مغبة انقياد المسلمين وراء مواقف الإسلامويين - مقالات
أحدث المقالات

مغبة انقياد المسلمين وراء مواقف الإسلامويين

مغبة انقياد المسلمين وراء مواقف الإسلامويين

منصور الحاج:

 

لطالما تساءلت عن الأسباب التي تدفع الكثير من المسلمين إلى تأييد مواقف رجال الدين الإسلامويين، والمنظمات الإسلامية المؤيدة لهم، وعن الدوافع التي تجعلهم يستجيبون لنداءاتهم وخدمة أجنداتهم من دون وعي أو إدراك، على الرغم من أن أغلبيتها متطرفة وعادة ما تجر عليهم الويلات

وما خلصت إليه، هو أن غالبية المسلمين يجهلون أجندات الإسلامويين ويعتبرون مواقفهم مطابقة لموقف الشرع، وتعبر عن الإرادة الإلهية، مع أنهم لم يختاروا تلك الشخصيات والجماعات والمؤسسات، ولم يمنحوهم تفويضا ليكونوا ممثلي الله والناطقين باسم دينه في الأرض

كما يجهل غالبية المسلمين أن الهدف الأساسي للإسلامويين ومؤسساتهم هو خدمة أجنداتهم السياسية في المقام الأول، من دون أي اعتبار لما إذا كانت تلك الأجندات ستصب في مصلحة المسلمين، أم أنها ستحول حياتهم إلى جحيم

وقبل أن استرسل في طرح وجهة نظري، فإن من الضروري التوضيح بأنني أعني بالإسلامويين كل من يتخذون الإسلام مطية لتحقيق أجنداتهم السياسية، وكل من يدعون أنهم يسعون لتحكيم شرع الله في الأرض، وإقامة دولة إسلامية، وكل من يعطون أنفسهم الحق في احتكار الإسلام تحليلا وتحريما وتكفيرا، وكل من يفرضون تصوراتهم عن الإسلام على الآخرين. ويشمل هذا التعريف تنظيم داعش والقاعدة وحزب التحرير وطالبان والإخوان المسلمين وحماس ونظام ولاية الفقيه والسلفيين ممن يحرمون الخروج على الحاكم

ومن العجائب التي لا يتنبه لها الكثير من المسلمين أن كل من ذكرت يتفقون في أنهم جميعا يدّعون بأنهم يسيرون على الطريق الصحيح في مسعاهم إلى تحكيم شرع الله في الأرض، رغم اختلاف الطرق التي ينهجون من أجل تحقيق أهدافهم

ففيما يشن تنظيم داعش حربا مفتوحة ضد الجميع، يحصر تنظيم القاعدة حربه المعلنة على الولايات المتحدة، ويؤيد التماهي والتدرج في تطبيق أحكام الشريعة والحرص على اكتساب الحواضن الشعبية قبل الإنقضاض على الحكام وانتزاع السلطة. أما الإخوان فيطمحون إلى تحقيق الهدف نفسه عبر صناديق الإقتراع، ومن ثم تمكين المشروع الإسلامي عبر السيطرة على كل المناصب والمؤسسات، ونشر أفكارهم عبر المؤسسات التعليمية والإعلامية للدولة للحيلولة دون أن يتمكن معارضيهم من الوصول إلى السلطة

وحقيقة الأمر هي أن الإسلامويين والمؤسسات التي تخدم أجنداتهم أعطوا أنفسهم الحق بدون أي وجه حق في تمثيل المسلمين والتحكم فيهم والحديث نيابة عنهم. فالمسلمون بالنسبة للإسلامويين ومؤسساتهم، ليسوا سوى مجرد أرقام يتباهون بأعدادهم حول العالم، أما الإسلام فهو عبارة عن منظمة وضعوا أنفسهم على رأسها وأعطوا أنفسهم الحق في التحكم بالمسلمين باعتبارهم أعضاء في تلك المنظمة، على الرغم من أن غالبية المسلمين لم يختاروا أن يكونوا مسلمين أصلا، ولم ينضموا يوما عن قناعة واختيار إلى هذه المنظمة أساسا

إن إدعاء الإسلامويين ومؤسساتهم بتميز المسلمين وأحقيتهم في أن يحظوا بمعاملة خاصة لا يختلف من حيث المبدأ عن إدعاء ذوي البشرة البيضاء بأنهم متفوقون عرقيا. فكما اختارت الجغرافيا والعلاقات الإجتماعية ديانة غالبية المسلمين، حددت الصدف البيولوجية لون البشرة لمن يعتقدون بتفوقهم العرقي.

فعلى سبيل المثال، يصر الإسلامويون على تقديم المسلمين كنسخة واحدة، فيطرحون الحجاب على أنه الزي الموحد للمسلمات على الرغم من عدم ملاءمته لواقع الكثير من المجتمعات التي يعيش فيها المسلمون ولا لظروفهم المناخية أو التحديات الأمنية ومن دون احترام لخيارات المسلمات الشخصية

كما أنهم يطرحون الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين والصراع السياسي بين الإسرائليين والفلسطينيين على أنه صراع ديني بين المسلمين واليهود من دون وضع أي اعتبار للأضرار التي يسببها هذا الطرح على الإنسان الفلسطيني الذي تم تشويه صورته وتحويله إلى وحش يعشق سفك الدماء ويتلهف للقاء الحوريات في الجنة في الوقت الذي يحاول فيه غالبيتهم توفير قوت يومهم وعيش حياة كريمة في أمن واستقرار

وخلاصة القول، فإن الانقياد الأعمى وراء الإسلامويين لن يجلب سوى المزيد من الويلات والمآسي واللعنات للمسلمين أينما حلوا وحيثما ارتحلوا، وإن طريق الخلاص الوحيد أمامهم هو التصدي للإسلاميين والامتناع عن تبني آرائهم وأطروحاتهم وتحويلهم إلى أقليات متطرفة كغيرهم من الجماعات المتطرفة حول العالم

أما الإسلام فإنه باق ما بقي المسلمون وسيزداد جمالا وتفردا، فيما لو سعى كل مسلم لتقديم نفسه على أنه النسخة الأفضل للإسلام، ولا يتطلب ذلك سوى أن يكون إنسانيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، مثابرا في عمله، صديقا لبيئته، مشاركا في عمل الخير، محبا للآخرين بغض النظر عن معتقداتهم أو ميولهم الجنسية

وكما استطاع البشر رؤية الجمال البشري في مختلف التركيبات الجينية والسحنات والألوان والأوزان والقامات، وهي في الغالب ناتجة عن صدف بيولوجية، فإن بإمكان المسلمين الذين حددتهم لهم الجغرافيا والعلاقات الإجتماعية دينهم التنافس من أجل تقديم أفضل نموذج للإسلام، يحترم التنوع الثقافي لمجتمعاتهم، ويتماشى مع العصر، وينسجم مع واقعهم، بعيدا عن أوهام الإسلامويين وتصوراتهم البالية وأفكارهم المتطرفة ومساعيهم الساذجة لتحويل المسلمين إلى روبوتات آلية متشابهة وقطعان من الماشية، تنحصر مهامها في الانقياد وتنفيذ الأوامر وتنبي المواقف وترديد الشعارات المستهلكة

الحرة

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث