السعوديّة؛ ثورة حُبلى بانقلابات ..”رُؤيّة” - مقالات
أحدث المقالات

السعوديّة؛ ثورة حُبلى بانقلابات ..”رُؤيّة”

السعوديّة؛ ثورة حُبلى بانقلابات ..”رُؤيّة”

يوسف تيلجي

   السعوديّة التي ثبتت لعشرات العقود، شريعة ومذهبًا وحُكمًا ونظامًا ومُجتمعًا قبليًا، وطريقة بيعة أولى الأمر، انتفضت فجأة بصيغة ثوريّة! الثورة بتدبير من الملك الحالي سلمان بن عبد العزيز، ودائرته الضيقة، بالرغم من مُعاناة الملك الصحيّة؛ فقد نقل موقع قناة العلم يوم الاثنين ٢١ مارس ٢٠١٦، أنّ الملك سلمان مُصاب بتلف خلايا دماغي لا شفاء منه، المرض هو «العته الوعائيّ» أو «الخرف »، الأمر بدأ في العام 2008، وكان –ومازال- أحد أكبر أسرار المملكة، جريًا على ما كانت عليه امراض من اعتلوا العرش قبله في شيخوختهم، مع فارق وحيد أن اسلاف الملك سلمان عانوا في أبدانهم (وليس في أدمغتهم) لكنهم تعايشوا مع أمراضهم، لكن الملك سلمان كسر تقليد العائلة المالكة بطُرُق مكشوفة وواضحة لدى القاصي والداني! وسأشير في هذا المقال إلى بعض الإضاءأت حول الوضع السعوديّ:

1. الثورة: بدأت بإقصاء الأمير مقرن بن عبد العزيز؛ أصغر أبناء الملك المُؤسِّس عبد العزيز بن سعود من ولاية العهد! في 29 أبريل 2015، واختيار الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز آل سعود وليًا للعهد، وتمّ تعيين نجل الملك، الأمير محمد بن سلمان وليا لولي العهد، وكان كلّ ذلك نوعًا من التلاعب من أجل اعتلاء الأمير محمد العرش، وكانت هذه العمليّة هي بواكير شرارة الثورة التي ظهرت ملامحها بالأفق، وكلّ مؤشراتها توحي بأنّ الملك القادم هو محمد بن سلمان الذي كان حينها لم يكمل عامه الثلاثين بعد! لقد انقلب الملك سلمان على هيئة البيعة (وهي هيئة سعودية تعنى باختيار الملك، ولي العهد، وولي ولي العهد، وتتكوّن من أبناء وأحفاد المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود، ولقد تأسّست الهيئة في 20 أكتوبر  2006 وكان يرأس الهيئة الأمير مشعل بن عبد العزيز آل سعود حتى وفاته في 3 مايو 2017، ولم يتم تعيين رئيس لها بديلاً عنه)، وذلك بزج الأمير المُدلّل في خِضم الأحداث بهدف القفز على سُدّة المُلك، بالرغم من وجود من هو أحق منه في اعتلاء العرش!                                                                                     

  2. الانقلاب الأوّل، هو نقل الأمير محمد بن سلمان من ”ولي لولي العهد” إلى ”ولي للعهد” بعد موافقة 31 من أصل 34 من أعضاء هيئة البيعة، وإقصاء الأمير محمد بن نايف من ولاية العهد، وهذا هو الإقصاء الثاني في كابينة ولاية العهد! كان ذلك في في 21 يونيو 2017 حين تمّ وضع الأمير محمد بن نايف تحت الإقامة الجبريّة. وللعلم فللأمير محمد بن نايف باع طويل بوزارة الداخليّة، وكان أبوه الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود أيضًا وزيرًا للداخليّة. لقد شغل نايف بن عبد العزيز منصب وزير الداخلية منذ 1975، وصار وليًا للعهد ونائب رئيس مجلس الوزراء منذ 27 أكتوبر 2011 حتى وفاته.

3. حُكم النساء، لماذا الأمير محمد بن سلمان بالتحديد؟! لماذا الأمير محمد بن سلمان وهو الابن السادس للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، أي أن هناك ستة أمراء أكثر رُشدًا منه؟ هل هناك دور للنساء، وما مدى تاثيرهن على الملك المريض؟ إنّ والدة الأمير محمد هي الأميرة فهدة بنت فلاح بن سلطان آل حثلين العجمي التي تملك التأثير الكبير على الملك المريض، وهذا انقلاب أخر داخل عائلة الملك سلمان بالتحديد، ولكنه انقلاب نسائي!                          

4. كان توقيف عدد من الأمراء و من مراكز القُوى في السعوديّة انقلاب آخر ، فقد أشار موقع النهار إلى ما يلي "في حملة غير مسبوقة لمكافحة الفساد في المملكة العربيّة السعوديّة، أوقفت السلطات أحد عشر أميراً وعشرات الوزراء الحاليّين والسابقين. ويُفترض أن تتيح هذه الحملة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان تعزيز سُلطته، وأفاد مصدر حُكوميّ أن بين الموقوفين الأمير الملياردير الوليد بن طلال، ووزير الحرس الوطنيّ الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز. ومن المحتجزين الآخرين وزير المال السابق إبراهيم العسّاف وهو عضو في مجلس إدارة شركة أرامكوالسعوديّة العملاقة للنفط، ووزير الاقتصاد السابق عادل فقيه الذي اضطلع في يوم ما بدور كبير في وضع مسوّدة إصلاحات الأمير محمد، والأمير السابق لمنطقة الرياض تُركي بن عبد الله، وخالد التويجري وغيره".                               

5. وأهم مؤشريْن في الانقلاب الأخير، هو أنّه انقلاب يلد انقلابًا آخر، حيث إنّه انقلاب سلطويّ لأنّه أزاح أكثر وأهم وأقوى المرشحين لكُرسي حكم المملكة وهو الأمير متعب وزير الحرس الوطني؛ ابن الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز، ومن ناحية ثانية، هو انقلاب مالي إذ استهدف إزاحة الأمير الوليد بن طلال وبن لادن ووليد الإبراهيم؛ مالك قنوات MBC، من أجل السيطرة على أموالهم!                                 

6. سعد الحريري، انقلاب آخر سياسيّ ماليّ. إنّ وجود الحريري بالسعوديّة، هو بمثابة حجز أو تقييد لحركته أو إقامة جبريّة (سمّه ما شئت!) فالرئيس سعد الحريري بالرغم من أنّه يحيط نفسه بالرجال، ولكن ما تزال خبرته محدودة وليست كخبرة الراحل والده! فقد أعلن استقالته وهو في السعوديّة – وهي استقالة غير معلّلة أو مُسبّبة دستوريًا! لأنّه خارج لبنان! ويقول الدكتور سعد الفقيه والمعارض السعودي: إن استقالة الرئيس، ترتبط بأسباب سياسيّة مُتعلّقة بإيران وحزب الله اللبنانيّ، ويُضيف: إنّ شركة ”سعودي أوجيه” المملوكة للحريري، والتي مركز أعمالها السعوديّة تمر بأزمة ماليّة حادّة، والأمير سلمان يُخطّط للاستيلاء عليها، وحتى رواتب العاملين لم تُدفع! ومن ناحية أخرى، دخلت فرنسا على خط الأزمة، حيث أعلن موقع بي بي سي أن الرئيس الفرنسي وجّه دعوة إلى الحريري وأسرته للقُدوم إلى فرنسا، بعد محادثات هاتفيّة أجراها مع الحريري وولي عهد السعوديّة محمد بن سلمان وقال ماكرون، في تصريحات أدلى بها في ألمانيا، إنّ الدعوة لعِدّة أيام وليس لعرض لجوء سياسيّ للحريري، وأرى أنّه لو كانت الأمور أعتياديّة لما تدخّل الرئيس الفرنسي ماكرون في الأزمة.                                                                            

7. والأمير محمد بخبرته المحدودة، يجعل أمر حجز أو إطلاق سراح الأمراء ورجال الأعمال مرتبطًا بالمال، وأرى في هذا فضيحة أخلاقيّة، فالأمير محمد إمّا أنّه يسير بخُطى قانونيّة ويترك أمر المحتجزين للقضاء، أو أن يتصرّف كملك، ولكنه اتبع الخيار الثاني، فقد جاء في صحيفة ”ذا فايننشال تايمز”البريطانيّة أن السلطات السعوديّة تفاوض أمراء ورجال أعمال، تحتجزهم في فندق ”ريتز كارلتون” بالرياض للاشتباه بتورّطهم في قضايا فساد، لإطلاق سراحهم مُقابل التنازل عن حصص كبيرة من ثرواتهم.. وتقول المصادر إنّ السلطات في بعض الحالات تريد الحصول على 70 في المئة من ثروة المشتبه بهم، مضيفة أن مبلغ التسويّة الإجمالي قد يصل إلى 300 مليار دولار، وهو يفوق المئة مليار دولار الذي أعلن النائب العام السعوديّ اختلاسها في صفقات ماليّة . إذن فالقضيّة هي قضيّة السيطرة على رؤوس أموال شركات المحتجزين إضافة الى القضاء عليهم سياسيًا!  

8. في الأفق: من الممكن في المستقبل القريب أن يكون هناك بوادر لاعتلاء الأمير محمد بن سلمان للعرش بعد تنازل الملك سلمان عن الملك لمرضه، فقد جاء في موقع https://arabic.sputniknews.com "علّق مصدر سعودي رفيع المستوى على الأنباء التي أكدّت احتمال تنحي الملك سلمان بن عبد العزيز، لصالح ابنه، محمد بن سلمان، نافياً أن يكون ولي العهد قد تآمر لعزل محمد بن نايف، وذلك تعليقاً على تقرير نشرته صحيفة ”نيويورك تايمز”الأمريكيّة" وهذا احتمال وارد وذلك حتى ينهي الملك سلمان بيعة نجله كملك في حياته!

9. أما زيارة البطريرك بطرس الراعي للسعوديّة فهي حدث كبير، فقد جاء في موقع فرانس 24 في 14/11/2017 "وصل البطريرك الماروني اللبنانيّ بشارة بطرس الراعي الاثنين إلى السعوديّة في زيارة تاريخيّة، يلتقي خلالها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد، بالإضافة إلى رئيس الوزراء اللبنانيّ المُستقيل سعد الحريري. وتأتي الزيارة وسط توتر سياسيّ بين الرياض وبيروت بعد إعلان الحريري استقالته من السعوديّة في الرابع من تشرين الثاني نوفمبر الجاري". نعم إنّه تحوّل كبير، ولكن العالم يريد تحقيق حدث على أرض الواقع، كتأسيس كنائس بالسعوديّة مع ضمان حريّة دينيّة مثلًا، لأنّه قد حدث أمر مشابه في الماضي ولم يثمر عن أي شي لصالح الحريّات الدينيّة الحقيقيّة! كان ذلك عندما زار الملك عبد الله بابا روما لأوّل مرّة في تاريخ العلاقات بين رئيس الكنيسة الكاثوليكيّة والسعوديّة في الثلاثاء 6-11-2007 حين زار  الفاتيكان العاهلُ السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي وصل إلى روما في إطار جولة أوروبيّة. في هذا الشان بالتحديد أرى أن العلاقات الدوليّة ليست عروضًا وإنما أفعال تتم على أرض الواقع!

رؤية

  أرى أن الدول المساندة للثورة في السعوديّة، من أجل ولادة مملكة جديدة بمواصفات حداثويّة ليست موفّقة في تقديراتها بالرغم مما يحصل! لقد أخذ البعض يساندون الأمير محمد إعلاميًا من أجل اعتلائه العرش، وذلك من أجل تسيير المصالح الاقتصاديّة والماليّة الخاصّة لهذه الدول! ففي مصر، على سبيل المثال وليس الحصر، قال السفير سيد أبوزيد، مساعد وزير الخارجيّة الأسبق وسفير مصر لدى المملكة سابقاً، "إن تعيين الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد في السعوديّة جاء كخطوة مُتوقّعة لما شهدته السياسة السعوديّة من تطوّرات خلال الفترة الماضيّة اتّسمت بتولي «بن سلمان» لمسؤوليات وأدوار مهمّة على المستويات الاقتصاديّة والعسكريّة والسياسيّة، مؤكداً في حواره لـ «الوطن» أن القرار تمّ بالتشاور والتوافق بين أعضاء الأسرة الحاكمة السعوديّة، التي وصفها بأنّها متماسكة للغاي"(نقل من موقع - الوطن). إنّي أرى أن عدم الشفافيّة في نقل الحقائق سيجعل من الملك القادم والمملكة ونظامه ريشة في مهب الريح، في حالة لو تحقّق حلمه في كرسي العرش! فالوضع السعوديّ المستقبليّ معقدٌ جدًا، ووددت أن أسرد ما يلي من مؤشرات، لكي تتّضح صُورة ما ستؤول إليه النتائج:

أولاً: إنّ ما يتمتع به الأمير محمد بن سلمان من خبرة ودراية وحنكة وحكمة وعلاقات وسياسات ضعيف ومتواضع، ولا يمكن ان يُقاس أو أن يقارن بمن تناطح معهم، كالأمراء - متعب بن عبد العزيز وزير الحرس الوطني، الأمير محمد بن نايف ولي العهد السابق ووزير الداخليّة الأسبق، والأمير الوليد بن طلال رجل الأعمال والذي يتمتّع بشبكة واسعة من العلاقات سعوديًا وعربيًا ودوليًا، والأمر ينطبق على العشرات من المحتجزين، نعم السلطة تتمركز الآن معظمها بيده، ولكن هذا الحال ليس بدائم! وكل المحتجزين لديهم أشقاء وأولاد عُمومة من الأمراء، ولديهم صلات مع مراكز القُوى التي ما زالت فاعلة بالمملكة وهناك قبائل تُؤيدهم، ويملكون علاقات اقليميّة وعربيّة ودوليّة، فكيف سيتصرّف الأمير مع كل هذه المعطيات؟!

ثانيًا: إنّ الدائرة الضيقة للملك سلمان بن عبد العزيز المريض والمتعب، و هي اليوم مع الأمير محمد، لا نعلم ما الذي يمكن أن يجدث منها بعد رحيل الملك، أتبقى مع الأمير الابن، أم ستغيّر ولائها إلى الشخص الأقوى، حسب تغيّر الظروف وتبدّل تطلعات مراكز القوى!

ثالثًا: هل يبقى الحرس الوطني، الذي بقى ضمن دائرة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، ومن ثم ابنه الأمير متعب، منذ 1960 وإلى الآن، هل يبقى الحرس الوطني كقُوّة، صامتة دون أي رد فعل تجاه ما يحل بقائد الحرس؛ الفريق أول الركن الأمير متعب ابن المُؤسسة العسكريّة، ونجل الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز  القائد المخضرم الأسبق للحرس؟! هل سيتحرّك الحرس، أم سينتظر ظرفًا مُعيّنًا؟! علما بأنّ جُل أفراد الحرس هم من أبناء القبائل! هذا مُجرّد تساؤل!

هناك بعض الاحتمالات:

الاحتمال الأول أن يحدث انقلاب ملكي وعسكري يمنع أو يحجب اعتلاء الأمير محمد بن سلمان للعرش قبل تنازل أو وفاة الملك الحالي سلمان بن عبد العزيز.

الاحتمال الثاني أن يعتلي الأمير محمد العرش ملكا على المملكة العربيّة السعوديّة، ثم يزاح بعد تنصيبه مبايعته، بحركة تمرُّد من الحرس والقبائل. بل من المُمكن حتى من العائلة المالكة خاصة في حالة وفاة الملك سلمان قبل التنصيب الفعلي!

الاحتمال الثالث أن تنتفض ”هيئة البيعة”، تصحيحًا وتقويمًا لوضع مبايعة الملك في المملكة حقنًا للدماء!

   وإضافة إلى كل ما سبق من مؤشرات ومُعطيات وخيارات واحتمالات وتغيير في مراكز القوى، وتأثير دوائر وعوائل المتضررين من الأمراء والوزراء ورجال السلطة والأعمال يبقى السؤال: كيف سيقود فيما بعد، ابن الثلاثينات الأمير محمد الذي يرأس أغلب مفاصل الدولة المركزيّة بما فيها حرب اليمن؟!، كيف سيحمل الأمير الابن هذه التركة الحبلى بالانقلابات؟!

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*