لأجل حوار (اسلامي – مسيحي) مشرقي، حقيقي وبناء - مقالات
أحدث المقالات

لأجل حوار (اسلامي – مسيحي) مشرقي، حقيقي وبناء

لأجل حوار (اسلامي – مسيحي) مشرقي، حقيقي وبناء

سليمان يوسف يوسف:

 

الدين، بعقيدته وشعائره وهيبته، لا يزال فاعل أساسي ومؤثر قوي في صياغة المفاهيم ، السياسية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية، لدى الشعوب المشرقية عامة والاسلامية خاصة. من هنا تأتي أهمية الحوار (الاسلامي – المسيحي ) المشرقي، الذي يُعنى بمستقبل العلاقة والعيش المشترك بين المسلمين والمسيحين في منطقة المشرق، المشبعة بثقافة التعصب والكراهية الدينية. في حين كان المفترض أن يكون هذا المشرق نموذجاً ومثالاً للعيش المشترك والتآخي بين شعوبه ، باعتباره مهد الديانات والرسالات السماوية الداعية للتسامح الديني والإنساني .

الحوار ، كآلية للتواصل بين البشر، هو شأن (إنساني) لا يعني تماثلاً مع الآخر، وإنما للتأكيد على احترام الآخر كإنسان والقبول به شريكاً بكامل الحقوق والواجبات. الحوار الحقيقي الجاد والشفاف يُعزز الثقة بين المتحاورين ، يخفف من درجة الاحتقان ومن مستوى التوتر في المجتمع ، كذلك يوفر المناخات المؤاتية للحياة المشتركة بين مكونات المجتمع الواحد . في إطار الحوار ( الإسلامي – المسيحي )، على مدى العقود الماضية، عُقدت العديد من المؤتمرات والملتقيات العالمية والاقليمية، شاركت فيها مرجعيات(اسلامية و مسيحية) مشرقية وغربية، لكن من غير أن تثمر عن نتائج مهمة على صعيد تخفيف حدة التوترات الطائفية والعنف الديني في المنطقة والعالم. حتى وثيقة "الأخوة الانسانية"، وصفت بالتاريخية ،التي وقعها بابا الفاتيكان (فرنسيس الأول) وشيخ الأزهر (أحمد الطيب) في عاصمة دولة الامارات (ابوظبي 4 شباط 2019) ، لم تظهر نتائج فعلية وترجمة عملية، لما دعت اليه من تسامح وعيش مشترك ومكافحة العنف والتطرف .

مؤتمرات وملتقيات الحوار (الاسلامي – المسيحي) المشرقي- تلك التي تجمع مسلمين ومسيحيين مشرقيين- يغلب عليها طابع المجاملات. هي أشبه بـ"المهرجانات الخطابية" ينتهي مفعولها مع اختتام أعمالها وقراءة بيانها الختامي. غالبية المشاركين فيها هم من الموالين لحكومات بلدانهم. المقرب من (السلطان) لا يمكن أن يكون حراً وجريئاً وصادقاً في نقاشاته ومقاربته للمشكلات والقضايا المطروحة، خاصة تلك المتعلقة بسياسات وممارسات الأنظمة الحاكمة. اعتاد المشاركون في مؤتمرات الحوار على إدراج (قضية المسيحيين المشرقيين)، كإحدى تداعيات الصراع "العربي – الاسرائيلي " و "المؤامرة الأمريكية الغربية" المزعومة على العرب والمسلمين. طبعاً، إنها مقاربة خاطئة ومؤدلجة ،بهدف تضليل الرأي العام وإبعاده عن الأسباب الحقيقية لمحنة مسيحيي المشرق ، وتبرئة الحكومات والانظمة العربية والاسلامية من مسئولياتها ،القانونية والوطنية والأخلاقية، تجاه مواطنيها المسيحيين.

أنظمة وحكومات دكتاتورية فاسدة ، تتمسك بدساتير طائفية تكرس وتشرعن ( سياسية التميز الديني) ، لا يمكن أن تسمح بحوار( مسيحيي – اسلامي) حقيقي وجاد، يُسقط عنها ورقة التوت. هذه الانظمة تعمل على إجهاض وقتل كل المبادرات والمشاريع الوطنية الساعية الى إخراج دول المنطقة من النفق المظلم الذي تسير فيه الى نور الحرية والديمقراطية والحياة المدنية . تجدر الإشارة، أن الدول العربية والاسلامية تتصدر قائمة أكثر الدول اضطهاداً للمسيحيين على مستوى العالم، وفق تقارير منظمة "الأبواب المفتوحة" المتخصصة في رصد القمع الذي يتعرض له المسيحيون حول العالم . (17 دولة عربية) ،بينها ( سوريا ، العراق، مصر ، الاردن)، هي من بين الدول الأكثر قمعا للمسيحيين على مستوى العالم.

اشكالية العلاقة بين " الزمني" و"الروحي" تعد واحدة من أكثر المسائل والمشكلات تعقيداً في الحوار بين أتباع الديانات . تخطي هذه العقبة يكون بإبعاد المسائل (العقائدية والقضايا اللاهوتية) عن المناقشات . فالحوار ( الاسلامي – المسيحي) ليس حواراً بين الاسلام والمسيحية ، وإنما بين مسلمين ومسيحيين ، لأجل التقارب وتجسير الهوة بينهم والعمل معاً على تعزيز القيم الانسانية والدينية السمحاء ونشر ثقافة التآخي والتسامح بين الشعوب .

من العقبات الأخرى التي تعترض طريق تفعيل و نجاح مؤتمرات الحوار( الاسلامي – المسيحي) : تمسك المرجعيات الاسلامية بفكرة " الاسلام هو الحل وهو الحامي لأتباع الديانات الأخرى في ديار المسلمين ". سيبقى الحوار عقيماً ومن غير جدوى، ما لم تتخلى المرجعيات الاسلامية عن مثل هكذا افكار ومفاهيم قديمة، تلغي وظيفة الدولة و تنسف مشروع (دولة المواطنة - الدولة المدنية ) وهي الخيار الأمثل للعيش المشترك و لضمان حقوق وحريات الجميع والسبيل الوحيد لبقاء من تبقى من المسيحيين المشرقيين في أوطانهم الأم. اذا ما خلا المشرق ( مهد المسيحية ) من المسيحيين، هذا المكون المشرقي الأصيل، حينها لن يبقى أي معنى للحوار بين المسلمين والمسيحيين المشرقيين.

لا يكفي الحديث في المؤتمرات عن " فضل الاسلام على مسيحيي المشرق و دور المسيحيين المشرقيين في الحضارة العربية الاسلامية و مخاطر استمرار الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين ". ثمة قضايا ومشكلات مجتمعية وحياتية تهم شعوب المنطقة، تستحق أن يتوقف عندها المشاركون في مؤتمرات الحوار (الاسلامي- المسيحي) للخروج برؤية مشتركة منها، من هذه القضايا ( مقومات العيش المشترك . الخلل في العلاقة المسيحية – الاسلامية. هواجس المسيحيين المشرقيين . الخطاب الديني . العدالة الاجتماعية . التماسك المجتمعي والاندماج الوطني .الحقوق الدينية والمدنية لغير المسلمين. المآسي الإنسانية . المسالة الطائفية . الزواج المدني.. جرائم الشرف، وغيرها ...) ...

الحوار المتمدن

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث