هل جاء يسوع المسيح ليهدي الناس روحيا فقط، يعلمهم الروحيات والسماويات و وصايا الله. أم جاء ليهذب الإنسان ويعلمه كيف تكون علاقته مع اخيه الإنسان ومع المجتمع.
صباح ابراهيم:
اجتمع الفريسيون وهم رجال الدين اليهود و الهيروديسيون وهم اتباع الملك هيرودس ومن الأحزاب الدينية و الحكومية ليجربوا المسيح وينصبوا له فخا يوقعوا به من أجل أن يتهموه امام الحاكم الروماني هيرودس، بتهمة تحريض الشعب ضد الحكومة والدولة الرومانية . فسألوه سؤال محرجا ليصطادوه به امام شهود كثيرين . وقالوا له : يا معلم ، نعلم أنك صادق و تعلّم طريق الحق بالحق، ولا تبالي بأحد، لأنك لا تنظر الى وجوه الناس . فقل لنا ماذا تظن ، ايجوز أن نعطي الجزية للقيصر أم لا ؟
علم يسوع خبثهم وقال : لماذا تجربوني يا مراؤون ؟
فطلب منهم ديناراً ، وقال لهم : لمن هذه الصورة والكتابة ؟ فقالوا لقيصر .
فقال لهم يسوع : " أعطوا إذا ما لقيصر لقيصر ، و ما لله لله . "
ماذا يعني هذا الجواب المختصر ؟
يقصد يسوع ان لله حقوقاً على البشر ، فيجب ان يعطي كل إنسان حق الله في الصلاة والعبادة والصوم ومحبة الله و الغريب . ويعمل بوصايا الله . وبنفس الوقت ان لا ينس الحقوق والواجبات التي على المواطن أن يؤديها تجاه الحكومة أوالقيصر، لأنه يضع القوانين وينظم الحكم لخدمة الشعب و تنظيم حياة المواطنين اليومية . فكلمة اعطوا لقيصر ما لقيصر، تعني إطاعة الحاكم وتنفيذ القوانين التي هي علاقة الإنسان بالإنسان والمجتمع . أما إعطوا لله ما لله فهي تنظيم العلاقة بين الله والإنسان . فلا يجب ان نؤدي واجبنا تجاه الله وننسى علاقتنا بالإنسان . و لا يجب ان نهتم بعلاقتنا بالإنسان وننسى واجباتنا تجاه الله .
يقول الكتاب المقدس : "إطلبوا ملكوت الله وبِرّه ، وهذه كلها تزاد لكم " الله يعلم احتياجات الإنسان وهو ينعم عليه بما يحتاج .
يقول المسيح عن الخبز : "هذا هو جسدي، خذوا كلوا منه كلكم "
الإنسان يحتاج الخبز ليحيا به جسده ماديا، ولكن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، بل يحتاج الى كلمة الله ليحيا بها روحيا. كلام الله وتعاليم السيد المسيح هي الغذاء الروحي الذي يعطينا الحياة .
قال لنا يسوع المسيح : " أنا هو الطريق والحق والحياة " ، فبالمسيح وتعاليمه وكلماته نحيا على الأرض وفي السماء لأنه معطي الحياة . كلام الله هو البركة لحياتنا ، والقليل من كلام الله يشبعنا ويحيينا الى الأبد .
لقد اعطانا يسوع المسيح كلاما لتغذية الروح لكنه لم ينسَ تغذية أجسادنا . فقد اشبع بإحدى معجزاته خمسة الاف إنسان جائع من خمسة ارغفة خبز وسمكتين . من القليل صنع الكثير فأكلوا وشبعوا وزادت البركة ففضل من الطعام الزائد الكثير لأنه من بركة الله الفائضة .
الله يمثل الدين وقيصر يمثل الدنيا . ولما طلب يسوع من الناس أن يعطوا لله حقه ولقيصر حقه ، علمهم ان لكل طرف استحقاقه ، فلا ننسى الله ونهتم بالدنيا، و نهمل الدنيا واحتياجاتها ونهتم بالله وحده . فلكلاهما حق لابد ان نؤديه . المسيحية هي دين ودنيا حسب تعليمات السيد المسيح .
ما هي واجباتنا في الدنيا ؟ قال يسوع المسيح : " من يعرف أن يعمل حسنا ولا يعمل فهذه خطيئة . " . والديانة عند الله هي افتقاد الأرامل واليتامى ومن لا معيل لها، وزيارة المرضى ومن ليس لهم احد يعينهم، وإشباع الجياع ومساعدة المحتاج ونشر المحبة والسلام بين الناس. كانت سيرة حياة يسوع المسيح نموذجا لنا للإقتداء بها .
نهت المسيحية عن القلق والهم ، وامرت بالإلتزام والتدقيق والتفكير والتخطيط للمستقبل . فقد قال الرب : " من أراد ان يبني برجا فليجلس ويحسب النفقة والكلفة قبل البناء .
قال يسوع المسيح : " أما أنا فأتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل " يوحنا 10:10
يريد يسوع ان تكون لنا حياة سعيدة كريمة على الأرض، و في السماء تكون افضل وابقى .
عليك ايها المؤمن ان تبذر وتزرع وتسقي ، والله هو الذي ينمّي الزرع ويديمه . ويجعل فيه الثمر وليس الإنسان.اعمل واجبك بإتقان وتفان، واترك الباقي الذي لا تستطيع فعله على الله فهو يهتم به. الق همك عليه وهو يحل مشاكلك . فالغير مستطاع عن الناس مستطاع عند الله ولا يعجزه شئ .
جاءت المسيحية على يد المسيح لتنظيم حياة الإنسان في هذه الدنيا . فكانت تعاليم المسيح والكتاب المقدس دستورا لنا لتنظيم العلاقة بين العامل ورب العمل وبالعكس . وعلاقة العبيد بالسادة . وعلاقة الازواج بالزوجات وبالعكس . و علاقة الاباء بالأبناء والأبناء بالآباء . ونظمت علاقة الإنسان بالدولة والدولة بالإنسان . وعلاقة المحكومين بالحاكم .
المسيحية نادت بالدين والدولة، ولكنها رفضت تدخل الدين بأمور الدولة وسياستها . او تدخل الدولة بأمور الدين والعبادات . لقد رفض يسوع المسيح أن يكون ملكا ارضيا، وقال مملكتي ليست من هذا العالم . بينما كان اليهود ينتظرون المسيا الموعود أن يأتي فارسا على حصان حاملا سيفه مقاتلا قاطعا للرؤوس يقود الجيوش ليحرر اليهود من عبودية الإحتلال الروماني لأرضهم واستعباد شعبهم .
إن تدخل الكنيسة بشؤون الدولة تخرب الدولة و تعيق اعمالها وتعرقل قوانينها . ومثال ذلك سيطرة الكنيسة في اسبانيا و فرنسا و البرتغال في العصور الوسطى أفسد الكنيسة وجعلها تتدخل في كل صغيرة وكبيرة من أمور الشعب والدولة . فقد أنشأت الكنيسة محاكم التفتيش للبحث عن المهرطقين ، فأتهمت العلماء والفلاسفة بالهرطقة والكفر ، وحكمت عليهم بالموت حرقا بشكل متعسف . لقد قام رجال الدين بتعذيب الناس بشكل وحشي في اقبية السجون حتى الموت وقتلوا الكثير من المواطنين حرقا وهم احياء . ويعتبرون ذلك سلطة ممنوحة لهم من الله بتحريف قول المسيح ما تحلونه على الأرض يكون محلولا في السماء، وما تربطوه على الأرض يكون مربوطا في السماء . فاستغل رجال الدين هذا الكلام وفسروه على هواهم و تدخلوا في أمور الناس ، حتى باعوا صكوك الغفران بالفلوس للناس ليغفر الله خطاياهم ويقبضوا هم الفلوس .
نظمت الكنيسة علاقة الحاكم بالمحكوم ولم تطالب ان تكون الكنيسة بديلا عن الدولة في قيادة الحياة اليومية للشعب . الكنيسة هي رقيب على ضمائر البشر وليست هي الحاكم الفعلي للدولة اوتحكم الناس باسم القضاء والقانون . لا علاقة لها بمن يسجن او من يعدم لجريمة ارتكبها او اعتقاد فكري يؤمن به، فالناس احرار بما يفكرون او يؤمنون. وعلى الكنيسة الأرشاد الصحيح فقط بموجب تعليمات الإنجيل والمسيح .
على الكنيسة توصيل وصايا المسيح لعقول الناس وتفسر الإنجيل وترشد الناس نحو الفضيلة والعمل الصالح ليعيشوا في سمو اخلاقي . قال المسيح : : " أنتم ملح الأرض، فإن فسد الملح فبماذا يُملّح ؟ "
"انتم نور العالم "، " إذهبوا للعالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها وبشروا بالإنجيل "
اراد يسوع المسيح ان تكون أعمالنا صالحة امام الناس ليتمجد الله في السماء بنتيجة اعمالنا الصالحة . واوصانا ان لا نحارب الشر بالشر .
من له اذنان للسمع ، فليسمع ما يقوله الروح للكنائس .
والمجد لله دائما .