مؤشر الديمقراطية.. العالم العربي أخيرا - مقالات
أحدث المقالات

مؤشر الديمقراطية.. العالم العربي أخيرا

مؤشر الديمقراطية.. العالم العربي أخيرا

نضال منصور:

 

يرسم مؤشر الديمقراطية صورة قاتمة للعالم العربي لعام 2021، فمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحتل المراتب الدنيا والأخيرة، و17 دولة عربية صُنفت بأنها استبدادية، في حين 4 دول لم تُدرج بالأساس ضمن المؤشر، وهي: الصومال، وموريتانيا، وجيبوتي، وجزر القمر.

تونس الرهان الوحيد على النجاة من حالة الاستبداد تقهقرت إلى الوراء، وأصبحت "نظاما هجينا" بعد أن كانت "ديمقراطية معيبة" حسب تصنيف المؤشر، وتراجعت إلى المرتبة 75 بعد أن كانت تحتل المرتبة 54 عالميا.

طغيان الاستبداد في العالم العربي بالتأكيد لم يُفاجئني، فموجة الردة عن "الربيع العربي" مستمرة، وأخر نوافذ الأمل في تونس أغلقت، والرئيس المُنتخب، قيس سعيد، بإجراءاته المُنفردة يأخذ البلاد إلى المجهول.

الانكسار في العالم العربي هو السائد، فثورات "الربيع العربي" الأولى - إن جازت التسمية - وئدت، والأنظمة التي سقطت تحت وطأة الاحتجاجات والمطالبات بالتغيير، لم تُنتج تحولات ديمقراطية، وبعضها ما يزال حتى الآن يعيش أتون الصراعات، والحروب.

وحالة الابتهاج التي سادت بصحوة جديدة قبل سنوات قليلة، وعودة الأصوات المطالبة بالتغيير إلى الشارع في بعض الدول، مثل: الجزائر، والسودان، ولبنان، والعراق، تلاشت واختفت تحت وطأة الهراوات والقمع، أو باستبدال للوجوه في السلطة، أو عصفت بها التدابير الاستثنائية لجائحة كورونا.

ما يُعزينا عربيا، ويُخفف علينا الإحساس بالتفرد بحالة الاستبداد، وسيطرة أنظمة سلطوية أن العالم كله يتراجع في البناء الديمقراطي، وما يكشفه مؤشر وحدة الإيكومونسيت الاستقصائي أن عام 2021 هو الأسوأ منذ إطلاق التقرير الرصدي عام 2006، وأن 45 بالمئة من دول العالم يعيشون في ظل أنظمة ديمقراطية.

نُسلم أن جائحة كورونا عصفت بالديمقراطية إذ أعطت مبررات لاتخاذ الكثير من الأنظمة لإجراءات استثنائية تحت ذريعة حماية الصحة والسلامة العامة، وواقع الأمر أن تحولات تجتاح العالم تدفع بأنظمة يمينية شعبوية للسلطة، وهي لا تؤمن بالحقوق والحريات، وتهددها كلما أتيح لها ذلك، وتُدير ظهرها لقيم الديمقراطية والحكم الرشيد حتى في أنظمة عُرف تاريخها بسيادة نهج ديمقراطي، وهذا ما حدث في بعض الدول الأوروبية.

مؤشر الإيكومونسيت يتحدث عن تراجع ملحوظ في إسبانيا، وتحولها إلى ديمقراطية فاسدة، وكذا الأمر في بريطانيا، والمُلفت أن 6.4 بالمئة من 167 دولة يُغطيها المؤشر حصلت على علامة الديمقراطية الكاملة.

يضع مؤشر الإيكومونسيت أربعة تصنيفات للدول تتقدمها دول "ديمقراطية كاملة"، ويليها "ديمقراطية معيبة"، ويتبعها "ديمقراطية هجينة"، ويتذيلها "الأنظمة الاستبدادية"، والمؤشر علامة ودلالة، ولا يعني بالمطلق التسليم بكل نتائجه، ومن الأمثلة على ذلك أنه يُصنف إسرائيل على أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهو ما يتناقض مع التقارير الحقوقية للأمم المتحدة، والمؤسسات الدولية، ومن بينها: منظمة العفو الدولي "أمنستي"، و "هيومن رايتس ووتش" التي تعتبرها نظام فصل عنصري، فالديمقراطية لا يُمكن أن تتعايش وتنمو في ظل سلطة تُصادر حقوق الإنسان.

كالعادة تتصدر الدول الإسكندنافية مؤشرات الديمقراطية وحقوق الإنسان، فالنرويج في المقدمة، ونيوزيلاندا ثانيا، وفنلندا ثالثا، والسويد رابعا، والدنمارك خامسا، في حين أن أميركا لم تأخذ علامة الديمقراطية الكاملة، وصنفت بأنها "معيبة"، وفي العالم العربي خرج فقط من تصنيف أنظمة الاستبداد تونس، والمغرب، وأكثر الدول العربية تذيلت قائمة المؤشر، وسوريا كانت الأخيرة

المؤشرات الديمقراطية تتراجع إلى الوراء، فمن 167 دولة حصلت 21 دولة على وصف "ديمقراطية كاملة"، و53 دولة صنفت "ديمقراطية معيبة"، و34 دولة "ديمقراطية هجينة"، و54 دولة وهو العدد الأكثر "أنظمة مستبدة".

المؤشر لعام 2021 حمل عنوان " التحدي الصيني"، وهو يطرح سؤالا ومُقاربة مُحيرة، فالصين ظاهرة خارج النص والقواعد السائدة، فهي تسجل أعلى نمو اقتصادي، رغم أن نظامها السياسي لا يشبه الأنظمة الديمقراطية، وأقرب للشمولية التسلطية، ومع ذلك يُحقق اختراقا للمفاهيم، ولتلازم مسارات التنمية مع الديمقراطية، وهذا يعيد إنتاج السؤال: هل يمكن إحداث التنمية بلا ديمقراطية بالمواصفات الغربية المتعارف عليها؟ 

النموذج الصيني يُعيدنا إلى المربع الأول، وتأخذنا الهواجس لإعادة إنتاج سؤال يتردد على مسامعنا كثيرا.. هل يصلح العالم العربي للديمقراطية، وهل شعوبه مُهيأة لذلك؟ 

هذه الأسئلة المُضللة أشاعتها أنظمة الحكم المستبدة والفاسدة منذ عقود، وتسربت حتى للنخب التي بدأت تشكك بفرص دمقرطة النظام العربي، وزاد من ظلال الإحباط فشل الكثير من تجارب التحول الديمقراطي من المحيط إلى الخليج

المؤكد أن معطيات الواقع ليست حاضنة لبناء أنظمة حكم ديمقراطية رشيدة، فالدولة العميقة المتحكمة في السلطة في العالم العربي رسخت البنى القبلية والعشائرية، واستمرت في توظيف الدين لمصالحها، وغذت الصراعات الطائفية، لتظل الأسئلة التي طُرحت قبل ألف عام هي جوهر الصراع في المجتمعات، والاستثناء الوحيد الذي طُور، واسُتجلب له كل الدعم المالي والتكنولوجي هي مؤسسات الأمن والمخابرات لأنها ظلت عماد الحكم وركيزته الأساسية للاستمرار

الحقيقة التي لا يجوز أن نُغفلها هي السؤال الآخر.. أين دول العالم الديمقراطي من أنظمة الاستبداد العربي التي تُشاهد يوميا سطوتها وفسادها على شعوبها؟ هل لها مصلحة في تغيرها؟، أم تدعم استمرار أنظمة غير شرعية شعبيا، ضمن مقاسات ومعايير الحكم الديمقراطي لأنها أفضل من يخدم مصالحها، ولأن شعارها الحقيقي رغم كل الكلام المُنمق "المصالح تتقدم على المبادئ"؟ 

الحرة

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث