هل يحق لنا انتقاد الشيخ الشعراوي؟ - مقالات
أحدث المقالات

هل يحق لنا انتقاد الشيخ الشعراوي؟

هل يحق لنا انتقاد الشيخ الشعراوي؟

ماهر جبره:

 

دارت عاصفة من الجدل خلال الأيام الماضية في مصر، بعد إعلان وزارة الثقافة عن تقديم عمل مسرحي عن سيرة وحياة الشيخ محمد متولي الشعراوي. قوبل هذا الخبر ببعض الانتقادات وبالأخص من الناقد الفني طارق الشناوي، الذي اعترض على العمل باعتباره سيتجاهل كثيرا من الأفكار أو الآراء والفتاوى الجدلية التي قدمها الشيخ

فجّر هذا الموقف نقاشًا بين طرفين. طرف انتقد كثيرًا من فتاوى الشعراوي وعرضها بالنقد والتحليل، وعلى رأس هذا الفريق الإعلامي إبراهيم عيسى والكاتبة فاطمة ناعوت، وطرف آخر رأى في هذا تهجمًا على أحد رموز الدين والتدين الشعبي في مصر والعالم العربي، وبدأ في مهاجمة الطرف المُنتقِد.

وكعادة نقاشاتنا في العالم العربي، وخصوصًا فيما يتعلق بالدين، امتلأ الهجوم على منتقدي الشعراوي بكثير من التهم الجزافية والمطاطية غير المبنية على أي أدلة. تهم جاهزة ومعلبة عادة ما تُقال في هذه المناسبات. بداية من التكفير، للعمالة، للرغبة في هدم الإسلام والدين والقائمة تطول.

والحقيقة أن موضوع هذا المقال ليس هو فكر الشعراوي في حد ذاته، ولكن المقال يطرح سؤالًا أبسط من ذلك بكثير، ألا وهو: هل يحق لنا مناقشة فكر الشيخ أم لا؟ أليس هذا الفكر مؤثرًا في الملايين بشهادة مؤيدي الشيخ ومعارضيه؟ أليس الشيخ هو رجل دين قضى عمره يقدم أفكاره وفهمه للدين للمجتمع ككل، والتي مازالت تؤثر فيه، فبأي حق يتم تجريم مناقشة هذه الأفكار؟ ومن الذي يمتلك حق الوصاية ليحرم أفراد المجتمع وبالأخص المثقفين والكُتَّاب والإعلاميين من حق نقاشها؟

ولماذا تحدث هذه الثورة العارمة كلما أشار أحد إلى بعض الفتاوى مثل فتوى تحريم زراعة الأعضاء مثلا؟ فما العيب في النقاش؟ وما الضرر من وضع أفكار الشيخ متولي الشعراوي تحت مجهر العقل والنقد؟ ولماذا يضطرب وينزعج كثيرون من مجرد مشاركة فيديو لأحد فتاويه مثل قتل تارك الصلاة حتى لو لم يكتب أي تعليق على هذه الفيديوهات؟ أليس هذا هو ما قاله الرجل وسجلته الكاميرات وأتاحت لنا تكنولوجيا العصر إعادة عرضه بسبب مواقع سهلت أرشفة المحتوى البصري مثل اليوتيوب؟

وعموما لماذا ننزعج إلى هذا الحد من التفكير النقدي؟ ولماذا نريد أن نحيط من نحبهم بهالة من التقديس؟ ونتعامل مع كل ما قالوه باعتباره فوق العقل والنقد ولا يجوز حتى مجرد الإشارة إليه أو تحليله ولو بمنتهى الاحترام؟

شاهدت بعضًا من حلقة الإعلامي إبراهيم عيسى، فيبدو أن النسخة الكاملة من الحلقة لم يتم رفعها على منصة اليوتيوب، ربما خوفا من ردود الفعل. وشاهدت بعض الردود عليه. والحقيقة أن إبراهيم عيسى اعتمد بالدرجة الأولى على الاستشهاد بكلام الشيخ، حيث اعتمدت الحلقة بالكامل على عرض فيديوهات للشيخ الشعراوي ثم مناقشة ما قاله.

فمثلا عرض بعض آرائه في المرأة مثل معارضته الشديدة لخروجها للعمل وضرورة بقائها في المنزل، أو أنها "مصرف" لشهوة الرجل على حد تعبير الشيخ، أو تأييده لضرب الزوج لزوجته. وبدأ في نقاش هذه الفتاوى ووصفها بالآراء المتطرفة التي لا تناسب قيم مجتمعنا.

أيضا عرض الفتوى الشهيرة التي قدمها الشيخ الشعراوي، وهي أن تارك الصلاة، لو كان منكرًا لها يُقتل، ولو كان متكاسلًا، يستتاب ثلاثة أيام ثم يُقتَل أيضًا. ففي الحالتين من وجهة نظر الشيخ ينبغي أن نقتل من لا يصلي! تخيل معي لو تم تطبيق هذه الكلام فعلًا في مصر، ألن تتحول مصر لإمارة من إمارات داعش. فكم من مسلمين لا يصلون، فقط انظر حولك في مقر عملك أو البناية التي تسكن بها، وستجد كثيرين لا يصلون باستمرار، فهل نتحرك لقتل بعضنا البعض؟

كنت أتخيل أن مؤيدي الشيخ سيردون على الحجة بالحجة ويبدأون نقاشًا عقلانيًا هادئًا حول هذه الأفكار. ولكن جاء الرد على شاكلة، لا تناقش ولا تجادل يا أخ علي! هذه الجملة العبقرية التي كتبها لينين الرملي في فيلم "الإرهابي"، والتي كان يرد بها أمير الجماعة على أي سؤال منطقي يطرحه "علي" عضو الجماعة وهي الشخصية التي جسدها النجم الكبير عادل إمام، هذه الجملة لخصت منطق الرد على منتقدي فتاوى وأفكار الشيخ الشعراوي. فالمنطق لا مكان له هنا، بل الطاعة العمياء وتغييب أي نقاش عقلاني حر هو سيد الموقف.

فالردود تمحورت حول فكرة تعظيم وتبجيل الشيخ، وعن عظمة وجلال ما قدمه، دون أي اشتباك حقيقي مع الأفكار أو الآراء التي قدمها أو الانتقادات التي وُجِهت إليها. وبالطبع صاحب ذلك التحقير من شأن من انتقدوه، مع الطعن المستمر في دوافعهم ونعتهم بأصعب الأوصاف، لأنهم تجرأوا وناقشوا ما قاله.

هذا فضلا عن تمييع أي نقاش حقيقي، عن طريق استخدام وصف "الوسطية". فالشعراوي وسطي من وجهة نظر المدافعين عنه، وبالتالي لا معني لأي نقاش. وهذا يأخذنا لسؤال آخر، إلا وهو ما هي الوسطية؟ وما هي حدودها؟ فأنا شخصيا لا أجد كلمة فضاضة بلا أي معني حقيقي في نقاشاتنا اليوم مثل كلمة وسطية.. فهل تحريم زراعة الأعضاء وسطية؟ وهل تأييد ضرب الرجل لزوجته وسطية؟ وهل التحريض على قتل تارك الصلاة وسطية؟ فإذا كانت هذه هي الوسطية فما هو التطرف إذا؟ وهل المطلوب أن ننحي كل قواعد المنطق ونلغي عقولنا بالكامل حتى نتقبل كل هذه المتناقضات؟

القضية هنا ليست هي شخص الشيخ الشعراوي، والذي لا ينكر أحد حتى أشد معارضيه حب وتبجيل وتقدير ملايين المسلمين له. ولكن القضية هي فرض الوصاية الفكرية على المجتمع، وتحريم الحد الأدنى من النقاش المنطقي والعقلاني حول آراء وفتاوى الشيخ باعتباره شخصية عامة ومؤثرة. فالخلاف هنا ليس على شخصه بقدر ما هو خلاف على كيف نتعاطى مع أفكاره.. هل بالتقديس المطلق وتجريم أو تحريم أي تفكير نقدي، على شاكلة "لا تناقش ولا تجادل يا أخ علي"؟ أم باحترام حق الاختلاف وحرية الرأي؟ هذا هو السؤال وهذا هو الخلاف الحقيقي.

الحرة

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث