ألان سركيس :
في خضمّ الحروب والأزمات التي تعصف بالشرق الأوسط منذ سنوات، يحضر ملفّ مسيحيي الشرق كطبق رئيس على مائدة الفاتيكان الذي يحاول الحفاظ على هذا الوجود الثمين. لم يوفّر البابا فرنسيس في اللقاء الأخير مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طرح مسألة الوجود المسيحي في أرض المسيح، حيث اعتبر أنّ لباريس كدولة كاثوليكية كبرى، دوراً في الحفاظ على هذا الوجود.
ويتنامى الخوف في دوائر الفاتيكان من تراجع الحضور المسيحي في ضوء التقارير التي تصلها وتتحدّث عن الهجرة المسيحية المرتفعة في الآونة الأخيرة، حيث وصل تقرير خطير إلى دوائر الفاتيكان من مراجع كنسية ورهبانية يتحدّث عن موجة هجرة مسيحية غير مسبوقة، وهذه الهجرة لم تطل مسيحيي لبنان فقط بل المنطقة بأكملها.
وفي التفاصيل، فإن فلسطين، الأرض التي وُلد فيها السيد المسيح وصُلب، باتت شبه خالية من المسيحيين، فنزيف الهجرة المسيحية مستمرّ في منطقتي الضفة الغربية والقدس، ويُقدّر عدد المسيحيين الذين غادروا في الأشهر العشرين الأخيرة بأكثر من 5000 مسيحي، ومعظمهم إتّجه نحو أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وكندا.
ولم تشكّل نهاية «داعش» في العراق بداية للإستقرار المسيحي، فقد انخفض عدد المسيحيين بشكل مرعب، وحتى الذين لجأوا إلى لبنان مع سقوط نظام صدّام حسين ومن ثمّ نشأة «داعش» تركوا الشرق برمّته وغادروا إلى الغرب، وباتت أرقام المسيحيين العراقيين في لبنان لا تتجاوز المئات، بينما الذين هاجروا منذ أربع سنوات يتجاوز عددهم الخمسين ألف مسيحي.
ولا توجد أرقام دقيقة حول هجرة مسيحيي سوريا، لكن الوضع العام هناك يدعو إلى القلق، إذ إن موجة الهجرة لا تقتصر على المناطق التي إندلعت فيها إشتباكات، بل إنّ الهجرة المسيحية تطول الشباب المسيحي الذي يُفتّش عن تأمين مستقبله في الغرب، وبالتالي فإنّ الحرب السورية التي أصابت كلّ المكوّنات، ضربت الوجود المسيحي في العمق.
وعلى رغم الأمن والإستقرار المتواجدين في الأردن، إلا أنّ هجرة الشباب المسيحي موجودة، لكنّ هذه الهجرة لم تؤثّر على جوهر الوجود المسيحي هناك كما حصل في دول الجوار، علماً ان المكوّن المسيحي يحظى باهتمام من السلطات الأردنية وعلى رأسها الملك عبدالله الثاني.
وضربت الأزمة المالية والإقتصادية والسياسية كل الشرائح اللبنانية ولم تقتصر على المكوّن المسيحي، لكنّ أزمة «كورونا» والإغلاق العالمي ومنع السفر هدّأت من روع الهجرة المسيحية. فعلى سبيل المثال، استقبلت السفارة الكندية وحدها في الأشهر الثلاثين الأخيرة أكثر من 10 آلاف طلب هجرة لعائلات وشباب مسيحي، في حين أنّ هناك أرقاماً مرتفعة لطلبات هجرة تتخطّى الألف طلب سُجلت في آخر 15 شهراً في سفارات أوستراليا والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبلدان أوروبية أخرى.
والجدير ذكره، أن هذه الطلبات إلى السفارات الغربية هي طلبات هجرة وليست طلبات سياحة أو إقامات عمل لشباب لبناني على طريقة تقديم طلبات عمل في الخليج أو أفريقيا.
وتصف مراجع كنسية أنّ ما حصل في السنوات الثلاث الأخيرة في لبنان شبيه لما حصل خلال حرب الإلغاء عام 1990 ومن ثمّ أثناء فترة الإحتلال السوري، حيث اضطُهد المكوّن المسيحي وهاجرت شريحة كبيرة منه إلى الخارج، لذلك فإن أرقام هجرة المسيحيين في هذه المدّة تفوق الخمسين ألف مسيحي حسب التقديرات، في حين أنّ الأرقام الرسمية قد تكون أكثر من هكذا بكثير.
ومن جهة أخرى، فإن عدم معالجة الأزمة اللبنانية سيدفع بالكثير من الشباب المسيحي وغير المسيحي إلى التفكير بالهجرة النهائية، في وقت يشاهد العالم بأجمعه كيف أنّ اللبنانيين يهربون عبر «زوارق الموت» ليتخلّصوا من «جهنم السلطة»، لذلك فإن التحذيرات تتوالى بشأن ارتفاع موجة الهجرة، عندها تُصبح الأرض بلا شعب، ويحكم الحكّام الحجر وليس البشر.
نداء الوطن