الإخوان وطالبان - مقالات
أحدث المقالات

الإخوان وطالبان

الإخوان وطالبان

بابكر فيصل:

 

نتيجة لاستخدامها القضايا والشعارات الدينية لخدمة مصالحها السياسية الخاصة، تقع جماعة الإخوان المسلمين والهيئات الفكرية التابعة لها في فخ اتخاذ مواقف متناقضة ومزدوجة من القضية الواحدة، وهو الأمر الذي ظل مصاحباً لسلوك الجماعة منذ مرحلة التأسيس وحتى اليوم.

وتمثل قضية "المرأة" إحدى القضايا الإشكالية في مواقف الجماعة، ذلك أن المرشد المؤسس، حسن البنا، كان قد عبَّر عن الموقف المبدئي للإخوان تجاه حقوقها في العمل والانتخاب بالقول: ( ما يريده دعاة التفرنج وأصحاب الهوى من حقوق الانتخاب والاشتغال بالمحاماة مردودٌ عليهم بأنَّ الرجال، وهم أكمل عقلاً من النساء، لم يحسنوا أداء هذا الحق، فكيف بالنساء وهنَّ ناقصات عقل ودين)

وإذ يقول المدافعون عن حديث البنا أن السياق التاريخي والاجتماعي الذي أنتج ذلك الموقف قد تغيَّر وأن الجماعة قد طوَّرت رؤيتها لقضية المرأة بحيث صارت تؤمن بحقها في العمل والانتخاب وغير ذلك من الحقوق، فإن هناك العديد من الشواهد التي تبرهن على أن الموقف الأصيل للجماعة مازال يستخدم تلك القضية بشكل ذرائعي وليس بصورة مبدئية.

وتتضح عدم مبدئية الجماعة في التعامل مع قضية المرأة، من خلال الموقف المزدوج الذي اتخذه "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" من قرار المحكمة الأوروبية بشأن حظر ارتداء المرأة المسلمة للحجاب في العمل، والقرارات التي أصدرتها حركة طالبان الأفغانية بمنع تعليم النساء وحرمانهن من العمل في المنظمات غير الحكومية.

ويعتبر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي أسسه الراحل الدكتور يوسف القرضاوي في عام 2004 بالعاصمة القطرية، الدوحة، أكبر هيئة فكرية معبِّرة عن مواقف التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين

في الخامس عشر من أكتوبر الماضي أصدر الاتحاد بياناً ممهوراً بتوقيع رئيسه، حبيب سالم السقاف، وأمينه العام، علي القره داغي، اعتبر فيه أن قرار محكمة العدل الأوروبية بحق الشركات في حظر الحجاب الشرعي للمسلمات "منعا وتضييقا للحرية وحقوق المسلمين المواطنين" وطالب المحكمة بمراجعة قرارها.

وقال البيان "إن مثل هذه القرارات غير المبررة، تحت غطاء الحرية التي لا تستعمل إلا ضد الإسلام والمسلمين فقط، هي التي تصنع الإرهاب والعنصرية الدينية، وتحول دون التعايش السلمي القائم على احترام جميع الأديان وخصوصياتها".

كما أكد البيان موقف الاتحاد الداعم "للانسجام الإيجابي والاندماج الطوعي في ظل الحقوق المتساوية, والتعايش وبناء المجتمع المتكافئ المتكافل"، مشيرا إلى أن "ذلك لن يتحقق بالإكراه والتهميش والتضييق على حريات الآخرين وحقوقهم، وإنما يتحقق بالعدالة والمساواة والحريات المسؤولة وتوفير المساواة للجميع دون أي تمييز على أساس العرق أو الدين".

وأوضح البيان أن مثل هذه "القرارات المتكررة على الإسلام والتي تؤذي مشاعر مليار و700 مليون مسلم لا تتناسب إلا مع فكر القرون الوسطى الذي دفع بأوربا إلى حرب دينية".

وهكذا فإن الاتحاد يرى في قرار محكمة العدل الأوربية بحق الشركات في حظر ارتداء الحجاب أثناء العمل تهديداً للتعايش السلمي وخرقا للقاعدة الذهبية للمواطنة المتساوية التي ترفض التمييز بين المواطنين على أساس الدين أو العرق، فضلا عن أن القرار لا يتماشى مع روح العصر الذي نعيشه بل يتناسب مع فكر القرون الوسطى.

ومن ناحية أخرى، فمن المعلوم أن حركة طالبان الأفغانية، ومنذ عودتها للسلطة في أغسطس 2021، قد اتخذت العديد من القرارات التي تقيِّد وتنتقص من حرية و حقوق المرأة الأفغانية، حيث منعت تعليم البنات في المرحلة الثانوية منذ 23 مارس 2022.

وفي 20 ديسمبر الماضي، أعلنت حكومة طالبان أن الجامعات الأفغانية باتت محظورة على الفتيات لأجل غير مسمى، وكانت الحكومة قد منعت النساء من ارتياد المتنزهات والحدائق وصالات الرياضة والمسابح العامة في نوفمبر، كما منعتهن من ممارسة العديد من الوظائف الحكومية ومن السفر دون مُحرِم وكذلك إلزامهن بارتداء البرقع.

وبعد أربعة أيام من صدور قرار من الطالبات من الدراسة الجامعية أصدرت حكومة طالبان قرارا يمنع النساء من العمل في المنظمات غير الحكومية بحجة أن النساء العملات في تلك المنظمات كنّ ينتهكن تعاليم الشريعة الإسلامية من خلال الامتناع عن لبس الحجاب.

وتمثلت المفارقة المدهشة في هذا الخصوص في أن اتحاد علماء المسلمين لم ينبس ببنت شفة، وصمت صمت أهل القبور تجاه هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق المرأة الأفغانية، فلم نر له بيانا أو تصريحا يُدين قرارات طالبان ويصفها بأنها "تتناسب مع فكر القرون الوسطى" أو يقول أنها تخالف حقوق المواطنة بشكل خطير!

إن الصمت المريب للاتحاد (الهيئة الفكرية الأهم للإخوان المسلمين) عن انتهاكات حركة طالبان لحقوق المرأة الأفغانية يوضح بجلاء أن الجماعة ماتزال مستمرة في استخدام الدين من أجل خدمة المصالح السياسية وهى في هذه الحالة تتمثل في محاولة تصوير الجماعة وكأنها الحارس الأمين لحقوق المسلمين في الغرب، وإلا فما هو تفسير إدانتها لقرار المحكمة الأوربية وفي نفس الوقت تجاهل خروقات طالبان التي تفوق بكثير قرار منع لبس الحجاب في العمل؟

ومن جانب آخر، قد يجد هذا الصمت تفسيره في حقيقة أفكار الجماعة التي عبر عنها المرشد المؤسس بقوله إن "النساء ناقصات عقل ودين" وبالتالي يجب عليهن أن يلزمن بيوتهن وهو ما يعني أن الذراع الفكري الأهم لدى الإخوان يجيز الأفعال التي تقوم بها طالبان لأنها تتوافق مع مباديء الجماعة التي أرساها حسن البنا !؟ 

لا شك أن قرارات حكومة طالبان تعكس مدى الاغتراب الزماني للحركة التي تتبنى فكرا ظلاميا متشددا لا يؤمن بكرامة المرأة وحقها في التعليم والعمل والترفيه والرياضة، وهو أمر يستوجب الشجب والإدانة الصريحة، ذلك أنه فكر بعيد عن روح العصر الذي اقتحمت فيه المرأة كل مجالات الحياة ونالت حقوقا غير مسبوقة

الحرة

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*