تنظيم الدولة الإسلامية "نقل" مركز ثقله إلى قلب القارة الأفريقية - مقالات
أحدث المقالات

تنظيم الدولة الإسلامية "نقل" مركز ثقله إلى قلب القارة الأفريقية

تنظيم الدولة الإسلامية "نقل" مركز ثقله إلى قلب القارة الأفريقية

• فرانك غاردنر

• مراسل بي بي سي للشؤون الأمنية

 

وصل مؤخراً 300 جندي بريطاني إلى جمهورية مالي المضطربة الواقعة في غرب القارة الأفريقية في وقت يبدو أن تنظيم الدولة الإسلامية قد نقل مركز نشاطه من الشرق الاوسط إلى قلب القارة الأفريقية.

ويتم نشر هؤلاء الجنود في إطار عملية عسكرية تسمى "نيوكومب" وتستمر لمدة 3 سنوات وينضمون الى قوة متعددة الجنسيات تابعة للامم المتحدة مكونة من 15 الف جندي بقيادة فرنسية لضمان الاستقرار في منطقة جنوب الصحراء الكبرى التي تعرف أيضا بمنطقة الساحل.

ومالي ليست سوى واحدة من الدول التي تواجه حاليا تصاعدا مضطرداً في عمليات ونشاط الجهاديين ويتسع نطاق اعمال العنف بشكل متزايد.

وحسب نشرة "مؤشر الارهاب العالمي" التي نشرت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي نقل تنظيم الدولة الاسلامية "مركز ثقله" من منطقة الشرق الاوسط إلى القارة الأفريقية وإلى جنوب القارة الاسيوية بدرجة اقل، حيث شهدت منطقة الساحل هذا العام زيادة في اعمال القتل بنسبة 67 في المئة مقارنة بالعام الفائت.

وجاء في النشرة "إن نمو الجماعات المرتبطة بتنظيم الدولة الاسلامية في منطقة الساحل أدى الى تصاعد وتيرة الاعمال الإرهابية في العديد من بلدان المنطقة" وتقع سبع دول من الدول العشر التي شهدت تصاعدا في الاعمال الارهابية في جنوب الصحراء الكبرى وهي بوركينا فاسو وموزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومالي والنيجر والكاميرون واثيوبيا.

ولفتت النشرة الى أنه في عام 2019 شهدت دول جنوب الصحراء الكبرى اكبر زيادة في عمليات القتل التي تنسب للجماعات المرتبطة بتنظيم الدولة الاسلامية والتي بلغ مجموعها 982 حالة قتل وهو ما يمثل 41 في المئة من اجمالي أعمال القتل.

تجرية مديدة

تنشط الجماعات المتطرفة في القارة الافريقية منذ أمد طويل فقد أقام زعيم تنظيم القاعدة السابق اسامة بن لادن مقر قيادته في السودان قبل أن يعود الى افغانستان عام 1996.

وفي نيجيريا سبق أن اعلنت جماعة بوكو حرام عن انطلاق عملها "الجهادي" عام 2010 وقبل وقت طويل من قيامها عام 2014 بخطف مئات الطالبات من بلدة تشبوك.

وتواجه المنطقة حالياً تصاعداً في العمليات الارهابية بفعل المنافسة بين الجماعات الجهادية. ويؤكد منسق محاربة الارهاب في وزارة الخارجية الأمريكية السفير ناتان سلز أن القاعدة وتنظيم الدولة الاسلامية نقلا مركز ثقلهما من منطقة عملهما التقليدية في سوريا والعراق الى الجماعات المرتبطة بهما في غرب وشرق القارة الافريقية والى افغانستان.

ويرجح سلز أن تكون ساحة المعركة الاساسية القادمة ضد الجماعات الارهابية هي القارة الأفريقية. لكن المعركة لن تكون فقط بين حكومات المنطقة من طرف والجماعات الجهادية من طرف آخر بل سنشهد طراعا داميا بين القاعدة والدولة الاسلامية بسبب المنافسة بينهما.

وهذه المنافسة تحتدم أكثر فأكثر حسب رأي الخبير في شؤون الجماعات الجهادية اوليفيه غييتا من مؤسسة غلوبال سترات للمخاطر الأمنية الاستشارية، "أفريقيا ستكون ساحة الجهاد العالمية خلال السنوات العشرين المقبلة بدلا من الشرق الاوسط" حسب رأي غييتا.

ورغم أن الجماعتين تشتركان في كراهية حكام المنطقة المدعومين من الغرب وتتهمانهم بالكفـر، لكن هناك فروقات جوهرية في مقاربة وأفكار كلتا الجماعتين. فالدولة الإسلامية معروف عنها أنها لا تتورع عن استخدام أشد أساليب العنف والفظاعة في عملياتها، مثل عمليات قطع الرؤوس ونشرها عبر شرئط مصورة.

ورغم انها تنجح في استقطاب المنحرفين والمجرمين إلى صفوفها عبر هذه الاساليب لكن ذلك يثير حفيظة وكراهية الغالبية العظمى من المسلمين.

بينما القاعدة تلجأ الى أساليب أكثر براغماتية مثل كسب ولاء ابناء المنطقة الذين لا يثقون بحكوماتهم وبقوات الأمن الحكومية، واستغلال المظالم الاقليمية والعرقية.

مالي ومنطقة الساحل

تضم منطقة جنوب الصحراء الكبرى التي تعرب باسم منطقة الساحل ايضا، بعض أفقر دول العالم وهذه الدول هي مالي ونيجر وتشاد وبوركينا فاسو وموريتانيا وجميعها شهدت هجمات مسلحة وأعمال تمرد.

وتعاني اجزاء واسعة من هذه المنطقة من القحط بدرجات متفاوتة ومن الفقر والبطالة والفساد إضافة الى وجود مناطق شاسعة خارج سيطرة الحكومات.

بيئة مثالية

ويرى السفير سلز أن منطقة غرب أفريقيا تمثل البيئة المثالية لنشاط الجماعات الجهادية بسبب "فشل الحكومات في السيطرة على أراضيها وارتكاب القوات الحكومية انتهاكات ضد السكان وسهولة عبور الحدود بين هذه الدول".

والجماعة الجهادية المهيمنة في المنطقة هي "جماعة نصرة الاسلام والمسلمين" الموالية للقاعدة وهي تتنافس مع جماعة "الدولة الاسلامية في الصحراء الكبرى" الموالية للدولة الإسلامية وقد وقعت عدة معارك بين الجماعتين خلال العام الحالي لكنها لم تتحول الى مواجهات واسعة.

وكانت نيجيريا الدولة التي عانت اكثر من غيرها من عنف الجماعات المتطرفة حيث تواجه القوات الحكومية مصاعب في السيطرة على المناطق الشمالية من البلاد وهي المناطق التي تنشط فيها جماعة بوكو حرام.

وحسب "مؤشر الارهاب العالمي" فإن بوكو حرام مسؤولة عن سقوط 37500 قتيل واكثر من 19 الف حالة قتل بسبب اعمال ارهابية منذ عام 2011 في نيجيريا بشكل اساسي وفي الدول المجاورة.

في عام 2015 بايع فرع من بوكو حرام تنظيم الدولة الاسلامية واطلق الفرع على نفسه بعد ذلك اسم "ولاية غرب افريقيا للدولة الاسلامية" ونجح مسلحوه في عبور الحدود والسيطرة على قاعدة لقوات متعددة الجنسيات على ضفاف بحيرة تشاد عام 2018 ومنذ ذلك الحين تقوم الدولة الاسلامية بالدعاية لهذا الفرع بشدة.

كما لا يزال بوكو حرام يقوم بعمليات مروعة في شمالي البلاد حيث تبنت اوائل هذا الشهر عملية قتل عشرات الفلاحين في ولاية بورنو بحجة تعاونهم مع قوات الأمن.

وتتردد القوى الغربية في تقديم الدعم العسكري والاستخباري الواسع للقوات الحكومية النيجيرية بسبب الفساد المستشري وسجل الجيش النيجيري السيء في مجال حقوق الانسان حسب الدبلوماسيين الغربيين.

وهذا الوضع ساعد كثيراً جماعة بوكو حرام وغيرها من الجماعات الجهادية في كسب المزيد من المؤيدين والأنصار في شمالي البلاد.

شمال أفريقيا

انطلقت القاعدة في شمال افريقيا من الجزائر وبالتالي لا غرابة أن يكون الزعيم الجديد للقاعدة في "المغرب الإسلامي" جزائرياً، حيث حل أبو عبيدة العنابي البالغ من العمر 51 عاماً وصاحب اللحية البيضاء محل الزعيم السابق عبد المالك دوركدال الذي قتل في عملية للقوات الفرنسية في شهر يونيو/ حزيران الماضي في مالي.

واظهر تعيين زعيم جديد للقاعدة في المغرب الخلاف بين القاعدة والدولة الاسلامية، فبينما رحب بذلك انصار القاعدة اثار انصار الدولة الإسلامية الشكوك في تاريخه الجهادي.

وتواجه تونس مخاطر الأعمال الارهابية بسبب البطالة المتفشية بين الشباب ومجاورتها لليبيا. وشكل التوانسة اكبر نسبة من المقاتلين الاجانب الذين التحقوا بصفوف الدولة الاسلامية في سوريا بين عامي 2013 و2018 حيث بلغ عددهم ما بين 15 الى 18 الف مقاتل.

وتعيش ليبيا منذ الاطاحة بحكم القذافي عام 2011 حالة من الفوضى والفراغ الأمني وانعدام القانون وهذا الوضع لم يؤد إلى وقوع آلاف الاطنان من المفتجرات والذخائر والاسلحة التي كانت في مخازن الجيش الليبي في يد المدنيين ووصولها الى دول الساحل بل سمح ايضا لتنظيم الدولة الاسلامية في انشاء قاعدة له في شرقي البلاد.

الصومال

تعتبر حركة الشباب الصومالية اقدم واقوى الجماعات الجهادية في القارة الافريقية برمتها حسب رأي سلز الذي أضاف أن الحركة ترى نفسها أفضل الجماعات الموالية للقاعدة.

وفشلت جميع الحملات العسكرية التي قامت بها القوى متعددة الجنسيات في القضاء على الحركة التي تمكنت من تنفيذ عمليات جريئة في كينيا واوغندا وتفجيرات دامية في العاصمة مقديشو. ونجحت الهجمات الجوية الامريكية بواسطة طائرات دون طيار تنطلق من دولة جيبوتي المجاورة في قتل العديد من قادة الجماعة لكن الجماعة استطاعت في كل مرة تعويض ذلك والوقوف على أرجلها.

كما تمكنت الحركة من منع الدولة الاسلامية في إيجاد موطىء قدم لها في الصومال حيث ينحصر وجودها في رقعة ضيقة من شمال شرق القرن الافريقي.

موزمبيق

يمثل الجيب الذي أقامه تنظيم الدولة الاسلامية في مقاطعة كابو دلغادو والذي يحمل اسم " إمارة وسط افريقيا في الدولة الاسلامية" تجسيداً فعليا لمثال التمرد الشامل على الدولة واقامة جيب منفصل عبر وسيلة الانترنت حصراً.

ويعتقد مسؤولي مكافحة الارهاب أن المسلحين الذين ينشطون في المنطقة الغنية بالغاز من موزمبيق قد انخرطوا في صفوف هذا التنظيم بفضل الدعاية عبر الانترنت وبمساعدة متطرفين في تنزانيا المجاورة ودون أن توفد الدولة الاسلامية عناصر من سوريا أو العراق للقيام بهذه المهمة.

وراجت مؤخراً تقارير متضاربة عن بعض اعمال العنف المروعة التي وقعت في إقليم كابو دلغادو وأخرها المجزرة التي راح ضحيتها 50 قروياً جرى اعدامهم في ملعب لكرة القدم.

ويبدو ان المسلحين الاسلاميين الموالية للدولة الاسلامية في موزمبيق قد باتت لهم اليد العليا في مواجهة القوات الحكومية و "يتحركون بحرية في البلاد دون أن يواجهوا مقاومة" حسب رأي اوليفييه غييتا.

الفدية مقابل الرهائن

هذا موضوع في غاية التعقيد والحساسية. في عام 2013 وقع زعماء مجموعة السبعة في قمتهم تعهداً التزموا بموجبه بعدم دفع الفدية للجماعات المصنفة في خانة المنظمات الإرهابية.

وبعد سبع سنوات من التوقيع على ذلك التعهد تم إطلاق سراح الرهائن الأوروبييين المختطفين لدى الجماعات الارهابية مقابل دفع مبالغ مالية كبيرة لا أحد يعلم مقدارها بينما جرى إعدام المواطنين الأمريكيين والبريطانيين بسبب رفض الحكومتين التفاوض مع الخاطفين.

فقد جرى مؤخراً اطلاق سراح عدد من الرهائن الفرنسيين المحتجزين من قبل الجماعات الارهابية في منطقة جنوب الصحراء الكبرى مقابل إطلاق سراح عدد كبير من الجهاديين الخطرين الذين كانوا يقبعون في سجون مالي.

ويقدر الخبراء اجمالي المبلغ الذي تم دفعه للجهاديين خلال السنوات الماضية مقابل إطلاق سراح الرهائن الغربيين بنحو 120 مليون دولار.

ويستخدم المتطرفون هذه الأموال في شراء المزيد من الاسلحة والمتفجرات والسيارات وأجهزة الرؤية الليلية واجهزة الاتصال وتجنيد المزيد من الأفراد ورشوة المسؤولين.

لا حلول سهلة

هل ستصبح فعلاً القارة الافريقية الساحة الرئيسية لنشاط وعمل الجماعات الجهادية بدلاُ من الشرق الأوسط كما يتوقع البعض؟

هذا يتوقف على العديد من العوامل، والأساسي هو نوعية الحكم في هذه المنطقة. إن الحل النهائي لعنف الجماعات الجهادية وما تمثله من تحديات لا يقتصر على تعزيز الامن وفرض الرقابة على الحدود، بل يتوقف أولا وأخيراً على توفير فرص عمل للناس وتحقيق الاستقرار السياسي مما يجعل حياة العنف أقل جاذبية للمواطنين.

بي بي سي

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*