على الرغم من إقرار المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM) لها في وقت سابق من الأسبوع، أعلنت ثلاث من الهيئات الممثلة للجالية المسلمة في فرنسا، ومنضوية في المجلس، رفضها التوقيع على "شرعة مبادئ" وضعتها الحكومة الفرنسية لتنظيم شؤون ثاني أوسع الديانات انتشاراً في البلاد.
تذرّعت الهيئات الثلاث، وهي: "اللجنة التنسيقية للمسلمين الأتراك في فرنسا" و"الاتحاد الإسلامي مللي غوروش في فرنسا" وحركة "إيمان وممارسة" المتشدّدة والمقربة من جماعة التبليغ، بأن الصيغة الحالية للميثاق "تُضعف أواصر الثقة بين مسلمي فرنسا والأمة" و"تمسّ شرف المسلمين".
وأضافت، في بيان مشترك، أن "بعض العبارات (في الشرعة) تمسّ شرف المسلمين ولها طابع اتّهامي وتهميشي". لكن مصدراً مطّلعاً على الملف أكد، لوكالة فرانس برس، أن الهيئات الثلاث تعترض بشكل خاص على تعريفَيْ "التدخّلات الخارجية" و"الإسلام السياسي ".
توافُق بعد خلافات داخلية
وقاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حملةً للتصدّي لما وصفه بـ"النزعة الانعزالية" لمسلمي فرنسا، طارحاً فكرة وضع هذه الشرعة. وشدد ماكرون ضغوطه على ممثلي المسلمين في فرنسا بعد وقوع الهجومين اللذين أُحيلا إلى "التطرف الإسلامي" - على مدرّس التاريخ صامويل باتي منتصف تشرين الأول/ أكتوبر الماضي وعلى كاتدرائية نيس بعد أسبوعين من ذلك الوقت.
وفي 17 كانون الثاني/ يناير، وعقب خلافات داخلية استمرت عدة أسابيع، وقّعت خمسة من أصل تسعة كيانات مكونة لـ CFCM بالأحرف الأولى على الميثاق الحكومي. وهي الخطوة التي أشاد بها ماكرون معتبراً أنها تعكس "التزاماً صريحاً ودقيقاً تجاه الجمهورية".
لكن الهيئات الثلاث المشار إليها عادت لتعلن رفضها، مطالبةً في المقابل بـ"تحسين النص" عبر إجراء "مشاورات موسعة ديمقراطية وتشاركية" قبل التوقيع على الميثاق الذي لفتت إلى ترحيبها بروحه مع التحفظ على بعض بنوده. وأوضحت: "من أجل تبني هذا الميثاق، ينبغي أن نجد ذواتنا في محتواه. لن يكون من المجدي التوقيع على نص لا يستطيع مجتمعنا قبوله بهدوء"، وفق بيان المنظمات الذي تداولته صحيفة لو موند الفرنسية.
رداً على موقف الهيئات الإسلامية، دعت زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني في فرنسا، مارين لوبان، إلى حل هذه الهيئات.
ما سبب قلق المعترضين على الشِرعة؟
بشكل أساسي، تنصّ الشرعة على "مبدأ المساواة بين الرجال والنساء" وضرورة "توافق" الشريعة الإسلامية مع مبادئ الجمهورية الفرنسية، بما فيها العلمانية، في حين تتشدّد في "رفض توظيف الإسلام لغايات سياسية"، مؤكدةً أهمية "عدم تدخّل" أي دولة أجنبية في شؤون الجالية المسلمة، بحسب ما صرح به رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية المغربي محمد موسوي.
وقال CFCM، في بيان عقب التوقيع، إن الشرعة تركز على "مبدأ المساواة أمام القانون يرغم كل مواطن ولا سيما المسلم في فرنسا على عيش حياته في إطار قوانين الجمهورية الضامنة لوحدة البلاد وتماسكها"، وتشير إلى الأعمال العدائية التي تستهدف مسلمين في فرنسا ومنسوبة إلى "أقلية متطرفة لا ينبغي أن تعتبر أنها الدولة أو الشعب الفرنسي". وتعني الفقرة الأخيرة وقف التنديد من قبل هذه المنظمات بـ"عنصرية الدولة" واعتبار ذلك، إن حدث، "تشهيراً".
كما يمهد إقرار الميثاق لإنشاء مجلس وطني فرنسي للأئمة تكون مهمته الإشراف على الأئمة في فرنسا، وتمكنه صلاحياته من سحب تراخيص مزاولة النشاط الديني لمن يخرق مبادئ الشِرعة منهم. وتتناولت بنود الشرعة كذلك الإحاطة أكثر بالهبات الأجنبية التي تزيد عن عشرة آلاف يورو (نحو 12 ألف دولار أمريكي).
وسبق أن صرّح ماكرون بأنه يعتزم وضع حد لوجود 300 إمام أجنبي "موفد" في فرنسا من تركيا والمغرب والجزائر، مرجحاً أن يتم ذلك في غضون أربع سنوات.
وذكرت وسائل إعلام فرنسية أن المنظمات الثلاث اعترضت على إدانة "الإسلام السياسي" في الميثاق، مع الإشارة إلى أن التيارات المحددة في النص هي من يطلق عليها التيار السلفي (الوهابية)، والتيارات المرتبطة بفكر جماعة الإخوان المسلمين.
وثمة سبب ثالث للخلاف، وفق الصحافة الفرنسية، يتمثل في تفضيل بعض المنظمات الإسلامية تسمية الميثاق بـ"المبادئ الجمهورية" وليس "الإسلام الفرنسي".
يُذكر أن التوقيع على "شرعة المبادئ" يعني "الالتزام الفردي والجماعي" بنصوص الميثاق.