يحيى أحمد محمود
بمناسبة مرور ست سنوات على ثورات الربيع العربي، التي أعادت تشكيل المنطقة، كتب إبراهيم فريحات، مقالًا في «ميدل إيست آي» يتناول فيه أبرز أسباب إخفاقات الثورة. قال فريحات:
ما قيل بعد سقوط مدينة حلب في أيدي النظام السوري يتجاهل الرمزية المتجاوزة للمعركة نفسها: ذلك أنَّ وقت سقوط المدينة بالغة الأهمية تصادف مع الذكرى السادسة للربيع العربي. يطرح هذا سؤالًا حول ما إذا كان الربيع العربي قد استحال إلى «ربيع عربي للديكتاتوريات» ومن تحديدًا ينبغي أن يلام على انتكاسات الثورات العربية في السنوات الست الماضية.
الإجابة القصيرة أنَّ المجتمع الدولي قد خذل الانتفاضات العربية، لكنَّ أكبر اللوم ينبغي أن يوجه إلى الديكتاتوريات العربية، وحلفائها في الغرب وفي أماكن أخرى، بل حتى «الثوريون» أنفسهم يستحقون اللوم. كيف يمكن إنقاذ الربيع العربي، والقضاء على التطرف والعنف، وإحداث تغيير مستدام؟
إحدى الإجابات على هذه الأسئلة تتمثل في دعم المجتمع الدولي للانتقال الديمقراطي، والتخلي عن المنهج الأمني قصير النظر لاستقرار الشرق الأوسط.
أنظمة لا ترحم
بحسب فريحات، فقد قلل الكثير من المراقبين لسياسات الشرق الأوسط من قدرة الأنظمة السلطوية وما ترغب في فعله. فقد صدم النظام السوري ضمير العالم بمذابحه الدموية ضد الشعب السوري عندما طالب الشعب بالتغيير.
وقال فريحات إنَّ الشيء ذاته فعلته المؤسسة العسكرية في مصر عندما سحقت الديمقراطية في مهدها ودفعت بالبلاد إلى أزمة سياسية واقتصادية وأمنية حرجة، أسوأ حالًا من أيام الرئيس المستبد السابق، حسني مبارك. ووجدت الدولة الإسلامية (داعش) لها منفذًا لتمارس سلطتها في سيناء في مصر المنقسمة تحت حكم القيادة العسكرية الحالية.
وأضاف فريحات أنَّ إصلاح نظام علي عبد الله صالح في اليمن لم يؤد إلا إلى حرب أهلية دموية سحقت الحوار الوطني الذي كانت ترعاه الأمم المتحدة، إلى جانب سحقها للتحول الديمقراطي الأوسع. فقد نجح صالح، المعروف بـ«الراقص على رؤوس الثعابين»، في حشد قوى مؤسسات دولته العميقة، خصوصًا الجيش، وهاجم العملية الديمقراطية في اليمن عن طريق إشعال فتيل حرب أهلية استدعت قوى أجنبية إلى الصراع لفرض نفوذهم السياسي، وحماية مصالحهم.
فشل أوباما الأمني
سلطت الذكرى السادسة للربيع العربي الضوءَ على إخفاقات المجتمع الدولي في استغلال فرصة تشجيع تحول ديمقراطي واستقرار مستدام في المنطقة العربية. فقد فشل هوس إدارة أوباما في مكافحة الإرهاب من خلال الطائرات بدون طيار والحلول الأمنية، بل إنَّ ذلك قد ساهم في تحويل الربيع العربي من مطالبات بالحرية والعدالة والتنمية إلى «حرب على الإرهاب» فاستدعى الراديكاليين والمتشددين، والتحالفات الإقليمية والدولية إلى الدخول في الصراعات الدائرة.
عرّفت كل من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وروسيا، وإيران، ونظام الأسد، دورهم في النزاع السوري بأنهم يخوضون «حربًا على الإرهاب». فأين ذهبت الثورة السورية؟ لقد كان أكثر شعار استخدم عندما بدأ الربيع العربي «الشعب يريد إسقاط النظام». أما اليوم، للأسف، فقد أصبح شعارًا شبه منسي في السياسات العربية. لقد أصبحت «الحرب على الإرهاب» تجارةً رائجةً، وتأمين النظام من أجل البقاء، والتدخل الأجنبي في سوريا، كلاهما يوظف «محاربة الإرهاب» في تبرير أفعاله.
بررت روسيا وإيران حملاتهما العسكرية بمكافحة الإرهاب في سوريا قبل أن تصل المعركة إلى موسكو وطهران، ويريد الأسد أن يذكر على أنه الرئيس الذي قاتل لإنقاذ البلاد من الإرهاب. أما إدارة أوباما، فقد تجاوزت سوريا وذهبت لتقصف مدنًا عربية في اليمن والعراق وليبيا، حتى لا تضطر أمريكا إلى محاربة الإرهاب على أرضها في واشنطن.
فشل ثوري
وبحسب فريحات، فإنَّ الثوريين الذين تمردوا على الطغيان، هم أيضًا، خذلوا الربيع العربي. فالثوريون الذين تعرضوا للاضطهاد تحت حكم نظام القذافي في ليبيا تبنوا نهجًا راديكاليًا في بناء الدولة أدى في النهاية إلى استقطاب مجتمعهم وتحويل الضحايا إلى مضطهدين. وقال فريحات إنه كتب، في 2012، في صحيفة «النيويورك تايمز» محذرًا من «التطهير غير الحكيم في ليبيا» لإمكانية أن يدفع البلاد إلى طريق الحرب الأهلية، وداعيًا إلى تجنبه.
وبحسب فريحات، فقد اتبع الثوريون في ليبيا طريقة مشابهة لنهج «تطهير البلاد من حزب البعث»، سيء السمعة، الذي اتبعته الإدارة الأمريكية في العراق، والتي وضعت العراق على طريق حرب طائفية وحشية لا نهاية لها في الأفق. فقد وضع الثوريون الليبيون «قانون العزل الثوري» الذي منع أي شخص عمل مع النظام السابق من الوصول لمنصب سياسي لعشر سنوات، وأدى إلى حث فصائل النظام السابق على التجمع والقتال. والنتيجة اشتعال حرب أهلية وحشية وتقسيم البلاد تقسيمًا حادًا إلى شرق ليبيا وغربها.
استبداد غير مستنير
واختتم فريحات مقاله بالقول إنَّ الاستبداد ما زال أكبر تهديد يواجه الربيع العربي، بعد ست سنوات منذ بدايته. لقد أثبت تجديد الديكتاتوريات أنه منهج خاطئ لتحقيق الديمقراطية. فالحكم المطلق المستنير، كما تكلم عنه فولتير في القرن الـ18، لا يوجد في العالم العربي اليوم. ما عندنا اليوم، بحسب الفيلسوف العربي عزمي بشارة، هو استبداد «لا يمكن إنارته».
إنَّ الاستثمار في الاستبداد، كما فعل المجتمع الدولي، وخصوصًا الغرب في سنوات طويلة، ظنًا أنَّ مكافحة الإرهاب قد تحدث به، خطأ قاتل. لقد خلق الاستبداد قاعدة لليأس والتطرف والغضب، وهي الأمراض التي أنتجها الاستبداد في المقام الأول، ولا يمكنه أبدًا علاجها.
وقال فريحات إنَّ السنوات الست التي مرت على الربيع العربي وما صاحبها من انتكاسات نتجت عن الاستبداد، أكدت على صحة الرسالة الأصلية للانتفاضات، وهي أنَّ التحول الديمقراطي هو البديل الوحيد الممكن لكل الجنون الذي تعيشه المنطقة.
مترجم عنhttps://www.middleeasteye.net/columns/its-arab-spring-dictators-81211767افورين