«مأساة»: هل هو صراع على حرية انتقاد الإسلام؟ ماذا تعرف عن مسيحيي باكستان؟ - مقالات
أحدث المقالات

«مأساة»: هل هو صراع على حرية انتقاد الإسلام؟ ماذا تعرف عن مسيحيي باكستان؟

«مأساة»: هل هو صراع على حرية انتقاد الإسلام؟ ماذا تعرف عن مسيحيي باكستان؟

قبل أن نبدأ

في اليوم الذي سيُقتل فيه، الثالث من يناير (كانون الثاني) 2011، خرج حاكم بنجاب، «سلمان تيسير»، صباحًا برفقة حارسه، وهو يعلم أنَّ قطاعًا كبيرًا من الشعب الباكستاني صار يكرهه ويُكفره؛ فقد خرج الإسلاميون في الشوارع وصنعوا دمًى تشبهه وأحرقوها، وهتفوا بإعدامه، بعد أن أعلن رفضه للصيغة الحالية لقانون التجديف، الذي يعاقب بعقوبات صارمة تصل إلى الإعدام لكل من يوجه انتقادا أو إساءة للقرآن أو لشخصية النبي محمد، كما أعلن أيضًا تضامنه مع الشابة المسيحية آسيا، وطالب من الرئيس التدخل للعفو عنها. كان يعرف أنه صار أحد أكثر الشخصيات المكروهة في باكستان نتيجة موقفه؛ لكنه كان يردد: «أتعرض لضغوط هائلة للخضوع لليمينيين بشأن قانون التجديف، ولكنني رفضت وسأبقى رافضًا له حتى لو كنت الرجلَ الوحيدَ ضّده».

– آسيا.. في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) 2010، صدر الحكم على المواطنة الباكستانية المسيحية «آسيا بيبي» التي تبلغ من العمر 45 عامًا بالإعدام شنقًا، لأنها في نظر المحكمة قد ارتكبت جريمة التجديف، كانت آسيا تعمل في أحد الحقول بقرية قريبة من مدينة لاهور ببنجاب مع نساء مسلمات، وفي يونيو (حزيران) 2009 حدثت واقعة غريبة، حيث ذهبت لتحضر كوب ماء من البئر، فعلقت إحدى السيدات المسلمات بأن البئر قد تدنس، ما دامت تلك المرأة المسيحية قد شربت منه، وبحسب الوثائق التي قدمتها الشرطة فإن آسيا التي تجهل القراءة والكتابة، قد قامت بانتقاد الإسلام آنذاك وقالت بأن القرآن مزور، وأدلت بتعليق من شأنه الإساءة إلى إحدى زوجات الرسول محمد.

إزاء حكم المحكمة بإعدام السيدة الأربعينية الأمية شنقًا، لم يكن أمام حاكم بنجاب سوى أن يمتلك الشجاعة الكافية للتعاطف علنًا معها، ويعلن رغبته في أن يتم تعديل قانون التجديف الباكستاني.

– في يوم الإثنين 29 فبراير (شباط)، تحديدًا في الساعة 4:35، التف حبل المشنقة في مدينة روالبندي حول رقبة مالك ممتاز قادري الذي اعتبر فيما بعد من قبل الإسلاميين بباكستان شهيدًا وبطلًا من أبطال الإسلام، ممتاز قادري هو حارس حاكم بنجاب الذي خرج معه صباحًا يوم 3 يناير (كانون الثاني) 2011، لكنه قرر أن يخالف قواعد عمله للمرة الأولى، وبدلًا من أن يحرس الحاكم، قرر أن يطلق عليه 28 طلقة من رشاشه الآلي ويفتك بجسده؛ نتيجة إعراب الحاكم عن رغبته في أن يتم تعديل قانون التجديف.

حين أُعدم قادري، ركزت وسائل الإعلام الباكستانية على خبر فوز المخرجة الباكستانية «شرمين عبيد» بجائزة أوسكار لأفضل فيلم وثائقي، وتجاهلت المظاهرات الضخمة التي خرجت تندد بإعدامه، لكن وسائل الإعلام العالمية نقلت الحدث، إنها مظاهرات ضخمة خرجت تصف ممتاز بالشهيد الشجاع، وتندد بأي محاولة للمس بقانون التجديف، وامتد طابور العزاء أمام منزله لنحو كيلومتر كامل، ليقف والده الذي يجهل لغة النبي محمد العربية، ويقول وعيناه مغرورقة بالدموع: «أنا فخور باستشهاد ابني، ومستعد لتقديم أولادي الخمسة الآخرين شهداء أيضًا دفاعًا عن الرسول».

صورة لممتاز قادري بعد إعدامه

كلا الرجلين -تيسير وقادري- جمعتهما الشجاعة، لكن لم يكن ممكنًا أن يتواجدا معًا على نفس الأرض. تيسير تحدى المسلمين في باكستان، بإعلانه تضامنه مع السيدة الأمية التي تهجمت على الرسول محمد، وخسر حياته في سبيل ذلك، وقادري أيضًا خسر حياته في سبيل الدفاع عن نبيه؛ وحين بكى والده قبل إعدامه بأيام شد على يديه وصاح في وجهه الله أكبر. وبين الشجاعتين تكمن قصة طويلة أكبر من الشخصين؛ سنسردها.

قصة القانون المثير للجدل من الاستعمار إلى الجنرال

تبدأ قصة قانون التجديف منذ عام 1927؛ فقد أدرج البريطانيون حينها فقرة في المادة 295 من القانون الجزائي الهندي، على خلفية تصاعد التوتر والعنف بين المسلمين والهندوس، نصت من أجل حماية دور العبادة والمتدينين على اختلاف أطيافهم؛ على معاقبة «الأعمال المتعمدة والماكرة التي ترمي إلى جرح المشاعر الدينية الخاصة بأي جماعة من خلال الإساءة لديانتها أو لمعتقداتها الدينية».

في 1 أبريل (نيسان) 1976، كان رئيس وزراء باكستان «ذو الفقار علي بوتو» ينفذ خطته في إبعاد الجنرالات المثيرين لقلقه على السلطة، فقام بتجاوز 5 جنرالات هم الأقدم والأكبر من حيث الرتبة، ليعين رجلًا طيبًا زاهدًا يثق به، ولا يسبب له أي إزعاج بشأن محاولة الإستيلاء على السلطة، رئيسا لأركان الجيش، وهو الجنرال ضياء الحق، حيث عُرف ضياء بمحافظته على الصلاة واتقانه للعبة الجولف، والنتيجة التي تحدث دائمًا في مثل تلك الحكايات، هي ما حدثت، فقد قام ضياء الحق بالانقلاب على بوتو بعد عام واحد وفرض الأحكام العرفية بالبلاد.

عرف ضياء الحق في فترة حكمه (1978-1988) بالاستئثار بالحكم، وبالحنث أكثر من مرة بوعده المتعلق بإقامة نظام ديمقراطي في البلاد، وعُرف أيضًا عن ضياء توجهه الإسلامي، الذي تبلور في سلسلة من القوانين التي تحاول تطبيق الشريعة الإسلامية، وإحدى حلقات تلك السلسلة كانت توسيع وتغليظ قانون التجديف.

تطور القانون ليشمل عقوبات صارمة، تصل إلى السجن المؤبد والإعدام لكل من يقوم قولًا أو كتابًة أو تمثيلًا مرئيًا بالإساءة للقرآن، بأيّ شكلٍ من الأشكال، أو إهانة الرسول محمد وزوجاته وآله وصحابته وخلفائه، أو التعرض لشخصيات التاريخ الإسلامي ذات المكانة المرموقة عند المسلمين، وخصوصًا الخلفاء الراشدين والصحابة، وفضلًا عن المعترضين على تلك القوانين من حيث المبدأ، فإن هناك اعتراضا آخر متعلق بكون تلك العبارات مطاطة فهي لا تشير إلى التفريق بين الإهانة والانتقاد أو التفنيد البحثي، أو التساؤل المجرد حتى.

بالإضافة إلى ذلك تحظر المادّة 298 على «جماعة القاديانيّين أو اللاهوريّين (الذين يسمّون أنفسهم بالأحمديّة)»، أن يطلقوا لقب «أمير المؤمنين» على شخص آخر غير الخلفاء الراشدين، أو أن يطلقوا لقب «أم المؤمنين» على نساء غير زوجات النبي، أو لقب «أهل البيت» على شخص من خارج عائلة الرسول محمد، أو أن يسموا مكان عبادتهم «مسجد» أو نداءهم على الصلاة «أذان»، أو أن يسموا أنفسهم مسلمين.

وتشير التقارير إلى أنه منذ ذلك الوقت، يواجه أكثر من 100 شخص اتهامات بالتجديف كل عام في باكستان، كثيرون منهم مسيحيون ومن أقليات أخرى، في حين تقدر لجنة العدالة والسلام التابعة لمجلس أساقفة باكستان، عدد الذين وضعوا تحت طائلة هذا القانون ب 993 شخصًا، بين عامي 1986 و2010.

ويلفت الباحث في الدراسات الشرقية «مارتينو دييتس» النظر هنا إلى مفارقة شديدة الأهمية، حول تاريخ قانون التجديف بباكستان، فيقول: «وقعت بين عامي 1927 و1986 في باكستان 7 حالات فقط من التجديف، في حين فاقت الحوادث بين عام 1986 وحتّى اليوم الألف، وكلّف القانون حول التجديف حياة أكثر من 20 شخصًا. ومع أنّه لم تنفّذ حتّى اليوم أحكام إعدام رسميّة (على الأرجح لتفادي ردود الفعل الدوليّة التي قد تثيرها)، إلا أنّه تمّ استهداف الكثير من المتّهمين في هذا النوع من القضايا، بواسطة الحشود الغضبة».

ولفهم مسألة الحشود الغاضبة، فإن أي شخص يتم اتهامه في هذا النوع من القضايا يغادر بلدته فورًا بعد انتهاء قضيته، لأن الأهالي عادة ما يفتكون به، ففي قصة آسيا بيبي التي ذكرناها سابقًا، يقول زوجها «عشيق مسيح»: «لا نستطيع المكوث في مكان واحد لفترة طويلة، نعيش بعيدًا عن أعين الناس، إنه أمر صعب خاصة على الأطفال، الذين لا يستطيعون الاستقرار أو الدراسة، إنها حياة غير طبيعية أن تعيش دائما في حالة من الخوف».

لذلك فإن التماس «مسيح» الذي أرسله لمؤسسة الرئاسة تضمن طلبًا مزدوجًا، وهو العفو عن زوجته ومن ثم السماح لها بمغادرة البلاد فورًا.

وفي هذا السياق، يذكر تقرير لجنة الحريات الدينية التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية لعام 2013: «إن المحاكم الباكستانية لم تنفذ حتى اليوم عقوبة الإعدام بحق المدانين بجرائم التجديف، إلا أن وجود هذا القانون، وعدم وجود ضمانات إجرائية، أسهم في حدوث عدد من الهجمات الانتقامية التي قام بها البعض بحق المتهمين بالتجديف، وبحسب الشهادات الواردة فإن اتهام 63 شخصا بجريمة التجديف خلال 2011 إلى 2013 أسهم في حدوث هجمات انتقامية استهدفت الأقلية المسيحية في باكستان».

ورغم اتهام الإسلاميين من الحين إلى الآخر للدولة، بأنها لو امتلكت الفرصة لغيرت هذا القانون الذي يثير عليها منظمات المجتمع الدولي كل حين، لكن الدولة الباكستانية قامت بشيء يخالف كل توقعات الإسلاميين المتشائمة بهذا الصدد، حيث تقدمت باكستان في أبريل (نيسان) عام 2009، باقتراح إلى لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، تطالب فيه بتعميم قوانينها حول التجديف على مستوى العالم، بدعوى أن هذا القانون يكفل حماية الأديان من السخرية، وهو الطلب الذي قابله بعض الكتاب الغربيين بالسخرية آنذاك، ورد أحدهم قائلًا: «سيكون مثيرًا للفضول، ما إذا تخيلنا أنه بفعل تطبيق مبدأ «حماية الأديان»، حُظر على الخطباء المسلمين في صدر الإسلام شجب الممارسات الوثنيّة للجزيرة العربيّة في الجاهليّة».

من المتضرر من القانون.. هل هم الفلاسفة؟

«ممَّا لا شكّ فيه، أنّ قوانين كتلك المتعلّقة بالتجديف، تهدف إلى الحفاظ على التوتّر الاجتماعي في البلاد، عبر إطالة وجود كبش محرقة (الأقليّات الدينيّة غير الإسلامية، وكذلك الطائفة الشيعيّة)، فتحمّلهم مسؤولية الفشل الاقتصادي والسياسي الذي يشهده تاريخ باكستان الحديث» – الباحث في الدراسات الشرقية «مارتينو دييتس»

أول ما يتبادر إلى الذهن حين نتحدث عن قانون التجديف، أن أكبر المتضررين منه هم المفكرين والفلاسفة والليبراليين، الذين يرغبون في حرية التفكير المطلقة، وألا يُقيدوا بأديان موروثة مسبقًا، وأن يمتلكوا الحرية الكاملة في المساءلة النقدية للموروث والسائد، حتى ما يتعلق بأساس الدين الرسمي للبلاد نفسه.

لكن نظرة متفحصة للواقع ستكشف أمرًا آخر، في الواقع لم تكن قضية تجديف السيدة الأمية آسيا بيبي استثناءً، وإليك نماذج من أهم قضايا التجديف التي أثيرت في السنوات الأخيرة بباكستان:

في عام 1998، حكم على المواطن «أيوب مسيح» بالإعدام، حيث اتهمه أحد جيرانه بأنه يردد عبارات التأييد للروائي البريطاني الشهير «سلمان رشدي»، والذي ناصبه معظم المسلمين العداء والرغبة في الثأر منه، حين أصدر روايته «آيات شيطانية». أثبتت محكمة الاستئناف الإدانة، لكن حين رفعت القضية إلى المحكمة العليا بباكستان تبينت الحقيقة، وأُثبت أن جار أيوب، قد استغل قانون التجديف، من أجل إدانة عائلة مسيح، ومن ثم الاستيلاء على أراضيهم، وتم الإفراج عن أيوب بعد ذلك.

وفي أغسطس (آب) 2012، حدثت قضية أخرى أخذت اهتماما أكبر من وسائل الإعلام العالمية، هي قضية الطفلة الأمية ذات ال 14 عامًا رمشا مسيح، والتي اتهمها رجل دين مسلم بأنها أحرقت صفحات من مصحف قرآني. أثارت القضية اهتمامَا واسعًا نظرًا للاشتباه في كون الفتاة مصابة بنوع من الخلل العقلي، ووجه المتضامنون مع الفتاة تهمة أساسية لرجل الدين بأنه ادعى هذا الأمر من أجل طرد المسيحيين من الحي، وبالفعل أفرج عن الفتاة فيما بعد وثبت أنها لم تحرق القرآن.

وفي مارس (آذار)2015، ضرب رجلان مسلمان طفلا مسيحيا يبلغ من العمر 15 عامًا، وأشعلا فيه النار؛ لأنه أخذ يفتخر ويجاهر بدينه المسيحي.

 

بالطبع لا يعني هذا أن كل قضايا التجديف يكون المتهمون فيها هم من الطبقات المقهورة، فعلى سبيل المثال تعرض المواطن محمد أصغر، وهو مواطن بريطاني للسجن، بتهمة ادعاء النبوة في إسلام آباد عام 2010، كما تنتظر حسناء بوليود النجمة «فيينا مالك» الآن حكم المحكمة العليا بالبلاد، بعد أن أصدرت المحكمة الباكستانية حكمًا عليها بالسجن 26 عامًا، بتهمة التجديف أيضًا، على خلفية مشهد قدمته في مسلسل تليفزيوني، كان مبنيًا على قصة زواج إحدى بنات الرسول محمد، لكن تظل أغلب قضايا التجديف متعلقة بأفراد ينتمون إلى الطبقات المتدنية.
يدافع الإسلاميون في باكستان عن قانون التجديف ويقولون: «نتعجب من أناس يقفون ضد قانونٍ يجرم سب النبي أو القرآن الكريم، إلا إذا كان هؤلاء المتربصين يضمرون شيئًا يريدون لأجله إلغاء القانون، ويبيتون النوايا بإطلاقِ ألسنتهم لسبِّ الرسول الكريم بدعوى حريةِ الفكرِ، إذْ ما الذي يُضيرهم من وجود تشريعٍ كهذا، ما داموا مواطنين صالحين يريدون العيش في سلام مع شركاء الوطن؟».

وكذلك حين تندد المنظمات الحقوقية العالمية بهذا القانون، يتركز التنديد على كون هذا القانون رجعيًا وينافي حرية الفكر التعبير.

وفي حين يرى الإسلاميون أن الإسلام مهدد من قبل عقول ماكرة وذكية، تهدف إلى التحرر من هذا القانون من أجل إعلان الحرب النقدية عليه، وزعزعة الإيمان في الصدور، وترى المنظمات الحقوقية الدولية أن هذا القانون يكبل حرية الفكر والتعبير، وكأن هذا القانون يتضرر منه الفلاسفة والمفكرون في المقام الأول، يقول لنا الواقع أن الأعداد الكبرى من الواقعين تحت طائلة هذا القانون هم من الأميين الذين يجهلون القراءة والكتابة، وليسوا نقادًا وفلافسفة قادمين للتو من عصر الباروك في أوروبا.

ويقول لنا الواقع أيضًا أن أغلب المتهمين في هذا النوع من القضايا، هم من الأقلية المسيحية، التي ينتمي غالب أبنائها إلى أفقر شرائح المجتمع، وذلك لكونهم عمالًا عاديين، ولا يمتلكون رؤوس الأموال، وجدير بالذكر هنا أن 86% من المسيحيين الباكستانيين يعملون عمَّالَ نظافة للصرف الصحي والمجاري، أو كخدم في المنازل، بالإضافة إلى عمل قطاع كبير منهم في السخرة من أجل تسديد ديونهم، حيث تنتشر ظاهرة وجود أجيال من أسر عالقة في حلقة مفرغة من الديون.

إن هذا هو الهيكل الرئيسي الذي يجعلهم عرضة لمختلف ألوان المشقة في الحياة، سواءً في تطبيقات قانون التجديف، وفي استغلال بعض المسلمين له من أجل تصفية الحسابات الشخصية، دون أن يتلقوا أي عقاب حين تكتشف الحقيقة، أو في مختلف تعاطيهم باعتبارهم أقليةً مع الطبقات المهيمنة في البلاد، ومع مختلف تفاصيل الحياة اليومية.

المصدر: ساسة بوست

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*