من يكتب تاريخ الكنيسة القبطية...كهنة أم أعيان؟ - مقالات
أحدث المقالات

من يكتب تاريخ الكنيسة القبطية...كهنة أم أعيان؟

من يكتب تاريخ الكنيسة القبطية...كهنة أم أعيان؟

محمد الكفراوي:

 

يزخر التاريخ القبطي بالعديد من القضايا والظواهر المسكوت عنها، أو التي لم يتم تناولها بجرأة وصراحة وتوثيقها بأمانة وإخلاص، إلا فيما ندر.

مرت الكنيسة القبطية المصرية منذ استقرت في نهاية عصر الشهداء (العقد الثاني من القرن الرابع الميلادي) حتى اليوم، بتحولات كثيرة، أثرت على طبيعة السلطة الكنسية وعلاقتها بالسلطة الحاكمة، وكذلك على العلاقة بين رجال الدين (الإكليروس) والعلمانيين والأعيان، إذ شهدت هذه العلاقات منحنيات زمنية قد تكشف عن تاريخ آخر للكنيسة يتقاطع مع التاريخ الرسمي.

دعونا نتساءل في البداية من يكتب تاريخ الأقباط، العلمانيون أم رجال الدين؟ هذا السؤال طرحه الباحث والمفكر المصري الدكتور مجدي جرجس أستاذ الوثائق بجامعة كفر الشيخ، والمستشار العلمي للمعهد الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة، في كتابه"نصوص وقراءات حول تاريخ القبط من القرن التاسع حتى التاسع عشر" الصادر حديثاً عن دار المرايا بالقاهرة.

في هذا الكتاب، وكتابه الآخرالصادر عن الدار نفسها تحت عنوان "المعلم إبراهيم جوهري... سيرة مصرية من القرن الثامن عشر"، يتناول جرجس العديد من القضايا الشائكة من خلال تحليل وقراءة الوثائق والمخطوطات، والبحث في الأرشيفات المختلفة عن الروابط التي تشكل ظواهر يمكن أن يُبنى عليها سرد تاريخي خارج أسر السرد ذي الصبغة الكهنوتية، يسعى لرصد حقيقة تاريخ اقباط مصر كأفراد ومواطنين، فيستقصي ما جرى في الماضي، ويفسر بعض ما يحدث في الحاضر، وربما يعطينا إشارات للمستقبل.

من الظواهر المهمة التي يرصدها جرجس، الخلاف بين الكنيسة القبطية المصرية والكنيسة الرومانية، وكان الخلاف حول طبيعتي المسيح المتحدتين بلا امتزاج (اللاهوت والناسوت) وهو الرأي الذي تمسكت به الكنيسة الأرثوذكسية وتحت لوائها الكنيسة القبطية المصرية، في مقابل الطبيعة الثنائية للمسيح) انفصال الإله عن الإنسان) وهو الرأي الذي تمسكت به كنيسة روما، وأغلبية كنائس العالم في مجمع خلقيدونية (451 ميلادية) واتهموا الكنيسة المصرية ومن حذا حذوها بالهرطقة.

مما جعل الكنيسة المصرية تستقل عن روما، وتستدعي التراث المصري القديم وتتبنى اللغة القبطية بدلاً من اللاتينية كلغة شعائر، فأعادت إحياء تلك اللغة والطقوس والأعياد المصرية القديمة مع تغيير اسمها لتناسب العقيدة المسيحية، حتى فيما يتعلق بالآلهة المصرية القديمة – ما يعرف بآلهة الأقاليم – حل محلها في وجدان المصريين القديسون والشهداء الذين يمثلون ركناً أساسياً في الثقافة والتاريخ القبطيين. لذلك سميت الكنيسة القبطية كنيسة الشهداء.

اللغة والإيمان

يتناول جرجس في كتابه الأخير "نصوص وقراءات حول تاريخ القبط" العديد من الظواهر المسكوت عنها أو المخفية، والتي يظهر منها تأثير وصول الدين الجديد القادم من صحراء الشرق على الكنيسة المصرية وعلى الأقباط، منذ لقاء عمرو بن العاص أول حاكم مسلم لمصر بالبابا بنيامين الأول (623 – 662م) وكيف رتب هذا اللقاء أحد الوجهاء الأقباط ويدعى ألتكس سانوتيوس "المحب للمسيح"، في إشارة إلى الدور الذي لعبه الأراخنة (الأعيان العلمانيون) منذ البدايات في التقرب والتعامل مع السلطة، إذ أعطى عمرو بن العاص صلاحيات للبطريرك ليستعيد ممارسة سلطاته على طائفته ويسترد كنائسه قائلاً له نصاً: "جميع بيعك ورجالك اضبطهم ودبر أحوالهم".

إلا أن التأثيرات الإسلامية على الأقباط تمددت سريعاً ليكون لها أثر لا على الدين الاقتصاد وشؤون الحكم ورفاهية وأمن الأفراد فقط، وانما امتدت إلى ثقافتهم وعلاقتهم بتاريخهم وبالكنيسة، خاصة بعد تعريب الدواوين في عهد عبد الملك بن مروان (705 ميلادية)، واستخدام اللغة العربية بشكل رسمي، ليصبح كبار الأعيان والكتبة والصيارفة الأقباط، أي طبقة المتعلمين في مصر، في مقدمة المتأثرين بهذا الأمر. فبدأت في أوقات لاحقة تظهر سمات الثقافة الإسلامية حتى في لغة المخاطبات والمراسلات البينية داخل الكنيسة. فيرسل أحد الأراخنة القبط رسالة للبابا مقارة التاسع والستين (1102 – 1128) يعزيه في وفاة أسقف مصر، ويبدأ رسالته بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" فيرد عليه البطريرك برسالة يبدأها أيضا بالبسملة، وكان البطريرك مقره في الأسكندرية والأسقف مقره في مدينة مصر (الفسطاط) حيث عاصمة الدولة وحاكمها المسلم.

وهناك نماذج أخرى كثيرة على لغة الخطاب الإسلامي في المكاتبات القبطية، فحين تتم الإشارة لجولات السلطان مثلاً يقولون "مولانا حفظه الله". والأمر لا علاقة له بإيماءات لترضية المسلمين، فهذه رسائل بينية داخلية في الكنيسة، لكنها دالة على تغلغل بعض مظاهر ثقافة المسلمين الوافدين الذين استقروا في البلاد وحكموها في المجتمع القبطي، ووصف المؤلف المجتمع القبطي بأنه أصبح في فترة معينة عربي اللغة إسلامي الثقافة.

أموال الأقباط

يرصد الكتاب كذلك تخصيص بعض الوقف القبطي للصرف على أماكن الحج الإسلامية، مثل الحرمين الشريفين والحرم الإبراهيمي في الخليل، ومنها وقف خصصه أحد البطاركة بنفسه، وأوقاف أخرى خصصتها العامة وليس رجال الدين، للحرمين الشريفين في مكة والحرم القدس أيضاً، ويبدو أن هذا يعود للثقافة الشعبية التي تعلي وتقدس من قيمة مزارات الحجاج بصرف النظر عن الديانة، فقد كان هناك نوع من الود المتبادل ولم تظهر الرؤية الغيرية المتعصبة ضد الآخر في تلك الأزمنة.

تعدد الزوجات

ومن التأثيرات الإسلامية، أيضاً تشبه أعيان وأثرياء القبط بأثرياء المسلمين في تعدد الزوجات والتسري بالجواري "ملك اليمين" على الرغم من مخالفة ذلك للإيمان المسيحي القبطي، وهو الأمر الذي امتد لفترة طويلة. وكانت تلك الظاهرة - بحسب الوثائق التي يتناولها الكتاب- شائعة جداً بين الأقباط، كما كان الطلاق بأنواعه من تطليق وخلع وخلافه يتم بمنتهى السهولة بين الأقباط ولأبسط الأسباب وليس فقط لعلة الزنا.

وما زالت قضية الطلاق وترميم وبناء الكنائس تمثلان حتى الآن معضلتين كبريين لدى الأقباط. ووصل أمر الصراع بين الأعيان ورجال الدين حول مسألة التسري وتعدد الزوجات إلى درجة القتل، فخلال فترة البابا يوأنس الخامس عشر (1619 - 1628)، كان البابا في جولة بالصعيد ونزل ضيفاً على أحد الوجهاء الأقباط في أبنوب (مدينة في أسيوط الحالية) وكان هذا الرجل معروفاً بالتسري، أي أن لديه العديد من النساء ملك اليمين، وحين عرف البابا بهذا الأمر خاف أن يسكت عليه فيكون سنة بين الجميع، وموافقة ضمنية من البابا على التسري. وخشي أيضاً من مواجهة القبطي الثري، لكنه في النهاية نهاه عن هذا الأمر فدس له الثري القبطي السم في الطعام فمات مسموماً.

وبخلاف الأعيان هناك عائلات قبطية كاملة عُرفت بتعدد الزوجات واللجوء للمحاكم الشرعية، ومنها عائلة "صدقة" التي كانت تعيش في مصر القديمة وتعمل في صناعة الزيت الحار، وتم حرمانها كنيساً وطُلب من شعب الكنيسة مقاطعتهم وعدم التعامل معهم: "لا يدخلون الكنيسة ولا تشترون منهم ولا سلام ولا كلام".

سلطة الأراخنة (العلمانيين)

سلطة الأراخنة أو الأعيان العلمانيين تجلت في شخصية المعلم إبراهيم جوهري، وهو موضوع الكتاب الثاني، الذي كان يسيّر شؤون الطائفة وخصص له مجدي جرجس كتاباً كاملاً، كسيرة مصرية في القرن الثامن عشر، حيث توفي عام 1795، وكان كبير المباشرين ولديه نفوذ كبير وهو الذي أسس مقر البطريرك في حارة الروم، وتم رسمه رسمياً كقديس عام 1951، رغم عدم انتمائه لسلك الإكليروس. ليكون واحداً من قلائل من العلمانيين الذين لم ينخرطوا في سلك الكهنوت والرهبنة الذي يرسم قديساً، إلى جانب أربعة نماذج أخرى في القرنين الرابع عشر والخامس عشر تم اعتمادهم قديسين، وهو ما رصده جرجس مقارنة بما ذكرته نيللي حنا عن انتشار ظاهرة الأولياء في القرن الثالث عشر مثل إبراهيم الدسوقي والسيد البدوي وغيرهما.

التاريخ من منظور اقتصادي

يتناول مجدي جرجس التاريخ من منظور اقتصادي أقرب للمنظور الماركسي، إذ يرصد دور رأس المال في حركة التاريخ، ويرصد فكرة الهوية القبطية وتحول المؤرخين من الكتابة عن الطائفة إلى الكتابة عن الأمة القبطية، في مقابل الجامعة الإسلامية التي صك مصطلحها جمال الدين الأفغاني في النصف الأخير من القرن التاسع عشر.

وعن تناول المسكوت عنه في التاريخ القبطي يقول مجدي جرجس لرصيف22: "القضايا التي تناولتها في الكتاب ربما تكون مسكوتاً عنها في الأكاديميات المحلية، ولكنها مطروحة بقوة في الأكاديميات الدولية منذ زمن طويل، ولدى الأقباط مشكلة كبيرة مع قضية التعريب واللغة العربية كهوية، فهذا الأمر حساس للغاية، وأنا شخصياً لدي تصور مختلف عن التصور القومي حول فكرة اللغة، فهي وسيط ثقافي يتغير طوال الوقت وقد تغيرت اللغة لدينا من الهيروغليفية إلى اليونانية ثم إلى القبطية ثم إلى العربية، فهي ليست دليل هوية. ولكن اللغة تظل عاملاً شائكاً لارتباطها بفكرة القداسة، مثل العبرية لدى اليهود، والقبطية لدى الأقباط، والعربية لدى المسلمين. فأصبح التعامل مع هذه اللغات مرتبطاً بسؤال الحداثة والدولة القومية في القرن التاسع عشر، وهي منطقة شائكة ومشبعة بالعواطف".

ويضيف: "من بين المداخل التي يمكن من خلالها تناول التاريخ القبطي، المدخل الاقتصادي، وهو أقرب للتصور الماركسي في بنية التاريخ. ففي رأيي لن نفهم ظاهرة ثقافية دون تحليل بنيتها الاقتصادية، وقد حدث تحول مخيف للطائفة القبطية على المستوى الاقتصادي بعد دخول العرب مصر؛ إذ كانت الكنيسة غنية جداً، ثم أصبحت فقيرة وتعتمد في دخلها على الأعيان مما جعل لهم دوراً كبيراً في إدارة شؤون الطائفة وفرض سلطتهم وثقافتهم، ومن ثم انتشر التعريب لمحاولة الأعيان التأقلم مع الحكم الجديد في كل شيء، والدور الاقتصادي للأعيان أفقد الكنيسة الكثير من نفوذها. ويمكننا القول إن الأقباط تعربوا وتأسلموا اقتصادياً من باب الوجاهة".

ويشير إلى أن اللغة كانت تابعاً لهذا التغير الاقتصادي والاجتماعي، ولم تكن مفروضة سياسياً. كما أنها لم تنتشر بين يوم وليلة وإنما احتاجت إلى عقود وأجيال.

الدولة تحاصر البحث التاريخي

وحول طبيعة الوثائق التي استند إليها يوضح جرجس: "كنت وأبناء جيلي محظوظين في فترة عملنا بدار الوثائق في التسعينيات، حيث كان الاطلاع على الوثائق يسيراً على عكس الوضع الآن، إذ يواجه الباحثون معوقات كثيرة للاطلاع على المجموعات الأرشيفية بدار الوثائق. فقد يستغرق الحصول على تصريح للاطلاع على الوثائق عامين، وقد ينتهي العامان برفض التصريح. لكنني عملت في مرحلة المرونة".

ويأسف جرجس لما يراه "قصوراً في فهم وظيفة وقيمة الوثائق والأرشيف المصري"؛ مما جعل مراكز الأبحاث تُسقط مصر من منظومة دراسات الشرق الأوسط، مقارنة بأرشيفات أخرى تيسر وتساعد الباحثين، مثل الأرشيف التركي، أما الأرشيفات الفرنسية التي تحتفظ بمجموعات مهمة عن مصر في العصر العثماني، فالتعامل معها "في غاية المرونة". يقول جرجس: "أحصل على التصريح في نفس اليوم وأقوم بتصوير ما أريد. حدث هذا معي في أرشيف وزارة الحربية الفرنسية، فمفهوم النشر والإتاحة عندهم هو الأهم، بينما لدينا في مصر التخزين هو الأهم".

أتيحت لجرجس فرصة دخول أرشيف البطريركية عام 1993 بتوصية من المؤرخ المصري الراحل الدكتور رؤوف عباس، الذي أرسل توصيته للبابا شنودة الثالث - بابا الإسكندرية الراحل-. يقول: "طلبت من البابا أن أستفيد من مجموعة الوثائق الشرعية في تحضير رسالة الدكتوراة".

وعن أكثر الأرشيفات التي يمكن الاستفادة منها في كتابة التاريخ الحقيقي بعيداً عن التاريخ الرسمي أو المسيس يقول جرجس: "لدينا ثراء في الأرشيفات الخاصة غير الرسمية، أرشيفات الشركات والنوادي أو النقابات وحتى الأرشيفات الخاصة بالأسر، لأن كل هذه الأرشيفات غير مسيسة. ونحن لدينا مشكلة كبيرة في الأرشفة التاريخية، فالأرشيف التاريخي موجه ومسيس، الحكام يختارون ما يُحفظ وما يُستبعد".

بالعودة إلى طرح مجدي جرجس في كتابه "نصوص وقراءات حول تاريخ القبط" الذي يتساءل من خلاله: من الذي يكتب تاريخ الأقباط؟ هل هم العلمانيون أم رجال الدين؟

نجد أنه لم يقدم إجابة سهلة، لكنه ركز على أدوار لعبتها أسماء بعينها في رصد ما قد يساعدن على الوصول إلى إجابة عن هذا السؤال، مثل الدور الذي قام به الصفي أبو الفضائل بن العسال، الذي ألف الكتاب الشهير بـ"المجموع الصفوي"، والذي تضمن مجموعة القوانين الكنسية في القرن الثالث عشر.

وضع الكتاب نحو عام 1239 ميلادية، وقسمه الصفوي وفقاً للطريقة الشافعية تأثراً بعلماء المسلمين، فجاءت أقسامه مجزأة إلى فقه العبادات وفقه المعاملات من دون التصريح بذلك.

وقد هاجم البابا شنودة الثالث (1923 – 2012) هذا الكتاب واعتبره غير ملزم للكنيسة لأن كاتبه علماني، أي ليس من رجال الدين، إلا أن الكنيسة اعتمدت على هذا الكتاب لقرون طويلة.

يقول الدكتور مجدي جرجس واضع الكتابين لرصيف22: "هناك معضلة كبيرة في تناول التاريخ القبطي. هل نتناول تاريخ الطائفة أم المواطنين؟ هل نرصد تاريخ الكنيسة أم المعاملات اليومية بين الناس؟ حين نقول الفترة القبطية يغضب بعض الناس، رغم أنها مصطلحات اتفقنا عليها، ويمكن أن تكون غير دقيقة لكنها دالة. المشكلة الأخرى أن التاريخ يكتب بهيمنة سياسية، وأبسط دليل على ذلك هو التحقيب المسيَّس، ونسبة الحقب للحكام، مثل التاريخ الفرعوني أو الفارسي أو الروماني".

ويضيف: "حين أتحدث عن تاريخ الكنيسة لا أتحدث عنها في الحقيقة، بل عن الذين يقعون في دائرة خدمة الكنيسة. فحتى أواخر القرن التاسع عشر، كان 80% من القبط يعيشون في الريف بعيداً عن المدن، حيث لا توجد كنائس لديهم ولا يعرفون ما هي الكنيسة. عادة ما تركز الدراسات على المدن وتعمم النتائج على جميع السكان. وهي ليست مشكلة الدراسات القبطية فقط، بل أيضاً دراسة المجتمعات الإسلامية".

ويتابع جرجس أن لدينا ما يعتبره مشكلة منهجية، تتمثل في الانتباه إلى الهيراركية الاجتماعية: "الكنيسة مؤسسة لها علاقة بالدولة مباشرة، وعلى الأقباط أن يسعوا أكثر لتذويب الهويات الدينية، قبل الحملة الفرنسية كان تمثيل الأقباط في المجتمع غير ديني، بعد ذلك تم التعامل معهم كمغاير ديني، من المفروض أن يكون تمثيلهم اجتماعياً وليس دينياً".

وحول كتابه عن المعلم إبراهيم جوهري يقول: "تعاملت معه كرمز اجتماعي وليس ديني، ففي هذا الكتاب تناولت تاريخ مصر في تلك الفترة من خلال شخصية قبطية دورها الديني هامشي، فقد أخرجته من إطاره الديني الضيق كقبطي مسيحي إلى الإطار الأوسع كمصري، ورصدت كل التغيرات التي مرت بمصر خلال منتصف ونهاية القرن الثامن عشر من خلال إبراهيم جوهري".

وحول تخصص كتاباته في التاريخ القبطي بشكل عام، قال: "ممكن أن يساهم التاريخ القبطي في كشف جوانب غامضة في التاريخ المصري، فيمكننا مثلاً من خلال شخصية إبراهيم جوهري أن ندرك كيفية تراكم رأس المال في العصر العثماني".

وحول ما إذا كانت كتابته في المسكوت عنه في تاريخ المجتمع القبطي ومدى اتساق الوثائق مع السرديات الشائعة، وإن كان ذلك قد أدى لصدام بينه وبين الكنيسة، يقول جرجس: "لا صدام! بالعكس، الكتابة العلمية غير العاطفية تحترم عقل القارئ، وما أكتبه هو محاولة للولوج إلى مناطق مجهولة في التاريخ القبطي. كتاباتي ليست في العقيدة أو اللاهوت، وقائمة على منهجية. لذلك لا يوجد أي صدام أو رد فعل سلبي. والبطريرك الحالي -البابا تواضروس الثاني- صديقي، وكان من الممكن أن يكتب لي مقدمة الكتاب، لكنني لا أريد تأطير الكتاب ليصبح ذا صبغة رسمية أو كنسية فهو كتاب للقارئ العام، لذلك اخترت دار نشر مستقلة ليتاح الكتاب دون وصمه بالانتماء أو الانتساب لاتجاه بعينه، كذلك لا أحبذ أن أتحدث عن كتاب إبراهيم جوهري في أماكن دينية، فهو كتاب بحثي تاريخي غير محمل بأي عواطف أو توجهات، التزاماً بالدقة العلمية أحرص على أن أكون خارج النص الذي أكتبه".

رصيف 22

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*