توماس فريدمان
يختلف فريق السياسة الخارجية في إدارة الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، الآن، على الخطوات المقبلة التي يتعين عليهم القيام بها في سوريا، ما بين إسقاط النظام، أو تكثيف المساعدات للمتمردين، أو الرد على أي هجمات جديدة على المدنيين الأبرياء، إلا أن هناك خطوة واحدة يبدو أن جميع أعضاء الفريق يتفقون عليها، وهى «هزيمة داعش»، ولكن لماذا؟.
فلماذا يجب أن يكون هدفنا الآن هو هزيمة «داعش» في سوريا؟، فصحيح أن هذا التنظيم ملعون، ويجب القضاء عليه، ولكن هل من مصلحتنا حقاً أن نركز فقط على هزيمته في سوريا الآن؟.
دعونا نفكر بشكل منطقى، في الواقع يتمثل وجود «داعش» في شكلين، الأول هو وجوده الافتراضى، وهذا الوجود يبدو شيطانياً، وقاسياً، وغير منظم، فهو ينشر أيديولوجيته عبر الإنترنت، ولديه أتباع في جميع أنحاء أوروبا، والعالم الإسلامى، وفى رأيى، أن «داعش» الافتراضى هو التهديد الرئيسى الذي يواجهنا، لأنه وجد طرقاً لضخ أيديولوجية جهادية سنية تلهم المسلمين المهمشين في المجتمعات، من لندن إلى باريس إلى القاهرة، لاستعادة كرامتهم عن طريق قتل الأبرياء.
أما الوجود الآخر للتنظيم فهو الموجود على الأرض أو «داعش الإقليمى»، والذى لايزال يسيطر على أماكن غرب العراق، وقطاعات أكبر في سوريا، وهدفه هو هزيمة نظام الرئيس السورى بشار الأسد، بالإضافة إلى حلفائه الروس، والإيرانيين، وحزب الله، وهزيمة النظام الشيعى المؤيد لإيران في العراق، لتحل محلهما الخلافة في دمشق وبغداد.
والتحدى رقم (1) الذي يواجهنا الآن هو أن «داعش» الافتراضى، الذي لديه شبكات في جميع أنحاء العالم، لن يختفى حتى لو تمت هزيمة «داعش» الإقليمى، وأعتقد أن «داعش» الافتراضى قد أصبح لديه القدرة الآن لإخفاء حقيقة أنه قد فقد الخلافة الإقليمية أمام أعدائه الرئيسيين: إيران الشيعية، وحزب الله، والميليشيات الموالية للشيعة في العراق، ونظام الأسد المؤيد للشيعة في دمشق، وروسيا، ناهيك عن أمريكا.
التحدى رقم (٢): هدف أمريكا في سوريا هو الضغط على الأسد، وروسيا، وإيران، وحزب الله، حتى يتفاوضوا على اتفاق تقاسم السلطة مع المسلمين السُنة المعتدلين، والذى من شأنه أيضاً أن يقلل من حصة الأسد من السلطة، وأحد الطرق للقيام بذلك هو قيام حلف «ناتو» بإنشاء منطقة حظر طيران آمنة حول محافظة إدلب، التي يتجمع بها العديد من المتمردين المناهضين للأسد، والتى قصف الأسد المدنيين بها، مؤخراً، بالغاز السام، ولكن يبدو بوضوح أن الكونجرس والجمهور الأمريكى متخوفون من مثل هذه الخطوة.
إذن ماذا يمكننا أن نفعل غير ذلك؟، الإجابة هي أنه يمكننا أن نزيد بشكل كبير من مساعدتنا العسكرية للمتمردين المناهضين للأسد، ومنحهم صواريخ كافية مضادة للدبابات، ومضادة للطائرات، لتهديد طائرات روسيا، وإيران، وحزب الله، وسوريا، المروحية والمقاتلة، وربما هذا يجعلهم يرغبون في بدء المفاوضات، وهذا الخيار جيد للغاية بالنسبة لى.
وماذا بعد؟، يمكننا ببساطة التراجع عن محاربة «داعش» الإقليمى في سوريا، وترك هذه المشكلة الكبيرة لإيران، وروسيا، وحزب الله، والأسد، مما سيجعلهم يقاتلون في حرب مزدوجة، حيث سيحاربون المتمردين المعتدلين من جهة، و«داعش» من جهة أخرى، ولكن إذا هزمنا «داعش» الإقليمى في سوريا الآن فإننا بذلك سنخفف من الضغط على الأسد، وحلفائه، وسنمكنهم من تكريس كل مواردهم لسحق المتمردين المعتدلين في إدلب، دون تقاسم السلطة معهم.
فأنا لا أفهم ما يقوم به ترامب، فهو يعرض هزيمة «داعش» في سوريا مجاناً، ثم الاتجاه بعدها لتعزيز المتمردين المعتدلين للأسد، لماذا؟، متى كانت آخر مرة قام فيها ترامب بأى شىء مجاناً؟.
هذا هو الوقت المناسب لترامب ليكون مثلما كان دائماً: شخص ساخر وغير متوقَع، فـ«داعش» الآن أكبر تهديد لإيران، وحزب الله، وروسيا، والميليشيات الشيعية الموالية لإيران، لأن «داعش» جماعة إرهابية سنية تلعب لعبة قذرة مثل إيران وروسيا.
ومن الطبيعى أن يرغب ترامب في هزيمة «داعش» في العراق، ولكن لماذا في سوريا؟، ليس مجاناً وليس الآن، فيجب على ترامب أن يجعل «داعش» في سوريا بمثابة صداع للأسد، وحلفائه، وذلك بنفس الطريقة التي شجعنا بها مقاتلى المجاهدين على استنزاف روسيا في أفغانستان.
فصحيح أننا على المدى الطويل نريد هزيمة «داعش» في كل مكان، ولكن السبيل الوحيد لذلك هو وجود سُنة معتدلين في سوريا والعراق، قادرين ومستعدين أن يحلوا محل التنظيم، وهؤلاء لن يظهروا إلا إذا كانت هناك صفقات حقيقية لتقاسم السلطة في دمشق وبغداد، وهذا لن يحدث إلا إذا شعر الأسد وحلفاؤه بالضغط لتقاسم السلطة.
نحن بحاجة إلى إبراز ما فعلته إيران وروسيا باعتبارهما العوامل التي مكنت سوريا من استخدام الغاز السام ضد الأطفال، وبالتأكيد لن يحبوا الأمر، ويجب على ترامب أن يستخدم صفحته على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر» بشكل استراتيجى، فالرئيس الأمريكى السابق، باراك أوباما، لم يلعب بهذه البطاقة أبداً، حيث يجب عليه انتقادهم بشكل يومى، فهذا سيكون له تأثير إيجابى.
فسوريا ليست دائرة الحياكة، ولكن الجميع هناك يلعب بشكل قذر، وبأساليب ملتوية، ودون رحمة، والآن نحن بحاجة إلى ترامب الذي يستطيع التعامل مع هؤلاء، فأين هو؟.
ترجمة- فاطمة زيـدان