د. وجدي ثابت غبريال
كليّة الحقوق والعلوم السّياسيّة
جامعة لاروشل، فرنسا
يعيش شيخ الأزهر في تاريخ صنعه هُوَ وإخوانه للعالم كُلِّه، وهو تاريخٌ سطحيّ قائِم على مصدر واحد "يُقال إنَّ ... أو سمعنا أنَّ ... " وما شابه ذلك من "حكاوي القهاوي". والْقَوْل الشّائِع بين جَهَلة أفضل من الصّواب المهجور المعروف للمُتخصِّصين فقط ولأساتذة الجامعات ذوي الحُجة في علمهم! واعتاد الشّيخ أحمد الطّيب أن يتّخذ من الْقَوْل الشّائِع والتّحليل السّطحيّ مصدرًا للعلم يُشهِره في وُجوهنا دون تحقيق، وهو ما يُدهشنا من شخصٍ يُفترض فيه أنّه أستاذ جامعيّ.
من العار على شيخ الازهر أن ينطق بمثل تلك العبارة الّتي تتصدّر عُنوان المقال فهي تُعبِّر عن جهل كبير بالتّاريخ الأوربي وبالحقائق الّتي لا يُمكن لمتخصِّص أو لجامعيّ إنكارها. وسوف نذكر بعضًا قليلًا جِدًا منها يتلخّص فيما يلي:
- إنَّ ثوْرة أوربا على الكنيسة بلغت أوجَها إبان الثّورة الفرنسيّة الّتي قامت أساسًا على رجال الدّين نتيجةً لتدخُّلهم في السّياسة ولتأثيرهم على الدّولة فأقالتهم من الحياة العامّة تمامًا وانتقمت منهم ومن طبقة النّبلاء. وظهر بين الفرنسيّين رُوادٌ للعلمانيّة يطالبون بالمقصلة لرجال الدّين بالذّات! فهل تُحبّ أن نقتفى في مصر إثر التّجربة الفرنسيّة؟
- إنَّ ثوْرة أوربا على رجال الدّين بلغت إلى حَد هدم وتخريب مراكز الثقافة الدّينيّة المسيحيّة ودور العبادة والصّلاة وحل جميع الجماعات الدّينيّة وهدم الأديرة وتسريح الرّهبان منها. فهل تُحبَّ أن نثور هكذا ضِدَّ الإسلام والمشايخ بهذا الشّكل فنهدم دور العبادة ما دُمتَ ترى أن التّطرُّف المسيحيّ قُوبل بالسّلام والصّمت من الأوربيّين وما سبق أن سميّته "بردًا وسلامًا"؟
- عام ١٩٠٥ صدر قانون الفصْل بين الدّين الدّولة وبمقتضى هذا القانون لا تدعم الدّولة أيَّ دين أو مؤسّسة دينيّة (لا سِياسيًا ولا ماليًا ولا معنويًا). ومعنى هذا أنَّنا -لو طبَّقنا ما حدث في الغرب- فإنَّ الملايّين الّتي تدفعها الدّولة للأزهر لدعمه لن تصل إليه من الآن فصاعدًا. فهل ترى في مِثل هذا الأمر "بردًا وسلامًا"؟
- إنَّ الحوادث الارهابيّة الّتي أشار اليها شيخ الأزهر في خطابه عبّرت عن سُلوك مُتطرِّف في الغرب وتمَّ القبض على مرتكبيها جميعًا أو قتلوا أثناء الاشتباكات مع قُوّات الأمن. لم يهرب من يد العدالة إرهابيّ واحد بل عوقبوا جميعًا، وذلك على نقيض ما يحدث في مصر تمامًا. فليس لديهم في الغرب قُضاة "تستشعر الحرج" في الحُكم بسجن إرهابي، ولم يدّعِ أحدٌ أمام قاضٍ أنَّه مجنون أو فاقد الوعي أو عديم العقل لكي يُطلَق سراحه! ولم يدّعِ أحد أَيْضًا أنّه غير مسؤول عمّا فعل بحُكم الجُنون المُطبِق الذي اعتراه! على العكس من ذلك تمامًا، فالجُنون المُطبِق هُوَ ألا نعثر أبدًا على الإرهابيّين "المجانين" الّذين تخصصّوا في الإرهاب ضِدّ الكنائس منذ ٢٠١٣ وحتى اليَوْم، وللغرابة لقد سلمت من أيديهم القذرة مشيخةُ الأزهر وبيوت الأزهريّين والسّلفيّين والإخوان والجوامع بحكم "الصّدفة المحضة"!
- عندما صدر أوَّل إعلان أوربي لحقوق الإنسان والمواطن في فرنسا إبان الثّورة الفرنسيّة سنة 1789 أعلن في ديباجته أنّ مصدر التّشريع هُوَ العقل الإنسانيّ؛ فهو مصدر القواعد ومصدر التّحريم ومصدر الإجازة والتّصريح (وليس الشّريعة الدّينيّة أيّا كانت). لقد أصبح العقل هُوَ مصدر القانون ذاته. وكان ذلك رد فِعل ضِد المسيحيّة بالذّاتوضد دوْر الكنيسة في الغرب، وقبلت الكنيسة أن تتنحّى جانبًا إلى هذا الحد، فهل يقبل الأزهر حذف المادة الثّانيّة من الدّستور الّتي تجعل من الشريعة الإسلاميّة المصدرَ الرّئيسيّ للتشريع في مصر؟ !هذا ما صنعه الغرب ضِد الدّين، فماذا صنعنا نحن؟ جعلناه يسود ويأمر ويحكُم في كُلّ شيء وألغينا العقل تمامًا وطبّقنا قواعد وأوامر ونواه تعود إلى القُرون الغابِرة في القِدم! وفي ذات الإعلان، الّذي هُوَ الْيَوْم جُزءٌ من الدّستور الفرنسيّ الّذي تطبِّقه المحاكم، هناك مادة تحظر على كافة سُلطات الدّولة أن تتعدى على حريّة أيَّ شخص في الرّأي أو العقيدة أو التّعبير؛ إذ لا يجوز أن يشعر أيُّ إنسان بأيّ شكل من أشكال التّهديد بسبب آرائه أو عقيدته الدّينيّة (مادة ١٠ من الإعلان).
- لا يستقيم دفاع شيخ الازهر عن الإسلام بتلك الحُجة إذ أنّ التّاريخ الأوروبي الّذي اتخذه هو أساسٌ هزيلٌ للدفاع بمنهج المُقارنة والقياس. فلا مقارنة أصلًا إلا عند اتّحاد العلّة. هكذا علّمونا في أصول الفقه إذ لا قِياس إلا في اتحاد السّبب وتماثُل الظّروف، كما سبق وأثبتنا.
قياسُك فاسِد يا شيخ الأزهر!
كنتُ أتمنى يا شيخ الأزهر أن تقوم بالشّيء الوحيد الّذي رُبَّما كان يمكنه أن يُنقذ سُمعة الإسلام في العالم؛ تكفير كُلّ إرهابي لا تكفير إسلام البحيري، وعبد الله نصر، ومن قبله نصر حامد أبو زيد.