رصيف22
بعد خذلانها أفراد أقلية الأويغور المسلمة ومن بعدهم المعارضين المصريين المحتمين فيها، يبدو أن تركيا لم تعد كما السابق "ملاذاً آمناً" للمعارضين الإيرانيين، بعدما وصف بأنه "موجة جديدة من الاعتقالات وأوامر الترحيل" التي استهدفت طالبي اللجوء من الجمهورية الإسلامية هناك في الآونة الأخيرة.
في 20 نيسان/ أبريل، أفادت صحيفة الغارديان البريطانية بأن ما لا يقل عن خمسة معارضين إيرانيين محتجزون حالياً في تركيا ضمن أحدث حملة اعتقالات وعملية استبعاد لمنتقدي النظام الإيراني الموجودين في أنقرة.
الإعدام مصير محتمل
أحدهم هو الناشط السياسي الكردي أفشين سهراب زاده (31 عاماً)، الذي كان قد تعرض للتعذيب والحبس الانفرادي خلال سبع سنوات في أحد سجون إيران قبل أن يتمكن من الفرار إلى تركيا عام 2016، وتلحق به زوجته بعد ذلك بعام. اعتُقل أفشين الشهر الجاري عقب زيارة روتينية لمركز الشرطة المحلي في مدينة إسكي شهر (شمال غرب تركيا) للحصول على أوراق سفر، ووجهت إليه تهمة "تهديد الأمن القومي التركي".
وفيما الناشط محتجز الآن بانتظار ترحيله إلى بلاده، حذّر محاميه، محمود قاشان، من أن وضعه المحمي بموجب القانونين الدولي والتركي كلاجئ يتم تجاهله، وسط ترجيحات بأن يواجه أفشين عقوبة الإعدام إذا أُعيد إلى إيران.
أعدمت السلطات الإيرانية نحو 267 شخصاً خلال عام 2020، وفق التقرير السنوي الثالث عشر لمنظمة "حقوق الإنسان في إيران"، الصادر نهاية الشهر الماضي.
وفي نفس يوم احتجاز أفشين، أوقف أربعة آخرين من طالبي اللجوء الإيرانيين في تركيا. وهم: ليلي فرجي، وزينب صحافي، وإسماعيل فتاحي، ومحمد بورا كباري - في دنيزلي (غرب تركيا) ظاهرياً بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات الأخيرة ضد انسحاب أنقرة من اتفاقية دولية تحمي النساء من العنف الأسري.
ملاذ آمن سابقاً
ويعيش في تركيا 67 ألف إيراني، بينهم 39 ألف لاجئ. والبلد هي مقصد ملايين السياح الإيرانيين سنوياً لا سيّما أنها تسمح بدخولهم دون تأشيرة.
على الرغم من الشكاوى المتكررة للمعارضين الأتراك من القمع المتصاعد باستمرار لحكومة الرئيس رجب طيب أردوغان، لجأ مئات الآلاف من الإيرانيين والأويغور المضطهدين في الصين والسعوديين ونشطاء الربيع العربي بمن فيهم قادة وأنصار جماعة الإخوان المسلمين المصريين، إلى تركيا على مدار العقد الماضي هرباً من استهداف أنظمة بلدانهم الوحشية.
لكن، في الفترة الأخيرة، تضررت سمعة تركيا كملاذ للمعارضين والمنفيين اختيارياً على خلفية سلسلة من عمليات ترحيل الأويغور إلى كازاخستان حيث يتم نقلهم إلى الصين، والأنباء عن قرب توقيع معاهدة تسليم مجرمين التي بين أنقرة وبكين. في الوقت نفسه، فُرضت قيود على أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين المصريين، وأُعيد بعضهم إلى مصر.
في غضون ذلك، أخبر إيرانيون "الغارديان" بأنهم باتوا يعيشون في خوف متزايد بسبب العلاقة الوثيقة، وإن كانت معقدة، بين أنقرة وطهران حيث تربط البلدين علاقات تجارية وأمنية قوية.
هذه ليست السابقة الأولى لترحيل إيرانيين من أنقرة. في العام الماضي، ذكرت "التايمز" أن نحو 33 إيرانياً رُحلّوا إلى بلادهم من تركيا، بمن فيهم رجلان حُكما بعد ذلك بالإعدام بسبب مشاركتهما في احتجاجات عام 2019. يُعتقد أيضاً أن ما لا يقل عن سبعة إيرانيين آخرين رحلتهم أنقرة خلال السنوات الثلاث الماضية في السجون الإيرانية راهناً.
ومنذ عام 2017، قُتل/ خطف نحو أربعة إيرانيين على الأراضي التركية، في حوادث المتهم الأول بها الحرس الثوري الإيراني.
قبل أيام، أشارت "فوكس نيوز" إلى امرأة إيرانية اعتقلتها المخابرات التركية لدى مغادرتها السفارة الإسرائيلية في أنقرة وتسليمها إلى الحرس الثوري حيث رُحلّت إلى إيران وهي محتجزة حالياً في سجن إيفين سيء السمعة بطهران.
نظراً لتسلم السلطات التركية عملية تسجيل اللاجئين وطالبي اللجوء في البلاد من الأمم المتحدة عام 2018، ليست هناك إحصاءات متاحة حول الترحيل.
خوف وترقب
قالت زوجة أفشين، فيريشتة كانجافاري (28 عاماً)، إن الزوجين تعرضا لمضايقات متكررة من قبل رجال يعتقدون أنهم عملاء للحكومة الإيرانية خلال فترة وجودهم في تركيا، ما دفعهم إلى تغيير سكنهم عدة مرات.
وأضافت: "عشنا حياة هادئة في تركيا، ولم تكن لدينا رغبة في لفت الانتباه إلى أنفسنا وكنا حريصين على اتباع قواعد البلد المضيف. كل ما نريده هو حياة طبيعية في مكان آمن. أخشى بشدة على زوجي وعلى مستقبلنا وعلى ابننا".
كما عبرت عن غلبة الحيرة والخوف عليها قائلةً: "لا أشعر بالأمان هنا؛ إنه شعور دائم بعدم الأمان، أينما ذهبت، وأياً كان ما أفعله، فقد يتم اعتقالي. لقد تغيرت الطريقة التي أشعر بها تجاه تركيا".
لكن، رداً على سؤال "الغارديان" حول مصير الرعايا الإيرانيين الخمسة المحتجزين حالياً، قال مسؤول تركي رفيع: "تركيا لا تنوي ترحيل أي منهم إلى إيران. من الممكن، أن يتم إرسالهم إلى بلد ثالث"، دون تحديد هذا البلد الثالث.
تعقيباً على ذلك، أوضحت بوس برجامالي، محامية المعتقلين الإيرانيين الأربعة خلال الاحتجاجات: "لم تُحدد دولة ثالثة في قرار الترحيل، والإجراءات القضائية مستمرة. بغض النظر عن البلد، فإن الترحيل سيكون غير قانوني. كما أنه من غير القانوني أن يظل موكليّ في مركز الترحيل أثناء هذه العملية برمتها".
أما قاشان، فشدد على أن الترحيل إلى إيران سيمثل انتهاكاً لمبدأ من مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان هو عدم الإعادة القسرية. مع ذلك، نوّه بأن تركيا وإيران "لديهما اتفاقات لتبادل الأشخاص الذين يشكلون تهديداً سياسياً أو أمنياً، وخاصة أي شخص قد تربطه صلة بالجماعات الكردية".
وأردف: "لقد مثلت العديد من اللاجئين وطالبي اللجوء من إيران وكان التعامل معهم فظيعاً في كثير من الأحيان. يفترض أن هناك سيادة للقانون في تركيا، لكن الحقيقة هي أنه يمكن ترحيل الإيرانيين بشكل متزايد دون سابق إنذار أو اتباع الإجراءات القانونية الواجبة".
وتهدد هذه الموجة من الاعتقالات والترحيلات سمعة تركيا كمكان يمكن أن يعيش فيه المنشقون بحرية غير متاحة في البلدان الإسلامية الأخرى