المسيحيون في مصر: الأقلية غير المرئية - مقالات
أحدث المقالات

المسيحيون في مصر: الأقلية غير المرئية

المسيحيون في مصر: الأقلية غير المرئية

بقلم ناش نعام _ إفنجام ديلي نيوز

انتهت الألعاب الأولمبية الرائعة التي عقدت في ريو الأسبوع الماضي. وكانت أكثر اللحظات سطوعًا أثناء تلك الألعاب واضحة في الوفد الأمريكي الذي مثّلَ انعكاسًا للتنوّع الموجود في مجتمعنا مع السود والبيض، والأمريكيين من أصول لاتينية وآسيوية، والذين كانوا ضمن الفريق. كانوا مسلمين ومسيحيين ويهودًا وهندوسيين وبوذيين وملحدين. وفي واقع الأمر، كانت هنالك امرأة مسلمة في الفريق مرتدية حجابها وهي تمشي في أستاد ماراكانا في الصف الأول من الفريق الأمريكي، فكان ذلك طيفًا متآلفًا من ألوان قوس قزح.

قارن هذه الصورة مع صورة الوفد المصري الذي لم يضمّ أي مسيحي على الإطلاق بين صفوفه. فلم يكن هنالك أي لاعب مسيحي واحد أو مسؤول مسيحي واحد بينهم، وكأنه لا يوجد بين العشرة ملايين مسيحيّ شخص مؤهَّل للانضمام إلى ذلك الوفد.

يشكل المسيحيون في مصر ما يزيد عن عشرة بالمئة من سكانها الذين يبلغون 91 مليون نسمة. غير أنك إذا استعرضت المشهد السياسي والمهني والثقافي، يمكن أن تستنج أنه لا يوجد أي مسيحيين في مصر على الإطلاق، أو أن مسيحييها هم الأشخاص الأكثر غباءً وافتقارًا إلى المواهب في ذلك البلد. وإلاّ، كيف يمكنك أن تفسّر عدم وجود مسيحي يشغل منصب رئيس جامعة أو عميد لكلية في مصر كلها؟ ولا يوجد هنالك محافظ أو عمدة مسيحي لمدينة أو بلدة. وليس هنالك قائد سياسيّ مسيحيّ. وليس هنالك رئيس تحرير لصحيفة كبرى أو حتى مذيع مسيحي أو مذيعة مسيحية في التلفزيون. وحتى في الرياضة، لا يوجد لاعب كرة مسيحي محترف. وهذا أمرٌ غير معقول، لأن كرة القدم هي الرياضة الأكثر شعبيةً التي يلعبها الأطفال من كل مشارب الحياة. فكيف لا يوجد لاعب مسيحي واحد في أيٍّ من الفرق التي تلعب على صعيد المحترفين؟

وهذا الاختناق السياسي والاقتصادي والمهني إنما جزءٌ من التمييز الذي يمارس بشكل منهجي ضد المسيحيين في مصر.

تمّ حرق كنائس كثيرة من دون القبض على أحد، أو محاكمة أحد، أو إدانة أحد. وتمَّ طرد عائلاتٍ كثيرة من قُراها لمجرد أنها مسيحية. وتمّ تدمير شركاتٍ ومصانع مسيحية، ونُهبت وحُرقت، مع إفلات الجناة دائمًا. وفي شهر أيار، قام رعاع من 300 شخص غاضب على إثر إشاعة كاذبة حول وجود علاقة غرامية بين شباب مسيحيٍّ وامرأة مسلمة، بحرق بيت ذلك الرجل وبيوت مسيحية أخرى، ثم قاموا بتعرية أم الشاب العجوز وسحلها في شوارع القرية. لم يرَ أي رجلٍ أنه ليس من الرجولة أو اللياقة فِعلُ أمرٍ كهذا بامرأة عجوز لم تكن لها علاقة بالإشاعات الكاذبة.

والحكومة راضية عن نفسها، وأما القانون فلا يطبّق على قدم المساواة. فعلى سبيل المثال، ينطوي بناء كنيسة في مصر على نفس المشاحنات والصراعات التي ينطوي عليها إنشاء محطة نووية في الولايات المتحدة. وتقوم الحكومة بتصعيب الأمور وتعقيدها حتى إنه تُبنى كنائس قليلة جدًا بالمقابلة مع بناء آلاف الجوامع كل سنة. وأصدر البرلمان هذا الأسبوع قانونًا مخفّفًا يُزعم أنه سيخفف من تلك القيود. وتتملق الحكومة المسيحيين بكلمات معسولة، لكنها لا تقوم بأي إجراء. ومع هذه الفظائع هذه المرتكبة بحق المسيحيين - وهي كثيرة لا يمكن أن تُحصى هنا - لم يتم التحقيق إلاّ مع عدد محدود جدًا، أو محاكمتهم أو إدانتهم، إذا تمَّ هذا أصلًا. وقد عبّرت عن هذا الوضع مجلة الإيكونومست في آخر عدد لها باقتضاب وبلاغة: "جرائم بلا عقوبة".

والحل معقد لكن بسيط أيضًا. إذ يحتاج المسيحيون إلى عون إخوتهم وأخواتهم المسلمين، وجيرانهم وأصدقائهم للاحتجاج على هذه المعاملة غير المنصفة من مواطنيهم. فلا يطالب المسيحيون أكثر من أن يعاملوا بمساواةٍ بموجب القانون وباحترام متبادل. ينبغي أن تكون هذه نقطة البداية. ولا ينبغي أن تأتي هذه الحركة من المسيحيين وحدهم، إذ يجب أن تأتي مع عونٍ من الغالبية. ففي أي مجتمعٍ متحضّر، تتخذ الأغلبية دورًا نشطًا في مساعدة الأقليات فيها. وكبداية، ينبغي للمجتمع أن يتولّى مسؤولية تعليم كل الأطفال القيم الإنسانية الأساسية من الاحترام والقبول والتسامح. وينبغي تعليم الأطفال معنى الحياة وكيف أن كلّ حياةٍ تمثل هبةً من الله يتوجب احترامها وتثمينها. وينبغي للقادة السياسيين والاجتماعيين والثقافيين والدينيين أن يقودوا بمثالهم بإظهار احترامهم لمواطنيهم، بِغَضّ النظر انتمائهم العرقي أو الدينيّ.

وهذا أمر ممكن الحدوث. فقد رأينا لمحة من الوحدة الوطنية في ميدان التحرير، حيث بدأت الثورة. ففي ذلك الميدان الشهير، وأثناء الأيام الأولى للثورة، لم يكن هنالك انفصال أو تمييز بين المسلمين والمسيحيين. وقام المسلمون بحماية المسيحيين أثناء صلواتهم أيام الأحد، في حين حمى المسيحيون مواطنيهم المسلمين أثناء صلوات الجمعة. وفضلًا عن ذلك، عندما كنتُ على خط الجبهة، كان القتال من أجل بلدي في قناة السويس أثناء الحرب مع إسرائيل عام 1973، لم يكن هنالك ترسيم لمن هو مسيحي ومن هو غير مسيحي. لم يكن هنالك إلاّ مصريون يفتخرون ببلدهم ويفتخر بعضهم ببعض. ينبغي لنا أن نرجع إلى جذورنا اللائقة حين يدعم بعضنا بعضًا بدلًا من التزام الصمت في وجه التمييز القبيح.

والمصريون – مسلمين ومسيحيين – أشخاص محترمون ومنصفون وجادّون في العمل. وأنا متأكد من أنهم لن يكونوا سعداء عندما يتعرض مواطنوهم إلى التمييز في وطنهم. وستكون مصر أقوى وأكثر صلابةً كمجتمع، وسيكون المصريون أكثر اعتزازًا ببلدهم، عندما يعامَل الجميع بإنصاف ومساواة.

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث