آية ياسر
عادت إلى الواجهة فتوى غريبة تبيح للرجل أن يتزوج بابنته غير الشرعية، لتثير جدلاً كبيراً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وانتقادات واسعة بين أوساط المثقفين والباحثين في الأديان والتراث والفقه الإسلامي.
وتنصّ الفتوى المنسوبة إلى الشافعي، على أن ماء الزنا هدر، وأنه يجوز للرجل أن يتزوج بابنته من الزنا، عندما تكبر وتصبح تحتمل الوطء، بمعنى أنه إذا زنى رجل بامرأة وحملت ووضعت بنتاً وربتها وهو يعلم ذلك؛ فإنه يجوز له أن يتزوج ابنته التي حملت أمها بها منه عن طريق الزنا!
ولا تعد تلك الفتوى هي الأغرب من نوعها، والتي ينتج عنها زنا المحارم واختلاط الأنساب الذي نهى عنه الإسلام؛ حيث ورد في كتاب "المحلى" لابن حزم، كتاب الحدود، مسألة حد الزنا، فتوى منسوبة إلى الإمام أبي حنيفة النعمان، بأنه لا حدّ على من تزوج من محارمه سوى التعزير، والتعزير في الفقه هي عقوبة يفرضها القاضي تكافئ الجريمة المرتكبة.
إلا أن الإمام مالك فرّق بين الوطء في ذلك بعقد النكاح وبين الوطء في بعض ذلك بملك اليمين، فقال: فيمن ملك بنت أخيه، أو بنت أخته، وعمته، وخالته، وامرأة أبيه، وامرأة ابنه بالولادة، وأمه نفسه من الرضاعة، وابنته من الرضاعة، وأخته من الرضاعة، وهو عارف بتحريمهن وعارف بقرابتهن منه ثم وطئهن كلهن، عالماً بما عليه في ذلك، فإن الولد لاحق به ولا حدّ عليه، لكن يعاقب.
ورأى أن ملك أمه التي ولدته، وابنته وأخته، بأنهن حرائر ساعة يملكهن، فإن وطئهن حدّ الزنا. وقال أبو حنيفة: لا حدّ عليه في ذلك كله، ولا حدّ على من تزوج أمه التي ولدته وابنته وأخته وجدته وعمته وخالته وبنت أخيه وبنت أخته، عالماً بقرابتهن منه، عالماً بتحريمهن عليه، ووطئهن كلهن، فالولد لاحق به، والمهر واجب لهن عليه، وليس عليه إلا التعزير دون الأربعين فقط، وهو قول الإمام سفيان الثوري، بحسب ما ورد في كتاب "المحلى" لابن حزم.
ووصل ببعض الفقهاء إلى اعتبار أن الوطء بشبهة ليس زنا، حيث اعتبر الشافعية أن الوطء بشبهة يجب فيه مهر المثل، فمن ظنّ في نائمة أنها زوجته فوطئها وهي لا تدري، ثبت لها مهر مثلها، أما إذا أحسّت به وعلمت فإنها تكون زانية يجب عليها الحدّ.
واعتبرت الشافعية أن شبهة الفاعل وهي ما إذا وطئ امرأة وهو يظن أنها زوجته، أو أمته، ثم تبين غير ذلك، تدرأ الحدّ، لا تتصف بحل ولا حرمة، وذلك لأن فاعله غير مكلف، لأن الفعل صدر عنه وهو غافل، ويجب فيها مهر بكر دون أرش بكارة على المعتمد، فإن كانت ثيباً فلها مهر مثل الثيب.
من ناحيته يستنكر الباحث المصري مصطفى النجار، فتوى الوطء بشبهة، موضحاً أن الرجل إذا دخل بيته ليلاً وفي الظلام ووجد امرأة تنام في فراشه وضاجعها ظناً منه أنها زوجته، ثم اكتشف أنها ليست زوجته، ربما صديقتها أو أختها أو أمها؛ فيكون حكمها حكم من أكل او شرب سهوا في نهار رمضان، بينما اختلف رجال الدين حول كون الطفل ثمرة تلك العلاقة، هل يرث أم لا؟
ويرى النجار أن الفقه لا يحتاج إلى متخصصين لأن كتاب الله واضح وبيّن وميسر، ويرد على فتوى الشافعي وأبي حنيفة بذكر الآية: "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ".
مؤكداً أن هذه الآية حرمت الزواج بالأم والبنت والأخت والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت، وهؤلاء أئمة المذاهب يجيزون ما حرمه الله بنص قرآني، مضيفاً: "البعض يأتي يقول لك من أنت حتى تتكلم في الشافعي أو أبي حنيفة أو ابن تيمية أو أو...؟ استغفروا الله العظيم من فقههم هذا الذي يجيز نكاح الأم والبنت".
أطفال بلا نسب رغم ثبوت البصمة الوراثية
وعادت تلك الفتاوى لتثير الجدل بعد قرار محكمة القضاء الإداري، بأنه من حق الطفل المولود سفاحاً استخراج شهادة ميلاد "مؤقتة"، والذي يأتي بالتزامن مع تداول عدة قضايا إثبات نسب أمام المحاكم المصرية، أبرزها قضية اغتصاب فتاة المنصورة، الطالبة أمل عبد الحميد، ومطالبتها بإثبات نسب طفلتها الناتجة عن تلك العلاقة للمتهم، بعدما أثبت تحليل البصمة الوراثية تطابق الحمض النووي للطفلة مع والدتها والمتهم، غير أن المحكمة رفضت إثبات النسب، وأصدرت حكم البراءة لاستبعاد شبهة الاغتصاب، والتصديق على رواية المتهم، بأن العلاقة كانت بالتراضي وليست خطف واغتصاب.
وأثار الحكم جدلاً واستياء بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، متسائلين عن أسباب عدم تسجيل الطفلة لأبيها، رغم ثبوت البصمة الوراثية، وكيف تصبح الطفلة بلا نسب رغم وجود أب لها، متسائلين حول كيفية نسبة ولد الزنا، في الوقت الذي تقول فيه القاعدة الفقهية إن الطفل ينسب لأبيه بالزواج الصحيح أو الزواج الفاسد أو الوطء بشبهة؛ فماء الزنا هدر ولا يجوز لابن الزنا أن يرث أبيه إنما ينسب لأمه ويرثها.
وبدورها دخلت دار الإفتاء المصرية على خط القضية، في فتوى لها بعنوان "إثبات النسب من الزنا"، قالت خلالها إن الفقهاء اتفقوا على أن ولد الزنا يثبت نسبه من أمه التي ولدته؛ دون الزاني الذي نتج عنه علاقته بالأم هذا المولود.
وأضافت أن الأبوة والنسبة لأب علاقة شرعية تثبت بالزواج وكذلك بوطء الشبهة، بينما الأمومة علاقة طبيعية، تختلف عن الأبوة، لذا فلا تثبت أبوة الزاني لمن تَخَلَّق مِن ماء زناه، ودليل ذلك قول النبي: "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ"؛ فيفهم منه أن الولد ينسب للزوج الذي ولد على فراشه، وبذلك يـثبت وصف الأبوة له شرعاً.
ولذلك فقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى عدم ثبوت نسب ولد الزنا للزاني، "تبيين الحقائق" للزيلعي، "الشرح الصغير" لسيدي أحمد الدردير مع "حاشية الصاوي"، "شرح المحلي على المنهاج" مع "حواشي قليوبي وعميرة"، " كشاف القناع".
وأضافت دار الإفتاء أنه لا يجوز نسبة ولد الزنا إلى أبيه، بخلاف نسبته إلى الأم، ولا بالإقرار بأنه ولده من الزنا؛ لأن ماء الزنا هدر، والنسبة للأب إنما هي نسبة شرعية، لا تتحقق إلا بموجب الطرق الشرعية لإثبات النسبة.
مشيرة إلى أنه عند عدم وجود الفراش الصحيح؛ بأن يكون الولد ثمرة زنا، سواء باغتصاب أم بغيره، فلا يثبت بذلك نسب؛ فماء الزنا هدر، وفي هذه الحالة يثبت النسب إلى الأم فقط، وعليها إسكانه وحضانته ونفقته وكل أوجه الرعاية التي تستلزمها تربيته، وفي الميراث يحصل التوارث بينه وبين أمه وأقاربها فقط؛ لأنه ولدها يقيناً ومنسوب إليها، وهو مَحْرَمٌ لها ولسائر محارمها.
وحمّلت الإفتاء الدولة تبعات هذا الطفل اللقيط في مؤسساتها في حال عدم ثبوت النسب بالوالدين أو بالأم؛ لأن الطفل بريء لا يَدَ له في مجيئه إلى الحياة على هذه الصورة غير الشرعية، وله من الحُرْمة ما لسائر بني آدم، أما ما يتعلق ببعض المشكلات التي تتعلق بالأبناء غير الشرعيين، كالتسجيل في المدراس ونحوه، فإن ذلك مفرَّعٌ على منح هؤلاء الأبناء لقباً يستطيع به من يلي أمرهم إلحاقهم بالمؤسسات التعليمية وغيرها.
وكأننا نحتاجهم ليعلموا الناس الصلاة والصوم والحج فقط!
فيما يؤكد الدكتور محمد عبداللطيف الخولاني، أستاذ الدعوة الإسلامية في الأديان والمذاهب، بجامعة الأزهر، أن إثبات النسب بالزنا بين الفقهاء القدامى يحتاج لإيضاح وتفصيل ونقد، مشيراً إلى أن فيه محاباة للذكورة.
ويبدي الخولاني تعجبه من قول بعض الفقهاء بأن بنت الزنا ليست محرمة على والدها من الزنا لأن ماء الزنا هدر، فلو زنا أحدهم ونتجت عن زناه بنت ثم كبرت يجوز للزاني الزواج بها عندهم، مؤكداً أن هذا أمر مستقبح، تمجّه الأذواق السليمة فضلاً عن أن يتبناه فقيه.
ويؤكد الخولاني أن الزنا محرم في الشريعة الإسلامية، وأنها وضعت حداً قاسياً يحقق الردع للزناة والزانيات متى توفرت شروط إثبات الزنا التي تحول دون انتشاره في المجتمعات، وجعلت الزواج هو الطريق الشرعي لقضاء الوطر والشهوة ضمن عشرات العلل من مشروعيته.
ويرى أستاذ الدعوة الإسلامية أن القاعدة القائلة بأن ماء الزنا هدر لا يثبت به نسب، تأتي من فهم الفقهاء البشري للنصوص، وليس فيها دليل واضح يؤكدها، وليست قاعدة سماوية نزل بها الوحي، معتبراً أن فيها إراحة وطمأنينة للزاني وليس إيلاماً وتعذيباً وإذلالاً للزانية كي لا تُقبل على الزنا كما يتصورون؛ فيمكن للزاني أن يدور على البغايا أو يستقطب الفتيات، ويستدرج ضحاياه بحيله الماكرة وهو مطمئن النفس مرتاح البال أنه لن يترتب على فحشه وقذره أثر.
ويشير الخولاني إلى أن كثير من الذئاب البشرية الأنذال يستقطبون بعض البنات ويوقعونهن في شراك الزنا بعد وعدهن الكاذب بالزواج، ثم يفرون مدبرين بعدما يعرفون أن ضحاياهن حوامل ويتركونهن وأجنتهن قنابل موقوتة في المجتمعات، الأمر الذي يسهل عليهم الزنا وطرقه، أمّا إن علم الزاني أنه سيترتب على زناه نسب ومسؤولية معنوية ومادية فسيكون ذلك عاملاً قوياً للعفة وترك الزنا بداية، مستنكراً أن تتم مكافأته بعدم إثبات ما ترتب على زناه.
ويرجع العالم الأزهري تأصّيل الفقهاء الأوائل لهذه القاعدة لأنه لم تكن في عصورهم وسائل إثبات قطعية، وأن الشبهة قائمة في إثبات النسب في زمانهم، لكن في عصرنا توجد وسائل قطعية الإثبات قادرة على إثبات النسب، مثل تحليل الحمض النووي، فهو قادر على إثبات أن فلاناً هو الأب البيولوجي للجنين الفلاني دون أدنى شك؛ ولذلك يستخدم هذا التحليل في مشاكل خطف الأطفال واختلاطهم في الحضانات... إلخ
ويؤكد الخولاني أن ثبوت نسب الجنين أو الطفل للزاني يعد إشعاراً له بعظم المسؤولية وما ترتب على فعله المحرم من مسئوليات جسيمة يتحملها، وهذا سيكون سبيلاً قوياً للتضيق على الزناة، فلا يزني ثم يفر هارباً، ويترك الزانية بجنينها أو ولدها قنبلة موقوتة في المجتمع ليلاحق العارُ ولدَها البريء المسكين طوال حياته، ويعيش أبوه البيولوجي في سلام وأمان، مشدداً على أن هذا لا يرضي الله رب العالمين.
ويعتبر أستاذ الدعوة الإسلامية أن الإشكال الوحيد أن تكون الزانية متزوجة حال الزنا، ثم يأتي الزاني لاحقاً بعد طلاقها أو موت زوجها يريد نسبة ابنها له بعد قيامه بتحليل الحمض النووي وثبوت نسب الطفل له بيولوجياً، متسائلاً: هل هنا ينتفي نسب الطفل بصاحب الزوجية حال ولادته وينسب للزاني؟!
مع بطلان ما ترتب على هذا النسب السابق من حقوق مادية كالإرث مثلاً، أم يكتفى بنفي نسب الولد دون نسبته للزاني؟ أم يظل منسوباً لصاحب الزوجية دون أن يترتب على هذا النسب آثار مادية؟ داعياً إلى أن يُدرس هذا الأمر بشتى جوانبه في المجامع الفقهية المعتبرة واستخلاص أحكام جديدة باجتهاد جديد وفق مقاصد الشريعة لحل المشاكل المعاصرة في مجتمعاتنا، مؤكداً أن الأمر معقد غاية التعقيد، شرعاً وقانوناً وعرفاً، ويحتاج لجرأة في مناقشته فضلاً عن بحثه داخل أروقة المجامع، فكثير من العلماء المعاصرين تتمعر وجوههم بمجرد ذكر هذه القضايا، وكأننا نحتاجهم ليعلموا الناس الصلاة والصوم والحج وفقط.
فتاوى حاصلة على ختم حكم كتب الأقدمين
فيما استنكرت الكاتبة المصرية الدكتورة آمال عويضة، الاعتماد على فتاوى صدرت قبل ألف عام، دون تشغيل العقل، لمجرد كونها حاصلة على ختم حكم كتب الأقدمين، مشيرة إلى أحاديث الذبابة وشرب بول الإبل والاختلاف حول أقصى مدة تمكثها المرأة وهي حامل.
وتستعرض عويضة آراء الفقهاء حول أقصى مدة للحمل، قائلة إن المدة المعهودة، وهي تسـعة أشـهر، أقر بها أصحاب المذهب الظاهري، أما أقصى مدة للحمل فهي سنة واحدة، بقول محمد بن عبد الحكم، والذي اختاره ابن رشد، بينما يرى مذهب الحنفية أنها تصل إلى سنتين، ويرى الليث بن سعد أن أقصى مدة هي ثلاث سنوات.
فيما يقول الشافعية والحنابلة، إن أقصى مدة للحمل هي أربع سنين وهو أشهر القولين عند المالكية، أما الإمام مالك فقد روي عنه أنها تصل إلى خمس سنين. وتضيف "عويضة": "بينما جاء في رواية عن الزهري ومالك، أنها تصل إلى ست سنوات، سبع سنوات، وبه قال ربيعة، وهي رواية أخرى عن الزهري ومالك، بينما يقول أبي عبيد والشوكاني، إنه لا حد لأكثر الحمل، وقال به من المعاصرين: الشنقيطي وابن باز والعثيمين.
وترى عويضة أن الفتاوى التي صدرت قبل ألف عام تحتاج إلى تشغيل العقل ورفض ما لا يستقيم، لأن الدين جاء لخدمة رفاه البشر وليس العكس، وأننا أعلم بشؤون دنيانا ولسنا بحاجة لأشخاص عاشوا في عصور مضت ليحكموا علينا بظروف زمنهم هم وحدود فهمهم ومعارفهم وعلومهم، متسائلة لماذا نسلم حياتنا ونعيش تحت سطوة شيوخ لا يؤمنون بالعلم الدنيوي الذي لا ينفع؟ علماً بأنهم يستخدمون تطبيقاته ليدافعوا عن فتاوى أكل لحم الأسير، وإرضاع الكبير، ومضاجعة الزوجة المتوفاة، وملك اليمين وحديث الذبابة.
من قال إن الأرض كروية فقد كفر وحق دمه
ولا تعد تلك الفتاوى هي الوحيدة الغريبة في تاريخ الفقه الإسلامي، فلعدد من مشايخ الفكر الوهابي نصيب الأسد من تلك الفتاوي التي تدعو معظمها إلى القتل والهدم والدموية.
ولعل أغرب الفتاوى قول الشيخ ابن باز بكفر وارتداد من صدق دعاوى علماء الفلك في قولهم بدوران الأرض، وورد في فتوى من ضمن فتاوى الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، التي نشرتها الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالرياض في عام 1976: "إنَّ القول بأن الشمس ثابتة، وأن الأرض دائرة هو قول شنيع ومنكر، ومن قال بدوران الأرض وعدم جريان الشمس فقد كفر وضل، ويجب أن يُستتاب، فإن تاب وإلا قتل كافراً مرتداً، ويكون ماله فيئاً لبيت مال المسلمين".
ومنها أيضاً فتوى الشيخ ابن عثيمين بتحريم تعلم اللغة الإنجليزية، معتبراً أن الذي يعلم صبيّه اللغة الإنجليزية منذ الصغر سوف يُحاسب عليه يوم القيامة، لأنه يؤدي إلى محبة الطفل لهذه اللغة، ثم محبة من ينطق بها من الناس، مستشهداً بقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أهل الجحيم": "فإن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، ولا يصح لمسلم التكلم بغيره".
وكذلك فتوى الداعية السعودي الشيخ يوسف الأحمد، عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بجامعة الإمام، بهدم المسجد الحرام بشكل كامل وإعادة بنائه من عشرة أو عشرين أو ثلاثين دوراً، بحيث يؤخذ في الاعتبار الفصل بين الرجال والنساء فيه، وذلك خلال مداخلة هاتفية أجراها مع قناة "بداية" الفضائية، موضحاً أنه يستند في ذلك إلى فتوى للمفتي العام الراحل الشيخ عبدالعزيز بن باز.
كما أثارت فتوى للشيخ ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية في مصر، جدلاً كبيراً، حين أجاز ترك الزوج زوجته للمغتصبين حفاظاً على النفس، وإن كان هناك نسبة لدفاع الزوج عن زوجته فيدافع عنها، لكن إن تأكد من مقتله فيجوز له تركها، لأن حفظ النفس مقدم على حفظ العرض.
بينما أفتى القيادي بالحركة السلفية الجهادية في مصر، الشيخ مرجان الجوهري، بإباحة هدم الأهرامات وأبي الهول لأنهما أصنام كفرية تتعارض مع تطبيق الشريعة الإسلامية، ووصف العاملين بالسياحة بأنهم دعاة للفسق والدعارة.
قتل "ميكي ماوس" وتحريم "بيكيمون" وكرة القدم
ومن أكثر الفتاوى الوهابية هزلية، قتل شخصية "ميكي ماوس" في المسلسل الكرتوني التليفزيوني الشهير؛ حيث طالب الشيخ السعودي محمد المنجد في برنامج تلفزيوني بقتل ميكي ماوس، لأنه من فئة الفئران ويحل قتله في الحل والحرم.
بينما حرمت اللجنة العليا للبحوث العلمية والشريعة الإسلامية في السعودية، مسلسل الكارتون الياباني الشهير "بوكيمون" على عقول أطفال السعودية، ومنعت كل ألعاب "البوكيمون" في عام 2001، معللة ذلك بأنه يشجع الأطفال على لعب القمار المحرم في الإسلام، وأنه واجهة دعائية لإسرائيل، وأن ألعابه تحمل نجمة داود، شعار الصهيونية، وبدورهم قام عدد من مشايخ الإمارات بتحريم "البوكيمون" بحجة أنه يروج لنظرية النشوء والتطور التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية.
بينما أصدر عدد كبير من المشايخ في السعودية فتوى بتحريم لعب كرة القدم، بدعوى أن الخطوط الأربعة في الملعب من صنيع الكفار والقانون الدولي لكرة القدم الذي أمر بوضعها ورسمها عند اللعب بالكرة، وأن ألفاظ القانون الدولي الذي وضعه الكفار والمشركين، كالفاول والبلنتي والكورنر والجول والآوت، كل هذه الألفاظ يجب أن تُترك ولا تقال.
الجن ينكحون النساء وهنّ على الكراسي
وأصدر الشيخ علي بن خضير الخضير، فتوى بحرمة الجلوس على الكراسي وما يشبهها من مقاعد وأرائك، معتبراً إياها من أخطر المفاسد وشر عظيم يخرج من الملة كما يخرج السهم من الرميّة، بحجة أن السلف الصالح وأوائل هذه الأمة كانوا يجلسون على الأرض، وأن الجن ينكحون النساء وهنّ على الكراسي التي تُشعر المرأة بالهيجان والشبق الجنسي المحرم، معتبراً أن الجلوس على الكرسي رذيلة وزنا لا شبهة فيه.
ومن الفتاوى المثيرة للاشمئزاز، إفتاء الشيخ عبد الباري الزمزمي، أحد رموز السلفية بالمغرب، بجواز معاشرة الزوج لزوجته الميتة، باعتبار أن الزوجة تبقى زوجة الرجل وتدخل الجنة صحبة زوجها إن كانا مؤمنين، وأن الرجل يظل مرتبطاً مع زوجته ما لم يطلقها، وهذا يعطيه حق مضاجعتها وهي ميتة، وهو ما ذهب إليه الإمام ابن حنيفة أيضاً.
أما الداعية المغربي الدكتور محمد عبد الرحمان المغراوي، أحد رموز السلفية بالمغرب، فقد أباح زواج الطفلة، قائلاً إن بنات التاسعة لهن من القدرة على النكاح ما للكبيرات من بنات العشرينيات فما فوق، فهذا لا إشكال فيه.
ويمكننا القول بأن تلك الفتاوى قطرة من غيث من الآراء الفقهية التي تحتاج إلى إعمال العقل ومراجعة أصحاب التخصص في علوم الدين والدنيا، لتناسب القرن الحادي والعشرين، بما لا يتنافى مع العقل والحقائق العلمية المثبتة دون مخالفة للقرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة الموثوقة؛ حيث أن آراء الفقهاء تبقى في النهاية اجتهاداً بشرياً يصيب أحياناً ويخطئ أحياناً أخرى؛ فهي ليست بالوحي الإلهي ولا تملك قدسية القرآن.