مجدى خليل
رغم خطورة خطاب الكراهية الموجّه ضد غير المسلمين فيما يُسمّى بالعالم الإسلامي، ورغم أنّ شيوخ الإسلام يزدرون جميع الأديان وخاصّةً اليهوديّة والمسيحيّة كما يتنفسون، إلاّ أنّ الخطر الحقيقي يتمثّل في ثنائية التكفير والجهاد ضدّ الكُفَّار.
ويحاول البعض تبسيط الأمر والتقليل من خطورة مُصطلح التكفير بالقول بأنّ كلّ الديانات الإبراهيمية تُكَفِّر بعضها البعض، وهذا خطأٌ كبير إذ لا يوجد مصطلح كافر إلاّ في الإسلام فقط دون مئات الأديان الموجودة في العالم. في المسيحيّة يوجد لفظ مؤمن وغير مؤمن ولا تترتّب أيّ عقوبات أو تمييز أو اضطهاد لغير المؤمن. وفي اليهوديّة هناك اليهودي والأُمَمِي، وكلّ الضوابط هي عدم اختلاط اليهود بالأُمَم وكان ذلك من أجل عزلهم عن شرّ الأمم حتى يأتى المسيح، وكان وعد الله بالدفاع عنهم وحمايتهم من هجوم الأمم عليهم. أمّا في الإسلام فالمسألة مختلفة، فكلّ من لا يؤمن برسالة نبيّ الإسلام محمد فهو كافر، وكلّ من ليس مُسلِمًا موحِّدًا فهو كافر، بل أنّ إنكارَ شيءٍ من الإسلام كما يقول الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر هو كُفرٌ. فالكُفر في الإسلام هو عدم تصديق الله ورسوله كما جاء في التراث الإسلامي. وهناك 524 آية في القرآن تحمل لفظ الكفر كما يقول فايز على سهلب في كتابه "التكفير والتكفير المضاد"، فهناك الكُفر بالله، والكُفر بآيات الله، والكُفر بنِعَم الله، والكُفر بالرسول، والكُفر بيوم القيامة، والكُفر بالقرآن، والكُفر ببعض الكتاب، والكُفر بالله وملائكته ورسله واليوم الآخِر، والكُفر بالكذب والافتراء على الله.... ويمتدّ الكُفر لكلّ من يَختلِف مع فِكر أهل السُّنَّة والجماعة حتى ولو كان مُسلِمًا. ففي عام 1991 أصدر مُفتي مصر د. محمد سيد طنطاوي فتوى فيما يخصّ الطائفتين الدُرزيّة والإسماعيليّة بأنهم ليسوا في منزلة أهل الكتاب ولا المُشرِكين، فلا يُباح أكل طعامهم، ويحلّ للمسلمين قتلهم أينما ثقفوا (وُجِدوا)، فهم زنادقة مرتدين لا تُقبل توبتهم، ويجب قتل غلمانهم لئلا يُضلّوا غيرهم، ويُحرم النوم معهم في بيوتهم أو المشي معهم(1). وبالطبع هناك الكثير من الفتاوى حول رِدّة البهائيين وزندقتهم وكفرهم وإلحادهم، فكما جاء في فتوى مجمع البحوث الإسلامية الصادرة في ديسمبر 2003 وصفًا للبهائية بأنها "من نوعية الأوبئة الفكرية الفتّاكة، ويجب أن تجنِّد الدولة كلّ إمكاناتها لمكافحتها والقضاء عليها". وهناك العديد من الفتاوى والأحكام القضائية ضد البهائية في مصر جمعها د. فرج فودة في أحد أبحاثه(2)، ويَصِلُ الأمر عند أهل السُّنَّة والجماعة بتكفير تارك الصلاة.
نحن هنا نتحدث عن التكفير وهو أمر يفوق في خطورته بمراحل تُهمة الازدراء. لأنّ الكُفَّار وِفقًا لآيات صريحة في القرآن هم: ضالون - ظالمون - أعداء الله - شرّ الدواب - أضلّ من الأنعام (البهائم) - شرّ البرية (الخليقة) - لا يفقهون - عدوٌّ مُبين للمسلمين.. والله عدوّ الكافرين.
ومن ثَمّ فإنّ الكُفر في الإسلام صِفة وتُهمة يترتّب عليها عقوبات شديدة، وكما يقول الكاتب حامد عبد الصمد هناك 25 آية قرآنيّة تدعو لقِتال الكُفّار(3).
وبالنسبة لأهل الكتاب كما يقول الشيخ محمد حسان لا يوجد خلاف بين المسلمين في العالم كلّه على كُفرِهم، وهناك جبل من الفتاوى التي تكفرهم، والأكثر أن تتّهمهم بالشِّرك كما جاء في فتوى شيخ الأزهر الراحل جاد الحق على جاد الحق(4). وإذا بحثتَ على الإنترنت تحت عنوان كُفر اليهود والنصارى تجد إجماعًا عند كبار الشيوخ على كفرهم، بل وكُفر من لا يؤمن بكفرهم. وتُطالعك عناوين قاطعة مثل "فصل الخطاب في كفر أهل الكتاب"، "الأدلة والبراهين على أنّ اليهود والنصارى من المُشرِكين"، "كُفر اليهود والنصارى مؤكَّد بالإجماع عند أهل السُّنَّة والجماعة"، "إجماع المسلمين على كُفر المسيحيين"، "مَن شَكّ في كُفر اليهود والنصارى فهو كافر".. من "أبو حامد الغزالي" إلى "ابن تيمية" إلى "سيد قطب" إلى "بن عبد الوهاب" إلى "بن باز" إلى "بن العثيمين" كلّهم مُجمِعون على كُفر وشِرك أهل الكتاب من اليهود والنصارى وقتالهم. بل ويزايد "حسن البنّا" على ذلك ويقول "وجوب قتل أهل الكتاب، وأنّ الله يضاعِف أجر مَن قاتلهم"(5). وطبعًا لا يترك القرضاوي هذا الأمر دون أنْ يفتي فيه فيقول على موقع "إسلام أُون لاين": فإنّ كُفر اليهود والنصارى من أوضح الواضحات بالنسبة لأيّ مُسلِم عنده ذَرّة مِن عِلم الإسلام"(6). وقد أفرَدَ برنامج "سؤال جريء" حلقة كاملة لتوضيح خطورة تكفير غير المسلمين، ونقل تصريحات لشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيّب يُقر فيها صراحةً بكُفر اليهود والنصارى. وقد شرح "ياسر البُرهامي" أنّ قِتال الكافر أمر إلهي إلاّ المُعاهِد منهم، والعهد إمّا أن يكون عهد ذِمّة أو عهد هُدنة أو عهد أمان، أيّ أنّ قِتال معظم البشرية هو واجب إسلامي(7).
نعم إنّ الإرهاب يبدأ بتصنيف الناس بين مسلم وكافر.. ثم يتدرّج من آيات القتال، إلى الرّصاصة القاتلة أو الخنجر المسموم أو جزّ الرقاب، إنّها العنصرية التي تُجيز قتل الغير، قَتل من لا يستحق في نظر أهل الفقه الإسلامي أن يكون إنسانًا سويًّا لأنه لا يشبهه في معتقده(8).
وهناك فِقهٌ كامل اسمه فِقه أهل الذِّمَّة، بالإضافة إلى فِقه تعامُل المسلم مع الكُفّار والمشركين. وكلاهما يُرتِّب وضعًا خاصًّا للمسيحيين واليهود، مثل دَفع الجِزية وهم صاغرون، وعدم ولاية غير المسلم على المسلم، وعدم توظيف غير المسلم إلاّ في الضرورة القصوى، وعدم تطبيق حَدّ القذف على المسلم في حالة قذفه لذِمِّيّ أو كافر، ودِيّة الذمّيّ نصف دِيّة المسلم، ولا يُقتَل المؤمن بكافر حتى ولو كان القاتل عبدًا مسلمًا والقتيل ذِمِّيّ حُرّ، ولا تُقبَل شهادة الذمّيّ بإجماع الفقهاء إلاّ في حالات نادرة محدّدة، ولا يَرِث الكافر مُسلِمًا، ويمتَدّ الموضوع للتهاني والمودّة القلبية وخلافه(9).
معنى هذا أنّ تصنيف شخص على أنّه كافر في الإسلام تمتدّ آثاره من الشتيمة إلى التمييز إلى العنصريّة إلى الإرهاب إلى القتل والحرب الدائمة. في الوقت ذاته يشتكي المُسلِمون من مجرّد آراء نقديّة للإسلام، ويعتبرونها ازدراءً، ويريدون فرض عقوبات دولية على مَن يقترب من دينهم. أيّ أنّ الخلاف في الرأي يعتبرونه جريمة، في حين أنّ هذه العنصرية والإرهاب والقتل وسفك الدماء هو شيء حلال وعنف مقدس في فِقه أهل السُّنّة والجماعة. أيّ أنّهم في حالة حرب دائمة مع العالم وِفقًا لفِقه الولاء والبراء، ودار الإسلام ودار الحرب، والمسلم والكافر، في الوقت الذي يشتكون ويتصايحون ويخربون ويقتلون لأنّ شخصًا في جزء ما من الكرة الأرضية قال مجرد رأي في دينهم ونبيّهم.
وجريمة ازدراء الأديان في الدول الإسلامية ما هي إلاّ من آثار هذا التكفير، التي تسعى منظمة المؤتمر الإسلامي إلى تصديره إلى المستوى الدولي، فوِفقًا لما جاء في تقرير الحرِّيَّات الدينيّة الأمريكى لعام 2008 فإن "إدخال مفهوم التشهير إلى مجلس حقوق الإنسان بجنيف والجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك ما هو في الواقع إلا سعي إلى تصدير قوانين التكفير الموجودة في العديد من الدول الإسلامية إلى المستوى الدولي".
المراجع:
1- محمد حسّان المنير: حوار بالقتل: مجازر الفقه والفقهاء ص47.
2- فرج فودة: الأقليّات وحقوق الإنسان في مصر، بَحث صادر عن المنظّمة المصريّة لحقوق الإنسان ضِمن كتاب "حرِّيَّة الرأي والتعبير - قيود وإشكاليات" ص200-201.
3- حامد عبد الصمد: مناظرة على التليفزيون الألماني.
https://www.facebook.com/video.php?v=769094739803151
4- سعيد العشماوي: فتوى ومقال - جريدة الأهالي - 10 أبريل 1996.
5- حسن البَنّا: مجموعة الرسائل - المطبعة الشرعيّة ص280.
6- يوسف القرضاوي: موقع إسلام أُون لاين - بيان حقيقة كفر أهل الكتاب ونقمتهم على المسلمين.
7- للمزيد يمكن الرجوع لحلقة سؤال جريء رقم 238
https://www.youtube.com/watch?v=OahdmmEhRTg
8- محمد حسّان المنير: مرجع سابق ص63.
9- للمزيد يمكن الرجوع إلى: مجدي خليل - برنامج سؤال جريء حلقة 293 - هل تصلح الشريعة للعالم المعاصر؟
https://www.youtube.com/watch?v=8lRU5fFaQ6w
نقلا عن كتاب إزدراء الأديان فى مصر، الصادر عن منتدى الشرق الأوسط للحريات 2015
About the Author
ذ. مجدي خليل:
كاتب ومؤلف ومحلل سياسي وناشط حقوقي، رئيس منتدى الشرق الأوسط للحريات. الأستاذ مجدي خليل شارك في العديد من البرامج على قناة الجزيرة، والعربية، والعالم، والبي بي سي، والحرة، ... كاتب صحفي في العديد من الجرائد العربية: الشرق الأوسط، الحياة، إيلاف، وطني، الدستور (المصرية)، الرأي العام (الكويتية)... ومواقع أخرى كثيرة. الأستاذ مجدي خليل ألف وشارك في تأليف حوالي عشرين كتاب من ضمنها: أقباط المهجر: دراسة حول شؤون الوطن والمواطنة، ازدراء الأديان في مصر، أقلية تحت الحصار....إلخ.