ينطلق الكاتب الفرنسي فرانسوا برنار ويغ في كتابه الصادر في النصف الثاني من شهر مايو المنصرم تحت عنوان: «داعش: كشف سلاح التواصل»، لفضح بنية وآليات دعاية وتضليل وتغرير تنظيم «داعش»، وما يمكن اعتباره استراتيجية التنظيم الإرهابي الاتصالية وطريقته في استغلال منصات الإعلام، خاصة مواقع التواصل الاجتماعي وصور ما يسمى الإعلام الجديد، لبيع سراب دعاواه ودعايته لبعض السذج والقاصرين، خاصة من أبناء الجاليات المهاجرة في المجتمعات الغربية، وذلك من خلال تقديم رؤية متطرفة منحرفة لمجمل مفاهيم الدين والمجتمع والحياة وعلاقة الإنسان بنفسه وبالمجتمع وبالآخر المختلف دينياً وثقافياً. ولعل مما يزيد من قيمة هذا الكتاب طبيعية الزاوية التخصصية التي يحلل منها أبعاد ويفكك أوهام دعاية «داعش»، خاصة أن مؤلفه أكاديمي متخصص في تدريس علوم الاتصال والإعلام بالسوربون، كما أنه أيضاً باحث متابع لشؤون العنف والتطرف والإرهاب، في المركز الوطني للبحث العلمي الفرنسي، كما سبق له إصدار عدد من الكتب المهمة في هذا المجال، من ضمنها كتب عدة عن تحليل محتوى دعاية «داعش»، وغيره من التنظيمات الإرهابية، خاصة منها الدعاية الصادرة باللغة الفرنسية تحديداً. ولذا فهو يصدر في هذا الكتاب الجديد عن خبرة وتجربة، حيث يستكمل فيه منجزاً ممتداً من العمل البحثي والمقاربة النظرية والمنهجية.
وينطلق مؤلف الكتاب ابتداءً من رصد الخطوط العريضة لدعاية «داعش» ودعاواه، من خلال الرواية التي يحاول إقناع أتباعه بها ليس فقط للواقع المعاصر وإنما حتى للتاريخ القديم الممتد عبر القرون السابقة، حيث يحاول إقناع عناصره بأن كل فهم المجتمعات المسلمة الراهنة والسابقة للدين فهم غير صحيح! وأن التأويل المتطرف المنحرف الذي يروجه التنظيم هو، للمفارقة، الدين الصحيح. ولتسويق وتسويغ هذه الرؤية المقلوبة للدين يستهدف عناصر «داعش» الشرائح الأقل وعياً والأكثر هشاشة ثقافياً ودينياً وحتى عقلياً، ولذلك يركزون بصفة خاصة على الشبان القاصرين ذوي المعرفة المحدودة للغاية بمبادئ الأحكام الدينية، محاولين إقناعهم بأن في استطاعة التنظيم تقديم إجابات على أسئلتهم الوجودية، ومشكلاتهم الشخصية، وحتى المعيشية. وأول ما تشتغل عليه دعاية التنظيم هي السعي لعزل ضحاياه المغرر بهم عن بقية المجتمع، وحتى عن أفراد أسرهم، وإقناعهم بأن المجتمعات المسلمة ليست كذلك بالفعل، ومن باب أولى المجتمعات غير المسلمة التي يعيش فيها كنفها أبناء الجاليات المسلمة المقيمة في أوروبا وأميركا الشمالية. وبخليط معقد من التشويه لحقائق المجتمع العادي وسويته الطبيعية، مع التمويه على أغراض التنظيم الدموية وممارساته البشعة العبثية، يتم تزييف وعي الشباب المغرر بهم، ويتعرضون لعملية غسيل دماغ تفقدهم الحد الأدنى من القدرة على الفهم والحكم السليم على مختلف أمور الدين والمجتمع والحياة.
وبطبيعة الحال فبحكم نوعية هذا الجمهور القاصر المستهدف الإيقاع والتغرير به من قبل «داعش» يركز مروجو أفكار التنظيم استراتيجيتهم الإعلامية، والإعلانية، على مواقع التواصل الاجتماعي بصفة خاصة، وذلك لاتساع وارتفاع نسب استخدامها بين الشباب، ولكونهم أيضاً في الغالب يبحرون على صفحاتها منفردين، وفي حالة انكشاف، مما يجعلهم غير محصنين فكرياً في كثير من الأحيان. ولأن هذه المواقع أيضاً تتيح فرص التواصل مع الفرد المستهدف. وقد ثبت أن كثيراً من الشباب الفرنسيين والأوروبيين المسلمين الذين غرر بهم مروجو أفكار «داعش» قد تم استقطابهم بشكل خاص من خلال مواقع التواصل الاجتماعي هذه، أو من خلال منصات رقمية أخرى مشابهة في عالم الإنترنت.
وفي هذا السياق، اعتبر الكاتب أن استراتيجية «داعش» الدعائية تمثل نوعاً من الاستمرار لطريقة تنظيم «القاعدة»، سلفه في الإرهاب الدولي، الذي عرف عنه اهتمام شديد بتوظيف المنظومة الإعلامية التقليدية، والرقمية على حد سواء. كما نشط أيضاً مثله في ترويج دعايته المنحرفة عن بُعد على الشبكة العنكبوتية، خاصة بعد الضربة الساحقة التي تعرض لها تنظيم «القاعدة» في أفغانستان وطيلة السنوات اللاحقة من الحرب الدولية على الإرهاب. كما يمثل «داعش» أيضاً تجاوزاً في الجنون والعنف والتطرف ليس لـ«القاعدة» فقط، ووريثتها «جبهة النصرة»، وإنما أيضاً لكل مجموعات الإرهاب والعنف الطليق الأخرى التي عرفت حتى الآن، وذلك لشدة شناعة وبشاعة ممارسات «داعش» الدموية وجرائمه الإرهابية بحق سكان المناطق التي انتشر فيها، بل بحق الإنسانية جمعاء.
حسن ولد المختار
الكتاب: داعش: كشف سلاح التواصل
المؤلف: فرانسوا برنار ويغ
الناشر: فا بريس
تاريخ النشر: 2017