بهجت قرنى
إنه قد يدعم في الخيال الشعبي الأميركي والغربي عموماً صورة المسلم بوصفه «الآخر» الذي يشكل تهديداً، فلماذا تغيب مؤسساتنا العربية والإسلامية عن بيان الخطر ومحاولة تعديل الصورة؟
بعد محاولتين متتاليتين، نجح ترامب في الحصول من المحكمة العليا على الغطاء القانوني لقراره بحظر دخول الولايات المتحدة على رعايا ست دول إسلامية هي: السودان، الصومال، ليبيا، سوريا، اليمن، وإيران.
ورغم أن الحظر يبدو ظاهرياً مرتبطاً بهذه الدول، وحتى مع المرونة في تطبيقه، إذ سمحت المحكمة بالحصول على تأشيرة الدخول لذوي القرابة «والنية الحسنة»، أو مرتبطاً بما يبدو أسباباً منطقية.. فإن الحظر في حقيقته شبه قائم. لأن موظف السفارة الذي يقوم بتقييم الموقف وأسانيده لإعطاء التأشيرة سيكون محافظاً للغاية في تفسير أحقية التأشيرة من عدمها، ولن يُخاطر بالمرة لأن من صالحه الرفض أكثر من الاستجابة، خاصة إذا كان هذا الموظف مثقلاً بأعباء عدد طلبات التأشيرة وتحديات تفسير أسانيد كل طلب. من الأسهل إذن على الموظف أن «يُريِّح دماغه»، خاصة أن القرار في نصه الثالث يُساعده على التشدد أكثر من المرونة في التطبيق. مثلاً تبدو المرونة في السماح للأقارب من درجات مختلفة (الأب، الأم، الأخ، الأخت..)، ولكنه يستثني صراحة زيارة الأحفاد من جانب الجد أو الجدة! وهو موقف جعل العديد من الأميركيين- وكثير منهم من غير المسلمين ولا يتأثرون شخصياً بالقرار- يعترضون عليه.
لماذا وافقت هيئة قضائية محترمة -مثل المحكمة العليا- على هذا القرار التنفيذي؟
هناك سببان رئيسيان:
- الهيئات القضائية عادة محافظة في سلوكها، خاصة إذا كان عدد الأعضاء المعروفين بمحافظتهم قد ازداد بعد وصول ترامب إلى الحكم. تصور مثلاً مصير هذا القرار لو كان أوباما وفريقه في الحكم، فقد يكون من الصعب أن يبعث البيت الأبيض بمثل هذا القرار إلى المحكمة العليا أصلاً.
- قرار ترامب الرئاسي ربط بين دخول بعض المسلمين من طالبي اللجوء وبين الحفاظ على «الأمن القومي الأميركي». وكما نعرف فإن مصطلح «الأمن القومي» تعبير واسع ومطاط في تطبيقه، وله تأثير عاطفي كبير، فلا أحد تقريباً في أية دولة من العالم يقبل أن يُعرّض وطنه لخطر أمني. والواقع أن المحكمة الدستورية العليا اعترفت بأن محاذير تطبيق الحظر قد تكون كثيرة، لكن مخاطر عدم تطبيقه على الأمن القومي الأميركي قد تكون أكثر بكثير، وهي هنا تشير إلى ارتباط قرار الحظر بدخول اللاجئين، ومع أن الكثير من اللاجئين يأتي من الدول الأفريقية جنوب الصحراء، التي لا تكون بالضرورة مسلمة، فإن الربط بين اللاجئين والمسلمين سيجد من الآن فصاعداً مقبولية عند دول أخرى تعاني من تدفق اللاجئين، مثل الدول الأوروبية، وهكذا يربط قرار ترامب «الخطر الإسلامي» بخطرين على الأمن القومي الغربي: غزو اللاجئين، وجرثومة الإرهاب، وكلا الأمرين يصعب تقليل خطره.
صورة المسلمين، كما أراها هنا في معظم مناطق أميركا الشمالية، في تدهور مستمر، خاصة بين محدودي التعليم، فهؤلاء لا يميزون بين «الدول ذات الغالبية المسلمة» والمسلمين ككل. النظرة إلى المسلمين -خاصة الشباب منهم- هي أنهم «الآخر» الذي ينبغي الاحتراس منه.
ألا يجدر بمؤسساتنا العربية في هذه الحالة، لا سيما منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية، أن تخطط لورش عمل توضح الصورة؟ وهل هي قادرة على ترويج نموذج مختلف لا يربط بين «الخطر على الأمن القومي الغربي» والمسلمين ككل؟ وما الذي يمنعها من التأكيد على سلوك الدول فقط وسياستها وليس ديانة مواطنيها؟ ولماذا لا تلفت النظر إلى مخاطر التعميم على المسلمين، خاصة من رعايا الدول الغربية الذين ينبغي دعمهم لا إثارة الشكوك حول ولائهم؟