا مثارَ انتقاداتٍ كثيرة، خصوصًا أنّ البعض منهم دخل في مشاداتٍ عقديَّة مع غيرهِ من المذاهب، بينما كان لبعض المظاهر التي دخلت على التصوُّف في القرنين الماضيين النصيب الأكبر من الانتقادات والتعليقات حتَّى من مشايخ المتصوِّفة أنفسهم. على جانبٍ آخر هناك متصوفة ركنوا إلى الحاكم الظالم وأيَّدوهُ وبرروا له، في عديدٍ من دول الربيع العربي، ما ألقى بظلاله على التصوف كمذهب وطريق إلى الله.
في هذا التقرير، انتقينا بعضًا من كتب التصوُّف، القديمة والحديثة، ليستطيع القارئ –إن أحبّ– أن يصل إلى تصوُّرِ واضحٍ عن هذا المفهوم، وعن سالكي طريقه وتطوُّراتهِ وتطوُّراتهم.
-1 الرسالة القشيريَّة
يعتبر هذا الكتاب من أهمّ المصادر الكبرى للتصوف والصوفيَّة، فقد احتوت الرسالة على تعريف التصوف على لسان كبار مشايخه، كما تناولت بالشرح الدقيق والموجز المقامات والأحوال التي يمرُّ بها المريد في عروجهِ الروحيّ إلى الله. ويعتبر أبو القاسم القشيري من علماء الفقه والأصول إلى جانب التصوف، مازجًا بين «علمي الشريعة والحقيقة» مزجًا دقيقًا.
-2 قضيَّة التصوُّف.. المُنقذ من الضلال
عُرف الشيخ عبد الحليم محمود، شيخ الأزهر الأسبق، باعتبارهِ أحد علماء الدِّين الأفذاذ في العصر الحديث، الذي احتوى علوم «الشريعة والحقيقة» معًا، عبر رحلتهِ في العلم في جامعة السوربون، ثمّ عودته للقاهرة واهتمامه بالتصوُّف ودراساته، ترك الشيخ عبد الحليم مؤلفاتٍ زادت عن الـ50، إضافةً إلى بعض التحقيقات والترجمات (يمكن تحميلها من موقعه الخاص). في هذا الكتاب يستلهم الشيخ عنوان كتاب الإمام أبي حامد الغزالي «المنقذ من الضلال والمفصح بالأحوال»، ليأخذ كتابهُ في مسارين:
المسار الأوَّل: وهو شرح مفهوم التصوف وماهيته، والإجابة عن الأسئلة والإشكاليات التي تحيط به في العصر الحديث.
المسار الثاني: وهو كتاب أبي حامد نفسه، الذي شرح فيه تجربته الروحيَّة.
وبالجملة يعتبر الكتاب، من أهمّ الكتب التي قد تُعين القارئ الكريم على تكوين صورةٍ مستقرة ومنصفة عن أهل هذا المذهب والطريق.
-3 الأبعاد الصوفيَّة في الإسلام وتاريخ التصوُّف
هذه المرَّة من مستشرقة ألمانيَّة، عُرفت بنزاهتها وموضوعيتها الشديدة تجاه الموضوعات التي تناولتها في الثقافة الإسلاميَّة. تتناول في هذا الكتاب مفهوم التصوُّف، وكيف رأى المتصوفةُ الأوائلُ نفسهم، عروجًا إلى الرموز المعنوية لبعض العبادات عند الصوفية، ثمّ تعريجًا على بعض كبار رجالات التصوف وشرح فلسفاتهم، كابن عربي وابن الفارض والسهروردي المقتول.
-4 المسافرون إلى الله بلا متاع
في إطار عنوان الكتاب، يتلمَّس المؤرخ الكبير جمال بدوي طريقهُ إلى عالم النور، هؤلاء الذين تركوا زادهم في الدنيا متوجِّهينَ إلى الله بزادِ الذِّكرِ والعبادةِ، ليصلوا إلى النُّور في الدنيا والآخرة، معرِّجًا على أبرزِ محنةٍ عاشها شيخٌ صوفيّ، هو الحسين بن منصور الحلاج، الذي قتل وقطِّعت يديه ورجليه وعنقه وقتل حرقًا في بغداد في القرن الثالث الهجري.
-5 منازل السائرين.. للهروي الأنصاريّ
هذا الكتاب من أكثر الكتب التي تمّ تناولها شرحًا وتوضيحًا، الكتاب يوضِّح المنازل التي يمرُّ بها السالكُ إلى الله، والمشكلات التي تواجهه، وقد تقفُ في طريقه. مؤلفه أبو إسماعيل الهرويّ الأنصاري حنبليٌّ متصوِّف، وقد شرح الكتاب ابن القيم في مدارج السالكين، وشرحه الكاشاني وعفيفُ الدين التلمساني من المتصوِّفة، وغيرهم كثيرون.
-6 الحكمُ العطائية
لأحمد بن عطاء الله السكندريّ، حكمٌ قصيرة موجزة، تعطي من المعاني الكثير، وتضعُ للمريد -وللشيخ أيضًا- بعض القواعد والتنبيهات التي لا بدّ لهما من الوقوفِ عليها والمرورِ بها، ليكتملَ الطريق ويتصل النورُ بالنور. شرح العديد من الفقهاء وعلماء التصوف الحكم العطائية، كما يمكنك مشاهدة بعض شروحها على يوتيوب، من هنا.
-7 قواعد التصوُّف.. للشيخ أحمد بن زرُّوق الفاسي
يعتبر الشيخ أحمد بن زرُّوق أحد أهمّ وأشهر رجالات التصوُّف في المغرب، لهُ العديد من الكتب والشروحات حول مذهب التصوُّف الصحيح، المرتبط بالكتابِ والسُّنة والشريعة. وهو فقيهٌ مالكي، لهُ العديد من المؤلفات، وقد شرح الحكم العطائية ستةً وثلاثين شرحًا، في أوقاتٍ مختلفة!
في هذا الكتاب وضع الشيخ 225 قاعدةً لأهل التصوُّف، جمع فيها الكثير مما تعلمه من رحلاته وأسفاره ومشايخه، في القاعدة 35 يقول:
فغلاةُ المتصوِّفة كأهل الأهواءِ من الأصوليين، وكالمطعونِ عليهم من المتفقِّهين، يُردُّ قولهم، يُتجنَّبُ فعلهم، ولا يُتركُ المذهبُ الحقُّ الثابتُ بنسبتهم له وظهورهم فيه، واللهُ أعلم.
-8التصوُّف.. الثورة الروحيَّة في الإسلام
هل كان التصوف بالفعل ثورةً روحيَّةً في الإسلام؟ هذا السؤال وفي نطاقه يتحرَّك الفيلسوف المصري أبو العلا عفيفي في بحثه الكبير المتقن، حول التصوُّف، ومفاهيم الذوق، وبعض المفاهيم الأخرى التي تخص التصوف: كالولاية ووحدة الوجود، ثمّ التعريج على الفرق الصوفية ولغتهم في التعبير عن الحبّ الإلهيّ.
-9 مدخل إلى التصوُّف الإسلامي
«ليس التصوف هروبًا من واقع الحياة كما يقول خصومه، وإنما هو محاولة من الإنسان للتسلح بقيمٍ روحيَّة جديدة تعينه على مواجهة الحياة الماديَّة، وتحقق له التوازن النفسيّ حتى يواجه مصاعبها ومشكلاتها». من هذا المنطلق يكتب شيخ مشايخ الطرق الصوفية في مصر، أبو الوفا التفتازانيّ، كتابه، الذي وضح فيه العديد من المفاهيم، حول أصول التصوُّف، وهل للتصوف مصدرٌ أجنبيٌّ غير الإسلام؟ والحديث عن الفناء والحلول والاتحاد، وغيرها من المفاهيم التي كانت مظانًّا لانتقاد الصوفية والهجوم عليهم.
-10 كتاب فيهِ ما فيه.. جلال الدين الروميّ
إذا لم يكن ممكنًا أن نضع في هذه القائمة ديوان المثنوي، لجلال الدين الرومي بسبب مجلَّداته الستّة الطويلة، فعلى الأقل يمكننا أن نضع كتابه «فيه ما فيه»، وهو مجموعة من المحاضرات والمذكِّرات والدروس والتعليقات، لمولانا جلال الدين يناقشُ فيها العديد من الأفكار الدقيقة واللطائف العرفانيَّة الرقيقة، في 71 فصلًا، يناقش الرومي في كلّ فصلٍ فكرة، يبدأها بتفسير آيةٍ قرآنيةٍ أو حديثٍ أو ضربٍ لمثال، على طريقته المعروفة في توصيل المعاني الكبيرة في قصص رمزيٍّ صغير وموجز.
والآن، هل أفادتك هذه الرحلة معنا بين طيَّات هذه الكتب؟ وماذا تقترحُ من كتبٍ أخرى؟.