حذَّرت الولايات المتحدة من عواقب وخيمة، إذا سيطر جهاديون مرتبطون بجماعة لها صلة بجناح تنظيم القاعدة في سوريا سابقاً على محافظة إدلب بشمال غربي سوريا، وقالت إن هذا سيجعل من الصعب إثناء روسيا عن استئناف القصف الذي توقف مؤخراً.
وفي رسالة نُشرت على الإنترنت في وقت متأخر، أمس الأربعاء، قال أكبر مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية عن السياسة في سوريا مايكل راتني، إن الهجوم الأخير الذي شنَّته هيئة تحرير الشام، وتصدَّرته جبهة النصرة سابقاً، التي كانت فرع تنظيم القاعدة في سوريا، عزَّز سيطرتها على المحافظة و"يعرِّض مستقبل شمالي سوريا لخطر كبير".
وقال راتني، الذي وقف وراء محادثات سرية مع موسكو جرت في عمان، بشأن وقف إطلاق النار، الذي أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في يوليو/تموز: "شهد شمالي سوريا واحدة من أكبر مآسيه". وكانت هذه أول الجهود الأميركية الروسية من هذا النوع في عهد إدارة ترامب لإنهاء الحرب الأهلية السورية.
وقال راتني "في حالة هيمنة جبهة النصرة على إدلب، سيكون من الصعب على الولايات المتحدة إقناع الأطراف الدولية باتخاذ الإجراءات العسكرية اللازمة".
واجتاح مقاتلون معارضون، معظمهم من الإسلاميين محافظة إدلب عام 2015، فألحقوا سلسلة هزائم بالجيش السوري إلى أن تدخلت روسيا لتغيير دفة الحرب لصالح الرئيس بشار الأسد.
ومحافظة إدلب هي الوحيدة الواقعة بالكامل تحت سيطرة المعارضة، وكانت هدفاً رئيسياً للضربات الجوية الروسية والسورية، التي أوقعت مئات القتلى والجرحى من المدنيين.
وعاشت المنطقة الزراعية فترة راحة، منذ توصلت روسيا وتركيا لاتفاق، في مايو/أيار الماضي، أقرَّ إقامة أربع مناطق لعدم التصعيد في أجزاء مختلفة من سوريا، منها واحدة في محافظة إدلب.
ويخشى الكثير من السكان من أن تجعل سيطرة الجهاديين على إدلب المحافظةَ هدفاً لهجمات لا تتوقف، تشنها قوات روسية وسورية فتدمرها، لتتحول إلى حلب أو موصل أخرى.
ويعيش أكثر من مليوني شخص في إدلب، التي أصبحت ملاذاً مكتظاً لكثير من النازحين، وبينهم مقاتلون معارضون وأسرهم.
الجولاني وجماعته
وقال راتني: "يجب أن يعلم الجميع أن الجولاني وعصابته هم المسؤولون عن العواقب الوخيمة التي ستحل بإدلب"، في إشارة إلى زعيم ما كانت تعرف بجبهة النصرة أبو محمد الجولاني، الذي يقود هيئة تحرير الشام.
في أقل من ثلاثة أيام هاجم مقاتلو الجولاني جماعة أحرار الشام وسيطروا على شريط على الحدود مع تركيا، في أشرس المعارك بين جماعات المعارضة منذ بدء الصراع.
وسعت هيئة تحرير الشام لتهدئة المخاوف، ولم تحاول السيطرة على المحافظة بالكامل، لكن هناك شكوكاً كبيرة بين كثيرين في المنطقة، في أن هدفها النهائي هو احتكار النفوذ.
وتعاون الجهاديون مع جماعات من الجيش السوري الحر المدعوم من الغرب، ما زال لها موطئ قدم في عدة بلدات بالمحافظة. ولا يزال جنوبي المنطقة في أيدي جماعات منافسة، منها أحرار الشام، لكن الجهاديين يحاولون توسيع سيطرتهم.
وقال راتني لجماعات المعارضة التي اضطرت للعمل مع الجهاديين بدافع من تحقيق منفعة أو الحفاظ على النفس، إن عليها أن تبتعد عن الجماعة قبل "فوات الأوان".
وأضاف أن واشنطن ستُعامل أيَّ تنظيم في محافظة إدلب يمثل واجهة للمتشددين، على أنه جزء من تنظيم القاعدة.
ونتيجة لتوسع نفوذ فرع القاعدة سابقاً، خرج مدنيون في احتجاجات في مختلف بلدات المحافظة، ودعا البعض إلى مغادرة الجماعة للبلدات، وعدم التدخل في إدارتها.
وقال المسؤول الأميركي، إن جبهة النصرة وقادتها سيظلون هدفاً لواشنطن، حتى إذا اتخذوا أسماء جديدة، في محاولة لحرمان واشنطن وغيرها من القوى من ذريعة مهاجمتهم.
وأثار اجتياح الجهاديين لمحافظة إدلب مخاوف من أن إغلاق بعض المعابر على الحدود مع تركيا يمكن أن يوقف تدفق المساعدات والسلع الأساسية. وقال راتني إن واشنطن لا تزال ملتزمة بتوصيل المساعدات عبر قنوات تتفادى سقوطها في أيدي المتشددين، مكرراً مخاوف عبَّرت عنها منظمات غير حكومية وهيئات معنية بتقديم المساعدات، بعد مكاسبهم في الآونة الأخيرة.
وأعيد فتح معبر باب الهوى، وهو المعبر الحدودي الرئيسي مع تركيا، واستؤنف دخول المساعدات والسلع للمحافظة، وهو ما خفَّف معاناة كثيرين. وهدَّد مقاتلو القاعدة بالسيطرة على المعبر.