هل تتوقف بريطانيا عن تأمين مأوى للمتطرفين؟ - مقالات
أحدث المقالات

هل تتوقف بريطانيا عن تأمين مأوى للمتطرفين؟

هل تتوقف بريطانيا عن تأمين مأوى للمتطرفين؟

محمد يسري

أعاد الاعتداء الذي استهدف قاعة احتفالات مانشستر أرينا، في مدينة مانشستر البريطانية، وأسفر عن مقتل 22 شخصاً وإصابة نحو 60 آخرين، العديد من المخاوف من احتمال تزايد الهجمات الإرهابية المستقبلية في أوروبا عموماً، وفي إنجلترا على وجه التحديد.

كما أنه استدعى الكثير من الأسئلة المتعلقة بسياسات الحكومات الإنجليزية تجاه التنظيمات الإسلامية.

فقد احتضنت تلك الحكومات منذ أمد طويل تشكيلات متنوعة من الإسلاميين المعتدلين والوسطيين والمتطرفين، ووفّرت مأوى آمناً لبعض رموز التيارات الإسلامية المرفوضة في بلادها الأصلية، ما تسبب في ظهور جيل جديد من المسلمين الإنجليز الذين يعتنقون الأفكار المتشددة وينتهجون نهجاً راديكالياً عنيفاً.

الحكومات الإنجليزية والإسلاميون

العلاقة بين إنجلترا وجماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، بدأت منذ فترة مبكرة جداً.

فبحسب العديد من الوثائق التي يعتمد عليها الكاتب والمؤرخ البريطاني مارك كورتيس في كتابه المهم "التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين"، جرى أول تواصل بين المسؤولين البريطانيين والإخوان المسلمين عام 1941، عندما تيقنت الاستخبارات البريطانية من قوة الجماعة، وقدرتها على إثارة المتاعب لها والوقوف في وجهها في مصر.

ولهذا، انتظر الإنجليز الإفراج عن مرشد الجماعة حسن البنا، ثم اتصلوا به، في محاولة لإيجاد قنوات تفاهم مشتركة.

ومن الملاحظ ان إنجلترا، عبر تاريخها، عملت على تكوين علاقات وثيقة مع مختلف الجماعات الإسلامية.

ومما يؤكد ذلك أن هناك عدداً من الإشارات التي وردت من جانب بعض المسؤولين البريطانيين تؤكد تلك الظنون، ومن ذلك ما تم كشفه في مذكرة صادرة عن مجلس العموم البريطاني في سبتمبر 2009.

اعترف مسؤولون كبار للحكومة والاستخبارات البريطانية حينها بالإشراف على تأسيس جماعة المهاجرين عام 1996 وتوجيهها عن طريق جهاز الاستخبارات البريطانية الخارجية لإرسال مجاهدين بريطانيين إلى كوسوفو، بالتزامن مع المساعدات العسكرية الأمريكية والبريطانية التي كانت ترسل إلى ألبان كوسوفو.

والحقيقة أن بريطانيا كثيراً ما وفّرت ملاجئ ومعاقل لعدد من رموز الإسلام السياسي، ولعل أبرزهم الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية، الذي عاش على الأراضي الإنكليزية منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي حتى عودته إلى وطنه مرة أخرى بعد ثورة 2011.

ومن أبرزهم أيضاً المصري هاني السباعي الذي يرتبط بعلاقات وثيقة بكل من تنظيمي الجهاد والقاعدة، ووصل إلى إنكلترا هارباً من بلاده عام 1994، ويعتبر واحداً من أهم قادة السلفية الجهادية الموجودين في بريطانيا، وهو يشغل الآن منصب مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية في لندن، ويواصل عن طريقه نشاطاته الدعوية الجهادية الطابع.

وتنتشر في إنكلترا الكثير من المنظمات والجمعيات الوثيقة الصلة بجماعات الإسلام السياسي، وعلى رأس تلك المنظمات، تأتي تلك الخاضعة لنفوذ جماعة الإخوان المسلمين.

ويذكر إدريس بو سكين في كتابه "أوروبا والهجرة" اتحاد المنظمات الطلابية الإسلامية الذي يُعدّ مظلة للمنظمات التابعة للإخوان في بريطانيا وتأسس عام 1962 بواسطة مجموعة من الناشطين، أغلبهم منتمون للإخوان، وأيضاً منظمة الإغاثة الإسلامية عبر العالم، وهي منظمة خيرية تابعة للإخوان ولها فروع في جميع أنحاء العالم وتأسست عام 1984 في برمنغهام، وكذلك الرابطة الإسلامية في بريطانيا MAB التي تأسست عام 1997.

المنظمات المتطرفة في إنكلترا

وتوجد في إنكلترا أيضاً توجهات راديكالية. ولا يقتصر هذا الوجود على المنظمات المؤسسة من قبل المهاجرين القادمين من الدول الإسلامية، بل نجد أن الكثير من القيادات الإسلامية الإنكليزية التي ظهرت في السنين الأخيرة، قد استطاعت تأسيس عدد من المنظمات المتطرفة، والتي يشكل الإنكليز المسلمون أغلبية أعضائها.

من ذلك ما قام به الداعية الإنكليزي الجنسية، الباكستاني الأصل والمولود عام 1967 في بريطانيا، أنجم تشودري، حين اتصل بالداعية عمر بكري محمد فستق، واستطاعا معاً تشكيل جماعة المهاجرين في بريطانيا، وهو التنظيم الذي يُعتقد أن له صلة بعشرات المشتبه بهم في أعمال إرهابية، وصدر عام 2010 قرار بحظره بموجب قوانين مكافحة الإرهاب.

ورغم الحظر، فإن تشودري استمر في نشاطاته الدعوية المخالفة للقانون، ووجهت له اتهامات عام 2014، بقيامه بالدعوة للانضمام إلى تنظيم داعش، وبالتحريض على العنف، وتجنيد العديد من الشباب للالتحلق بداعش.

مظاهر التطرف الإسلامي في إنكلترا

بحسب العديد من التقارير، وصل عدد المسلمين في بريطانيا إلى ما يزيد عن الثلاثة ملايين، ما يمثل نسبة 5.4% من تعداد سكان البلاد.

ورغم تلك الزيادة المطردة في أعداد المسلمين، فإن هناك مشكلة كبيرة تكمن في عدم قدرة جزء كبير منهم على الاندماج والانصهار في المجتمع الإنكليزي، ما أدى إلى حدوث حالة من الانعزال والتقوقع، فصارت هناك أحياء معينة يفضل معظم المسلمين السكن فيها داخل بعض المدن الإنكليزية، وتأتي مدينة برمنغهام على رأسها.

برمنغهام التي يمثل المسلمون 22% من سكانها، صارت تشهد العديد من الأنشطة الإسلامية المميزة. فعلى سبيل المثال، قام عام 2015 أكثر من 20 ألف مسلم بتأدية صلاة عيد الفطر في حديقة المدينة، في مشهد لم تعتده المدن الإنكليزية بتلك الكثافة من قبل.

كما أن المدينة شهدت إقامة المركز السلفي الذي يحتوي على مسجد كبير ومبنى مُلحق لتدريس العلوم الإسلامية وفق المناهج السلفية الأصولية، ويحاضر فيه نخبة من الشيوخ السلفيين.

هذه الأنشطة امتدت لتدخل حيز السياسة أيضاً، فقد نظم المئات من المسلمين المنضمين إلى الجماعات الإسلامية مراراً تظاهرات في لندن وبرمنغهام، وطالبوا خلالها بتطبيق الشريعة الإسلامية في بريطانيا، ومنع الدعارة والخمور والقمار.

تلك التظاهرات تطورت في الكثير من الأحيان، فأدت إلى وقوع بعض الصدامات والاحتكاكات بين بعض الإسلاميين والشرطة البريطانية.

ولا يزال ماثلاً في الأذهان مشهد إقدام شخصين من أصول نيجيرية، تحولا إلى الإسلام في بريطانيا، على ذبح جندي بريطاني أمام المارة في منطقة ولتش، جنوب شرق لندن، قرب ثكنة عسكرية في 22 مايو 2013. ووقف القاتل حاملاً سكينه ويداه ملطختان بالدم ليخاطب الناس وهم يصورونه ويتحدث عن انتقامه مما سمّاه حروب بريطانيا ضد المسلمين.

كل تلك المظاهر دفعت المحلل السياسي والصحافي الأمريكي المشهور، ستيفن إيمرسون، في حوار له مع محطة فوكس نيوز الإخبارية، عقب أحداث العنف التي شهدتها فرنسا في 2015، إلى القول إن "مدينة برمنغهام الإنكليزية أصبح لا يسكنها إلا المسلمون، وأهالي المدينة لا يسمحون لغير المسلمين بالعيش فيها"، في تصريح مبالغ فيه بطبيعة الحال.

جميع الأمور السابقة، مضافاً إليها ما تناقلته بعض الوسائل الإعلامية من عودة العديد من البريطانيين المنضمين إلى داعش في العراق، إلى بلادهم مرة أخرى، أثارت قلقاً شديداً لدى السلطات الأمنية الإنكليزية من تحوّل هؤلاء العائدين إلى قنابل بشرية موقوتة، أو إمكانية تأسيسهم لجماعات إرهابية جديدة في إنكلترا.

فلا أحد ينسى الجهادي جون، أو محمد إموازي الذي اشتهر بتصويره مقاطع فيديو وهو يذبح رهائن اختطفهم تنظيم داعش. وهذا الشاب وصل إلى بريطانيا من الكويت وعمره ست سنوات فقط، ما يعني أنه تطرّف في بريطانيا.

هل ستتغير سياسة إنكلترا تجاه الإسلاميين؟

الكثير من الدول الأوروبية ومن بينها إنكلترا تعمل حالياً على تغيير سياساتها تجاه الحركات الإسلامية الراديكالية والجماعات الإسلامية التي تعيش على أراضيها، خصوصاً أن تلك الدول بدأت تشعر بالخطر والتهديد من جراء قيام عدد من العناصر المرتبطة بتلك الجماعات بتنفيذ عدد من التفجيرات وأعمال العنف في الفترة الأخيرة مثل تفجيرات باريس في نوفمبر 2015 وتفجيرات بروكسل في مارس 2016.

ولذلك، نجد أن الحكومة البريطانية بدأت في اتخاذ عدد من القرارات التي تخالف سياساتها التقليدية السائدة في ما يخص موقف الدولة من الحركات والتيارات الإسلامية.

فعلى سبيل المثال، نشرت الحكومة البريطانية تقريراً في أواخر عام 2015 بخصوص جماعة الإخوان المسلمين خلص إلى أن عضوية الحركة أو الارتباط بها يمكن أن يُعدّا مؤشراً ممكناً على التطرف.

وقال رئيس الحكومة البريطانية السابق ديفيد كاميرون إن "بعض أقسام حركة الإخوان المسلمين لها علاقة ملتبسة جداً بالتشدد الذى يقود إلى العنف"، كما أكد أن الحكومة ستقوم بالتدقيق في أفكار الجماعة وأعضائها في بريطانيا كما أن بريطانيا ستمتنع عن إصدار تأشيرات السفر لأعضاء الجماعة الذين يدلون بتصريحات متطرفة.

وأضاف كاميرون أن "العديد من أوجه عقائد الإخوان المسلمين ونشاطاتها تتعارض مع القيم البريطانية كالديمقراطية وحكم القانون والحرية الشخصية والمساواة والاحترام المتبادل والتسامح مع الأديان والمعتقدات المختلفة".

وهكذا فإنه رغم عدم قيام الحكومة الإنكليزية بتجريم حركة الإخوان المسلمين أو إدراجها على لائحة المنظمات والحركات الإرهابية، إلا أن ذلك التقرير يبيّن حجم التغيير في التعامل الذي قد يتطور في الفترة المستقبلية.

أما بالنسبة للتنظيمات الجهادية التابعة لداعش، فيؤكد بعض الخبراء الأمنيين أن الأمن البريطاني يستعد لكل الاحتمالات، إذ اتخذت السلطات البريطانية سلسلة إجراءات لمواجهة الهجمات الإرهابية مثل مناورات على التصدي لعمليات الاختطاف، وزيادة الميزانية المخصصة للأسلحة النارية لعناصر الشرطة بملايين الجنيهات.

رصيف 22

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*