في مقاله المنشور على موقع منظمة «هيومان رايتس فيرست»، تناول الكاتب نيل هيكس قضية حقوق الإنسان في مصر، مسلطًا الضوء على قضية الناشط أحمد دومة، وإطلاق سراح الناشطة المصرية الأمريكية آية حجازي، والذي اعتبره غير كافٍ لإثبات حسن نية السلطة في مصر لإحراز تقدم في مجال حقوق الإنسان، والمنتهك في البلاد منذ تولي السيسي للحكم في يوليو (تموز) 2013 على حد وصفه.
خلال زيارته الأخيرة لمصر، التقى البابا فرانسيس الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وذكره بأوضاع حقوق الإنسان في بلاده في تلميح ذكي قائلًا: «إن التاريخ لا يغفر لمن يبشرون بالعدالة، ولكنهم يمارسون الظلم»، كما دعاه إلى الاحترام «غير المشروط» لحقوق الإنسان.
يقول الكاتب إن الكثيرين في مصر وقعوا ضحيةً لذلك الظلم الذي أشار إليه البابا، ومن بينهم عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين المحتجزين دون تهم واضحة، أو محاكمات (أو محاكمات غير عادلة)، وصولًا إلى مئات المختفين قسريًّا ممن يواجهون التعذيب في أماكن مجهولة، وغيرهم ممن قتلوا في تظاهرات سلمية منذ وصول السيسي للحكم.
يشير المقال أيضًا إلى أن مصر تواجه حملة غير مسبوقة على الصحافة، والتي قادتها إلى أن تصبح واحدة من بين أسوأ دول العالم فيما يتعلق بحرية الصحافة، وهو الحال نفسه في منظمات المجتمع المدني المستقلة، إذ تواجه منظمات حقوق الإنسان هجومًا ممنهجًا من قبل الدولة في محاولة لإجبارها على إغلاق أبوابها، فيما يواجه العاملون في هذه المنظمات تهديدات بالقتل، ومنعًا من السفر، ومصادرة الممتلكات.
أولوية السلطة في مصر حماية وتعزيز نفوذ وامتيازات الجيش، وحماية المسئولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من المساءلة القانونية.
يقول نيل هيكس إن هناك منطقًا باردًا وبلا رحمة للسيسي خلف هذه الاعتداءات على الحقوق والحريات الأساسية، والذي وصل للسلطة بانقلاب عسكري، مارس منذ ذلك الحين السلطة بثلاث أولويات رئيسية، وهي:
- حماية وتعزيز نفوذ وامتيازات الجيش.
- إسكات وتشويه سمعة المطالب الشعبية بوجود سلطة تمثل الشعب، وهو ما كان في مقدمة مطالب الثورة المصرية التي أسقطت الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في فبراير (شباط) 2011.
- حماية المسئولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من المساءلة القانونية.
في اليوم السابق للقاء البابا بالسيسي، عقدت محكمة مصرية جلسة للنظر في الطعن المقدم من الناشط السياسي أحمد دومة (31 عامًا)، أحد القيادات الشبابية للثورة المصرية، والذي يواجه حكمًا بالحبس المؤبد في القضية المعروفة بأحداث مجلس الوزراء، بالإضافة لحكم بالسجن لثلاث سنوات بتهمة إهانة المحكمة التي كان يرأسها القاضي المسيس ناجي شحاتة – على حد وصف المقال- والذي لا يخفي سرًّا اتجاهه المضاد للثورة، ولم يتورع عن معاقبة رموز الثورة متى وقعوا تحت يده.
بحسب المقال، كان دومة واحدًا من بين 250 متهمًا وقفوا أمام المحكمة في قضية الاشتباكات أمام مجلس الوزراء، والتي يعود تاريخها إلى ديسمبر (كانون الأول) 2011، والتي حاولت حينها الشرطة فض تظاهرة مناهضة للحكم العسكري بالقوة، ما تسبب في مقتل 17 متظاهرًا، وإصابة المئات. أثناء الاشتباكات، اشتعلت النيران في مبنى دار الوثائق الوطنية، والمجاور لمجلس الوزراء، ما تسبب في تدمير عدد من الوثائق والمستندات التي لا تقدر بثمن.
أثناء المحاكمة في فبراير (شباط) 2015، كان دومة هو المتهم الوحيد داخل قفص الاتهام، حينما حصل على حكم بالسجن مدى الحياة، فيما حكم على 229 متهمًا آخر بالحكم ذاته غيابيًّا، مع غرامات تتجاوز في مجملها المليون دولار بتهمة الاعتداء على قوات الأمن، والتخريب المتعمد.
وكان الدفاع عن دومة قد اشتكى من الكثير من المخالفات الإجرائية في المحاكمة، إلا أن جميع شكاواهم قوبلت بالرفض من قبل ناجي شحاتة، وهو ما قادهم لمقاطعة المحاكمة بهدف الاحتجاج على عرقلة المحكمة، والتي رفضت إعطاءهم حق الاطلاع على أوراق القضية، واستدعاء الشهود، وغيرها من التعقيدات بحسب المقال. في النهاية، اضطر دومة لتلقي الحكم دون وجود محاميه. كان ناجي شحاتة قد أظهر في المحكمة والإعلام وجهة نظره العدائية تجاه دومة، في مقابل إظهار دعمه لقوات الأمن.
يقول نيل هيكس إن السلطات المصرية لم تحاكم أفراد الجيش والشرطة المتورطين في قتل المتظاهرين وتجريد النساء من ملابسهن، كما اختفت ملفات التحقيق الخاصة بهذه القضايا. ويضيف أيضًا عدم وجود رابط بين دومة وحريق دار الوثائق، بل إن الحقيقة هي أنه حاول ومتظاهرون آخرون إطفاء النيران، إلا أن ناجي شحاتة رفض الاعتراف بفيديو يظهر أشخاصًا آخرين هم من قاموا بإشعال النيران في دار الوثائق.
تلقى دومة ذلك الحكم في سياق محكمة مسيسة تهدف بالأساس لمعاقبته، وردع الآخرين الذين ربما يرغبون في محاكاة نموذجه المعارض للحكم الاستبدادي، وتشويه سمعة النشطاء وتصويرهم كمخربين ومنتهجين للعنف، وإرسال رسالة واضحة أن القانون لن يحمي المتظاهرين المعارضين للسيسي من أقسى العقوبات، حتى وإن كانوا سلميين.
هل يكفي الإفراج عن آية حجازي؟
يشير المقال أيضًا إلى الواقعة الأخيرة، والإفراج عن الناشطة المصرية الأمريكية آية حجازي، والتي نسب فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الفضل لعلاقته الجيدة بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في تسهيل الإفراج عنها. وكانت حجازي، كآلاف المصريين غيرها، قيد السجن دون محاكمة لعدة سنوات، ويقول هيكس إن الإفراج عنها هو أمر مرحب به للغاية، إلا أن ترامب أخطأ عندما اعتقد أن إطلاق سراحها هو كل ما يحتاج ليفعله فيما يتعلق بحقوق الإنسان في مصر.
ويضيف هيكس أنه من الواضح أن ترامب يفضل الحفاظ على علاقاته الجيدة بالديكتاتوريين في مختلف مناطق العالم، وهو ما يمنعه من مناقشة قضايا حقوق الإنسان والقيم الإنسانية العالمية، إلا أنه يعتقد أن ذلك أيضًا يقوض من دور الولايات المتحدة الرائد في مجال حقوق الإنسان عالميًّا، وأن ذلك يضر بالمصالح الأمريكية نفسها.
ربما تكون نقطة البداية هي مطالبة ترامب بالإفراج عن أحمد دومة وغيره من المسجونين في قضايا الرأي في مصر. ربما لا يحمل دومة الجنسية الأمريكية، ولكنه ممن يؤمنون بالقيم الإنسانية العالمية، التي يجب أن تنتصر لها الولايات المتحدة.
كان مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان أشار في 1 مايو/ أيار الماضي إلى أن انتهاكات الحكومة المصرية واسعة النطاق لحقوق الإنسان تزيد من حدة مشكلة الإرهاب، والتي تدعي أنها تحاربه، كما تتسبب في انتشار الفكر المتطرف.
يختتم هيكس المقال قائلًا إن البابا فرانسيس حمل الرسالة ذاتها للسيسي، مذكرًا إياه بضرورة دعم حقوق الإنسان. ومن أجل أن تصبح مصر شريكًا عالميًّا في الحرب ضد الإرهاب، يجب على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يتحدث بنفس الوضوح والشفافية التي تحدث بها البابا فرنسيس، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، وربما تكون نقطة البداية هي المطالبة بالإفراح عن أحمد دومة وغيره من المسجونين في قضايا الرأي في مصر. ربما لا يحمل دومة الجنسية الأمريكية، ولكنه ممن يؤمنون بالقيم الإنسانية العالمية، التي يجب أن تنتصر لها الولايات المتحدة.
مترجم عنHuman Rights in Egypt: One Prisoner’s Release is Not Enoughللكاتب Neil Hicks
ساسة بوست