العنكبوت المقدس..من يوقف عنف الملالي ضد النساء؟ - مقالات
أحدث المقالات

العنكبوت المقدس..من يوقف عنف الملالي ضد النساء؟

العنكبوت المقدس..من يوقف عنف الملالي ضد النساء؟

ميرهان فؤاد:

 

طالما كانت إيران مصدر سحر بالنسبة لي، حلمت كثيراً بالسفر إليها لزيارة قبر عباس كياروستامي وفروغ فرخزاد، وتناول الطعام الإيراني المشهور بالزعفران، وزادت الاحتجاجات الإيرانية الأخيرة من ولعي بالسحر الإيراني. هذه الاحتجاجات التي تتسم بطابع نسوي، أو يمكن أن نطلق عليها ثورة نسوية، جاء شعارها "امرأة، حياة، حرية"، إثر مقتل الشابة مهسا (جينا) أميني ذات الاثنين وعشرين ربيعاً، بعد اعتقالها على يد شرطة الأخلاق، لأن "حجابها سيء"، وبالتزامن مع متابعتي لهؤلاء الشباب/الشابات الملهمين/الملهمات شاهدت فيلم "العنكبوت المقدس" للمخرج علي عباسي، إيراني مقيم بالدنمارك، وهو فيلم يحكي أيضاً عن النساء.

القاتل البطل

صُوّر هذا الفيلم في الأردن. يقول عنه عباسي: "إنه صوّر كل شيء يستحيل عرضه في إيران". الفيلم (بطولة زهرا أمير إبراهيمي)، يدور حول قاتل متسلسل، يستدرج عاملات بالجنس ليقتلهن بعد ضربهن بوحشية، ليطهّر مدينة مشهد الإيرانية، التي تحتوي على ضريح الإمام الرضا، من الدنس.

فتيات بائسات يخرجن ليلاً للحصول على أموال قليلة، أو بعض الفاكهة قبل أن يسقطن مغشيات عليهن بسبب قلة الطعام، لكن لا يعرفن أنهن سيلقين حتفهن على يد قاتل متسلسل، يريد أن يتقرّب بهن إلى الإمام الرضا، وتقوم زهرا أو (رحيمي) بالفيلم بدور صحفية جريئة تغطي حوادث القتل المتسلسلة وتتقصى عن الرابط بين هؤلاء النساء. ولأن مآسي النساء تتقاطع، فزهرا في الحقيقة هي ممثلة إيرانية اضطرت للعيش في المنفى بسبب تسريب فيديو جنسي لها.

تُعامل المدينة القاتل على أنه بطل لأنه خلصهم من "النساء الفاسدات"، يعطي البائع الخضروات لابنه بالمجّان، ويخبره أن يبقي رأسه مرفوعاً، الأمر الذي ذكّرني بشاب مصري يدعى محمد عادل، قام بذبح فتاة أمام جامعتها على مرأى ومسمع الجميع، في حزيران/ يونيو 2022، وبالرغم من هذا الحادث البشع، إلا أننا فوجئنا بصفحات تتعاطف مع القاتل، لا نعرف إن كانت حملات ممنهجة أم عفوية، لكن الأكيد أنها كانت مرعبة. نشر هؤلاء صوراً للفتاة المقتولة، من حسابها الشخصي، ليدلّلوا على أنها ليست "ضحية جيدة" بما يكفي.

وتولى أيضاً المحامي الراحل فريد الديب، أحد أشهر المحامين المصريين ومحامي الرئيس الأسبق حسني مبارك، القضية، وهو لغز لم يستطع أحد حله حتى الآن، بينما برّر الديب توليه القضية بأنه يدافع عن متهم بجريمة ولا يدافع عن الجريمة ذاتها، لكن بالتأكيد مقتل فتاة في وضح النهار وتولي أشهر محامي مصر الدفاع عن القاتل هو أمر دال عن مدى تردي أحوال النساء في مصر، اللواتي أصبحت يخفن من مجرد السير بالشارع، وبعد أن كن يخفن التحرّش، أصبحن يخفن القتل.

وبالعودة إلى الفيلم، تبدو الصحفية رحيمي مهتمة بالفعل بتحقيق العدالة لهؤلاء النساء والعثور على الجاني، على عكس رجل الشرطة الذي يخبرها بأنه ينتظر حتى يرتكب القاتل المتسلسل خطأً ما يستطيعون بعدها كشفه، لكن ماذا لو لم يخطأ؟ تسأل زهرا الشرطة، كيف يمكن ألا تجدوا دليلاً واحداً وسط كل هذه الجرائم؟

قصص النساء جديرة بأن تُروى كلها من دون استثناء. من المهم أن تُوثَّق وأن تُسمَع، لعلها تُحدث فرقاً، ولو كان صغيراً في البداية. شاركينا في أن نكون النسخ التي نسعى إلى أن نكونها ضمن مجتمعاتنا العربية. شاركونا بما يدور في رؤوسكم حالياً؟ غيّروا، ولا تتأقلموا!.

يبدو تراخي الشرطي في البحث عن القاتل مفهوماً في سياق أن ضحاياه نساء، و"فاسقات" ومدمنات وحياتهن ليست ثمينة، والأمر ذاته حدث مع نيرة، فقد ظلت طوال عامين تُبلغ الشرطة عن رسائل تهديد التي تصلها من شخص يطاردها، لكن أحداً لم يفعل لها شيئاً، حتى نفذ القاتل تهديده في وضح النهار.

لماذا تُقتل النساء؟

يُطلق مصطلح femicide، أو القتل المرتبط بالجنس، على قتل النساء بسبب نوعهن، أو بسبب الصور النمطية المنتشرة عنهم، أو بسبب التمييز ضد النساء، أو علاقات القوى غير المتكافئة بين النساء والرجال، فتُقتل امرأة لأنها منحرفة السلوك في رأي القاتل، أو لأنها لوّثت شرف أبيها أو زوجها أو أي ذكر آخر، أو تُقتل لأنها رفضت الارتباط، مثل نيرة وسلمى بهجت، وهي فتاة مصرية أُخرى قُتلت بعد نيرة بشهور قليلة بنفس الطريقة، وغيرهن كثيرات، وقتل النساء بسبب جنسهن ظاهرة عالمية، ففي عام 2021 سجّلت آسيا مقتل 17800 ضحية، وسجّلت إفريقيا 17200، بينما سجلت الأمريكيتين 7500.

بالفيلم، يقوم الشرطي بالتحرّش بالصحفية رحيمي، لأنها تبدو متحرّرة، تدخن التبغ وتعيش بمفردها، ويخبرها جملة كاشفة، قائلاً: "ماذا ستفعلين؟ هل ستخبرين الشرطة؟"، فيأتي العنف ضد النساء الإيرانيات وكراهيتهن بدعم الدولة ومباركتها، عنف من الدولة الثيوقراطية المقدسة، ويبدأ عنف الدولة بفرض الحجاب الإلزامي على الإيرانيات، وإلا تعرّضن للاعتقال، ففي أيلول/سبتمبر الماضي، تعرّضت فتاة تدعى دونيا راد للاعتقال، لا لسبب إلا لأنها خرجت إلى مطعم بدون حجاب، ويمتد عنف الدولة إلى سجن المعارضات، وإعدامهن، أو قتلهن مثل أميني.

كان الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو يرى أن السُلطة بوجه عام توظّف الجسد سياسياً، وتسجّل أفعالها على هذا الجسد. هذا القاتل المتسلسل، العنكبوت المقدس الذي يلتف حول الضحايا هم الملالي الذين يحكمون قبضتهم على أجساد النساء، لكن فوكو كان يقول إنه مثلما تستخدم السُلطة الجسد، فيُمكن أن يُستخدم الجسد أيضاً في المقاومة، ومن هنا نستطيع فهم لماذا يعتبر ملامسة الهواء لشعر فتاة إيرانية أمراً يهدّد هذا النظام.

رصيف 22

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث