بقلم دانيال بايبس
نوفمبر 2018
http://www.danielpipes.org/18545/europe-civilizationist-parties
هل أوروبا في طريقها للعودة لأهوال الثلاثينات؟ في إطار تقييم معهود لوقتنا هذا، كتب ماكس هوليران في مجلة "نيو ريبابليك": "في السنوات العشر الماضية، قامت الحركات السياسية اليمينية الجديدة بالجمع بين ائتلافات النازيين الجدد والتيار السائد للمحافظين الذين يؤمنون باقتصاديات السوق الحر، مما أدى إلى تطبيع إيديولوجيات سياسية كانت في الماضي تستدعي، وعن حق، الشعور بالذعر". وهو يرى إن هذا الاتجاه يخلق طفرة في "الشعبوية المعادية للأجانب". وتتفق معه كاتي أودونيل في مقالها بمجلة "بوليتيكو": "إن الأحزاب القومية لديها الآن موطئ قدم في كل مكان من إيطاليا إلى فنلندا، مما يثير المخاوف من أن القارة تتراجع نحو نوع السياسات التي أدت إلى كارثة في النصف الأول من القرن العشرين". ويشعر القادة اليهود مثل مناحيم مارغولين، رئيس الرابطة اليهودية الأوروبية ، "بتهديد حقيقي من جانب الحركات الشعبوية في جميع أنحاء أوروبا".
إن ألمانيا والنمسا، مسقط رأس الاشتراكية القومية، تثيران القلق بشكل خاص، خاصة بعد الانتخابات في عام 2017، عندما حصل حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) على نسبة 13٪ من الأصوات وحزب الحرية النمساوي (FPÖ) على نسبة 26٪. يقول فيليكس كلاين، مفوض ألمانيا لمكافحة معاداة السامية، إن حزب AfD "يساعد على إضفاء شكل مقبول مرة أخرى على معاداة السامية ". وقد دفع أوسكار دويتش، رئيس الجاليات اليهودية في النمسا، بأن حزب الحرية النمساوي "لم ينأى بنفسه أبداً" عن ماضيه النازي.
هل هذا صحيح؟ أم هل يعكس هذا التمرد استجابة صحية من الأوروبيين سعيا لحماية أسلوب حياتهم من الهجرة المفتوحة والأسلمة؟

بطاقة بريدية تاريخية لمدينة هانين بومونت في فرنسا
بادئ ذي بدء، ماذا نسمي الظاهرة قيد المناقشة؟ في المعتاد يتم وصف الأحزاب المعنية بأنها تنتمي إلى اليمين المتطرف ولكن هذا الوصف غير دقيق، حيث أنها تطرح مزيجا من السياسات اليمينية (تركز على الثقافة) والسياسات اليسارية (تركز على الاقتصاد). على سبيل المثال، يجذب التجمع الوطني في فرنسا الدعم اليساري من خلال الدعوة إلى تأميم البنوك في أنحاء الوطن. في الواقع، يشكل الشيوعيون السابقون عنصرًا أساسيًا لهذا الدعم؛ إن مدينة هينان بومونت، التي أصبحت الآن من بين أكثر المدن المؤيدة لحزب التجمع الوطني في فرنسا، كانت سابقا من ضمن أكثر المدن تأييدا للشيوعية.
يدعي تشارلز هولي الكاتب بمجلة "دير شبيجل" الألمانية أن "كل هذه الأحزاب هي، في جوهرها، قومية"، لكن هذا غير صحيح تاريخياً. هم وطنيون وليسوا قوميين، دفاعيون وليسوا عدوانيين. فهم يشجعون بحماس فرق كرة القدم، وليس الانتصارات العسكرية. كما يعتزون بالعادات الإنجليزية، وليس بالإمبراطورية البريطانية. ويحبون لباس البحر البيكيني، وليس السلالات الألمانية. لا يتوقون للإمبراطوريات ولا يدعون التفوق الوطني. إن القومية تتعلق بشكل كلاسيكي بالسلطة والثروة والمجد، بينما هم يركزون على الأعراف والتقاليد والثقافة. على الرغم من وصفها بالفاشية الجديدة أو النازية الجديدة، إلا أن هذه الأحزاب تولي أهمية للحرية الشخصية والثقافة التقليدية. فالمفاهيم مثل "شعب واحد، أمة واحدة، قائد واحد" لا تجذبهم بشكل كبير.
)، فهم يركزون على أولويتهم الثقافية، لأنهم يشعرون بالإحباط الشديد وهم يشاهدون طريقة حياتهم تندثر. إنهم يعتزون بالثقافة التقليدية لأوروبا والغرب ويريدون الدفاع عنها ضد الاعتداء الذي يحدث من قبل المهاجرين بمساعدة اليسار. (إن مصطلح "الحضارية/الحضاريين" له فائدة إضافية تتمثل في استبعاد الأحزاب التي تبغض الحضارة الغربية، مثل حزب الفجر الذهبي باليونان وهو من أحزاب النازية الجديدة).

السيدة التي وبختها انجيلا ميركل، وقيل لها أنه ينبغي عليها الذهاب إلى الكنيسة بشكل أكبر
الأحزاب الحضارية هي أحزاب شعبوية، مناهضة للهجرة، ومعادية للأسلمة. ومعني "شعبوي" ان لديهم شكاوي وتظلمات ضد النظام وشكوك تجاه النخبة التي تتجاهل أو تقلل من تلك المخاوف. وهذه هي ما يطلق عليها بالإنجليزية 6Ps (أي ستة أشياء تبدأ بحرف P): الشرطة والسياسيين والصحافة والكهنة والأساتذة والمدعين العامين. في ذروة موجات الهجرة المهولة في عام 2015، أجابت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن سؤال إحدى الناخبات التي ابدت انزعاجا من الهجرة غير الخاضعة للرقابة بالتوبيخ المعهود بشأن أخطاء أوروبا ونصحتها باستعلاء بالذهاب إلى الكنيسة بمعدل أكبر. أعلن ديمتريس افراموبولس، المفوض الأوروبي للهجرة، بشكل قاطع أن أوروبا "لا يمكنها ولن تكون قادرة على وقف الهجرة" ثم بدأ يعظ زملائه المواطنين: "من السذاجة الاعتقاد
بأن مجتمعاتنا ستبقى متجانسة وخالية من الهجرة إذا قمنا بإنشاء أسوار ... نحن جميعا بحاجة إلى أن نكون مستعدين لقبول الهجرة والتنقل والتنوع باعتبارها العرف الجديد السائد". كما دعا رئيس الوزراء السويدي السابق فريدريك راينفيلدت إلى استقبال المزيد من المهاجرين: " أطير فوق الريف السويدي في كثير من الأحيان، وأنصح الآخرين بالقيام بذلك. هناك حقول وغابات لا نهاية لها. هناك مساحة أكبر مما قد تتخيل".

السويد بها مساحات شاسعة! دع العالم كله يهاجر.
ويجدر الإشارة إلى أن هولاء الثلاثة هم من المحافظين أو ما تعتبره أوروبا محافظين. آخرون، مثل نيكولا ساركوزي في فرنسا وديفيد كاميرون في بريطانيا العظمى، كانوا يتكلمون بشكل حاسم لكنهم كانوا يحكمون بشكل رخو. إن استهتارهم بالمشاعر المناهضة للهجرة خلق فرصة للأحزاب الحضارية عبر معظم أنحاء أوروبا، من حزب FPÖ الموقر (الذي تأسس عام 1956) إلى حزب المنتدى الجديد للديمقراطية بهولندا (تأسس في عام 2016)، فهي تملأ فجوة انتخابية ومجتمعية.
إن الأحزاب الحضارية، بقيادة عصبة إيطاليا، تعادي الهجرة، وتسعى إلى السيطرة على والحد من أوحتى عكس اتجاه الهجرة في العقود الأخيرة، خاصة من بين المسلمين والأفارقة. إن التركيز على هاتين المجموعتين ليس بسبب التحامل ("الخوف من الإسلام/الإسلاموفوبيا" أو العنصرية)، ولكن نظرًا لأنهما الأقل اندماجا، مع وجود مجموعة من المشكلات المتعلقة بهما، مثل عدم العمل والنشاط الإجرامي، والخوف من قيامهم بفرض طرقهم على أوروبا.
أخيراً، هذه الأحزاب معادية للأسلمة. إذ يتعلم الأوروبيون عن الشريعة الإسلامية، يركزون بشكل متزايد على دورها فيما يتعلق بقضايا المرأة، مثل النقاب والبرقع، وتعدد الزوجات، والتحرش (الاعتداء الجنسي) ، والقتل بدافع الشرف، وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث. كما توجد مخاوف أخرى تتعلق بموقف المسلمين تجاه غير المسلمين، بما في ذلك معاداة اليهود والمسيحيين، والعنف الجهادي، والإصرار على أن الإسلام يجب أن يتمتع بمكانة متميزة مقابل الأديان الأخرى.
ويُجدر الإشارة إلى أن المسلمين يشكلون غشاءًا جغرافيًا حول أوروبا، من السنغال إلى المغرب إلى مصر إلى تركيا إلى الشيشان، مما يسمح لأعداد كبيرة من المهاجرين المحتملين بدخول القارة بسهولة نسبية وبشكل غير قانوني عن طريق البر أو البحر. فهناك 75 كيلومتراً من ألبانيا إلى إيطاليا ، 60 كيلومتراً ما بين تونس و(جزيرة بانتيليريا الصغيرة) في إيطاليا، 14 كيلومتراً عبر مضيق جبل طارق من المغرب إلى اسبانيا، 1.6 كيلومترا من الأناضول إلى جزيرة ساموس اليونانية، أقل من 100 متر عبر نهر إفروس ما بين تركيا واليونان، وتفصل 10 أمتار ما بين المغرب والجيبين الإسبانيين سبتة ومليلية.
