السعودية تقتل مئات المهاجرين غير الشرعيين من أثيوبيا - مقالات
أحدث المقالات

السعودية تقتل مئات المهاجرين غير الشرعيين من أثيوبيا

السعودية تقتل مئات المهاجرين غير الشرعيين من أثيوبيا

رصيف22:

 

"تعرضنا لإطلاق النار متكرر. رأيت أناساً يُقتلون بطريقة لم أتخيلها قط. رأيت 30 شخصاً قُتلوا على الفور. دفعت نفسي تحت صخرة ونمت هناك. شعرت بأشخاص ينامون حولي. أدركت أن من اعتقدت أنهم أشخاصا ينامون حولي كانوا في الواقع جثثاً. استيقظتُ وكنت وحدي"... حمدية (14 عاماً).

"(عندما توقف إطلاق النار) أخذونا (حرس الحدود السعودي). كان في مجموعتي سبعة أشخاص، خمسة رجال وفتاتان. أجبرنا حرس الحدود على خلع ملابسنا وأمرونا باغتصاب الفتاتين. كانت الفتاتان تبلغان من العمر 15 عاماً. رفض أحد الرجال (المهاجرين). فقتله (حرس الحدود) فوراً... شاركت في الاغتصاب، نعم. للبقاء على قيد الحياة فعلت ذلك. نجت الفتاتان لأنهما لم ترفضا. حدث هذا في نفس المكان الذي وقعت فيه أعمال القتل"... جوهور (17 عاماً).

"عندما يرون (حرس الحدود السعودي) مجموعة (من المهاجرين)، يطلقون النار باستمرار، وعندما يقتلون الجميع، ينزلون لجمع كل من لم يمت. هذا ما حدث لي. نجوت وجاؤوا لرؤيتي وأظهروا لي الموتى. أخذونا إلى قمة الجبل ليظهروا كيف كانوا يقتلون الناس. ثم أخذونا إلى مركز احتجاز وضربونا جميعاً هناك"... إفتو، مهاجرة نجت من هجوم بالأسلحة المتفجرة.

"أخذونا (حرس الحدود السعودي) ونقلونا بالسيارة لمدة ساعة وربع إلى ‘معسكر‘ يشبه مركز قيادة لا سلكي - مكثنا هناك أربعة أيام، ثم بعد أربعة أيام أخذونا إلى الغار وأمرونا بالمغادرة من هناك. لم نحصل على أي دعم طبي (في المعسكر). حاول الناس إعطائي الماء لكن الحراس منعوهم. حذروا الناس من مساعدتي... طيلة الأيام الأربعة كنت أنزف وأنام في الخارج. لم يكن يوجد مرحاض في المعسكر لذا استخدم الجميع الغرفة (التي ننام فيها) كمرحاض. لذلك، لا يمكنك استخدام الغرفة للنوم. حصلنا على الطعام في يوم واحد فقط. كان هناك نحو 140 شخصاً في المخيم، معظمهم من النساء، وكانت هناك فتيات دون السن القانونية. بقينا جميعاً في نفس المكان، ولم يكن هناك فصل بيننا"... نور الدين، مهاجر أصيب برصاصة في رقبته.

جريمة ضد الإنسانية

هذه بضع من عشرات الشهادات التي تضمنها تقرير "̕أطلقوا علينا النار مثل المطر̔: القتل الجماعي على يد السعودية بحق المهاجرين الإثيوبيين على الحدود اليمنية-السعودية" الذي أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية، الاثنين 21 آب/ أغسطس 2023، كأدلة على اتهامها حرس الحدود السعودي بـ"قتل مئات المهاجرين وطالبي اللجوء الإثيوبيين الذين حاولوا عبور الحدود اليمنية السعودية خلال الفترة بين آذار/ مارس 2022 وحزيران/ يونيو 2023".

التقرير الصادر في 73 صفحة، وجّه اتهامات أخرى لحرس الحدود السعودي بتعذيب المهاجرين وطالبي اللجوء الناجين من القتل، وتعمّد إطلاق الرصاص على أجزاء في أجساد البعض منهم تسببت في حالات بتر وإصابات مزمنة، وعدم تقديم أي شكل من المساعدة الطبية والإنسانية للناجين المصابين منهم، والتحريض على ارتكاب انتهاكات جنسية وحوادث اغتصاب.

وأوضح التقرير أن الحرس السعودي "استخدم الأسلحة المتفجرة بشكل واسع النطاق ومنهجي لقتل المهاجرين" كما "أطلق  النار من مسافات قريبة على مهاجرين آخرين، بينهم نساء وأطفال" و"في بعض الحالات، كان حرس الحدود السعوديون يسألون المهاجرين عن الطرف في جسمهم الذي يودون أن يُطلق عليه النار، ثم يطلقون النار عليهم من مسافات قريبة".

وحذّر من أن هذه الحوادث "التي يبدو أنها مستمرة" ربما "تشكل جريمة ضد الإنسانية" إذا ثبت أنها "ترتكب في إطار سياسة حكومية سعودية لقتل المهاجرين". علماً أن اتهامات "هيومن رايتس" لحرس الحدود السعودي تستند إلى مقابلات مع 42 شخصاً من إثيوبيا، 38 منهم حاولوا عبور الحدود السعودية اليمنية خلال زمن التحقيق وأربعة أقارب/ أصدقاء لأشخاص حاولوا العبور خلال نفس الفترة. علاوة على تحليل أكثر من 350 فيديو وصورة نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي أو جُمعت من مصادر أخرى، ومراجعة صور الأقمار الصناعية.

وصف مهاجرون/ات ناجون/ ناجيات مشاهد مروّعة للقتلى والأشلاء المتناثرة. قال أحدهم: "كنت أتناول طعامي مع أشخاص أراهم قتلى لاحقاً. بات التعرف على البعض مستحيلاً لأن أشلاءهم متناثرة، في حين شُطر البعض إلى نصفين".

ووصف مهاجرون/ ات كيف تعرضوا لهجوم بقذائف الهاون وأسلحة متفجرة أخرى من طرف حرس الحدود السعودي بمجرد عبورهم الحدود، في حين أُطلقت النار على آخرين، وتعرض غيرهم للضرب بالحجارة والقضبان المعدنية على أيدي الجنود. عدد آخر قال إنه تعرض للاستهداف حال محاولته العودة لليمن مرة أخرى.

وتحدث مهاجرون وطالبو لجوء عن ظروف احتجاز غير آدمية. قالت منيرة إنها أوقفت في "مركز احتجاز رسمي" في الدائر في منطقة جازان المتاخمة لمحافظة صعدة اليمنية، لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليال، مردفةً "لم نتمكن من الجلوس والنوم. كان علينا أن نقف. كان المرحاض يفيض والأرض مبللة ببراز بشري. البلل على الأرض... وصل إلى أعلى الكاحل. كنا نسير في ماء المرحاض. أصِبنا بالالتهابات بسبب ذلك. مرض الناس. كانت كارثة".

واستدركت "هيومن رايتس" في تقريرها بأنه على الرغم من توثيقها مقتل مهاجرين على الحدود بين اليمن والسعودية منذ عام 2014، إلا أنه "يبدو أن حالات القتل المستهدِفة تعكس تصعيداً متعمداً من حيث عددها وأسلوبها".

رحلة مليئة بالانتهاكات

يعيش ويعمل نحو 750 ألف إثيوبي في السعودية. وغالباً ما يهاجر الإثيوبيين إلى البلد الخليجي الغني لأسباب اقتصادية، وللخلاص من النزاع المسلح الوحشي في بلدهم الأصلي. 

لكن رحلة الهجرة إلى السعودية حافلة بالمخاطر والانتهاكات الحقوقية أيضاً. روى مهاجرون/ات لهيومن رايتس ووتش عن صعوبة الرحلة التي تبدأ بعبور خليج عدن من جيبوتي إلى عدن في قوارب مكتظة وغير صالحة للإبحار، مع قدر صغير من الطعام والماء، ثم فصلهم من قبل المهربين اليمنيّين في مجموعات وفقا لإثنيتهم الإثيوبية.

المرحلة التالية تتمثل في نقلهم إلى محافظة صعدة، الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين المسلحة، على الحدود مع السعودية بحيث يضع المهربين التيغرانيين منهم في مخيم غير رسمي للمهاجرين يُدعى "الرّقو"، والمهاجرين الأوروم في مخيم "الثابت". قال مهاجرون/ات إن عشرات آلاف المهاجرين في المخيمين ينتظرون دورهم لعبور الحدود إلى السعودية في مجموعات تضم الواحدة منها 200 شخص.

كل هذه المراحل يخضع فيها المهاجر/ة لشبكة من المُهرّبين والمتاجرين بالبشر الذين يعتدون عليهم جسدياً ويبتزونهم لأخذ المزيد من الأموال أو من أقاربهم في إثيوبيا أو السعودية.

وأخبر العديد من المهاجرين/ات "هيومن رايتس" بأن الحوثيين يتحكمون في الدخول إلى المخيمات والخروج منها وبأنهم يعملون مع المهربين للتحكّم في إقامتهم في صعدة. تحدث البعض منهم عن ابتزاز الحوثيين المهاجرين بنقلهم إلى مراكز احتجاز تشهد انتهاكات حقوقية ليدفعوا رسوم الخروج.

على مسافة ليست بالبعيدة، تمكن مشاهدة مجموعات من حرس الحدود السعودي وهم يقومون بدوريات في المنطقة الحدودية حاملين بنادقهم أو في سيارات أو مركبات كبيرة مع ما يبدو أنها قاذفات صواريخ مثبتة في الخلف بحسب مقابلات "هيومن رايتس".

تحسين صورة السعودية

وعن مسؤولية حرس الحدود السعودي، واعتداءاته على المهاجرين/ات وطالبي/ات اللجوء، قالت الباحثة في حقوق اللاجئين والمهاجرين في هيومن رايتس ووتش، نادية هاردمان: "في هذه المنطقة الحدودية النائية بعيداً عن أنظار العالم، يقتل المسؤولون السعوديون مئات المهاجرين وطالبي اللجوء. إنفاق المليارات على شراء بطولات المحترفين للغولف، ونوادي كرة القدم، وفعاليات ترفيهية لتحسين صورة السعودية ينبغي ألا يصرف الانتباه عن هذه الجرائم المروعة".

وبرغم "الإصلاحات" الاجتماعية والاقتصادية التي أدخلها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة، والانفتاح الواسع وإلغاء العديد من القيود على الحريات الشخصية بما يف ذلك الفصل بين الجنسين في الأماكن العامة ومنح المرأة حق قيادة السيارة وغيرها، إلا أن الاتهامات الموجهة لحكومته باستهداف واعتقال أصحاب الرأي المخالف والمعارضين ونشطاء/ ناشطات حقوق الإنسان حاضرة بقوة.

وتتحدث جماعات حقوق الإنسان المعنية بـ"معتقلي الرأي" في المملكة بانتظام عن حالات تعذيب وانتهاكات أخرى من بينها الحبس الانفرادي والحرمان من العلاج وغيرها، بل وعن "اتجاهات جديدة مقلقة" للتعذيب في عهد بن سلمان.

وفي ختام تقريرها، حثّت "هيومن رايتس" السعودية على "أن تلغي فوراً وبسرعة أي سياسة، سواء كانت صريحة أو بحكم الأمر الواقع، للاستخدام المتعمد للقوة القاتلة ضد المهاجرين وطالبي اللجوء" و"التحقيق بسرعة في أفعال عناصر الأمن المسؤولين عن الانتهاكات وتأديبهم أو ملاحقتهم قضائياً".

وخاطبت الحكومات المعنيّة من أجل "دعوة السعودية علناً إلى إنهاء أي سياسة، سواء كانت صريحة أو بحكم الأمر الواقع، لاستهداف المهاجرين" و"الضغط من أجل محاسبة أي مسؤولين سعوديين كبار تأكّد تورطهم في عمليات القتل الجماعي المستمرة بحق المهاجرين وطالبي اللجوء".

وناشدت الأمم المتحدة "فتح تحقيق مدعوم" في الاتهامات الموجهة لحرس الحدود السعودي وذلك "نظراً إلى خطورة الانتهاكات الواردة في هذا التقرير".

رصيف 22

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث