د. عماد بوظو:
يستخدم مصطلح الإسلاموفوبيا للدلالة على مشاعر الخوف التي تنتاب الكثيرين في الغرب من الإسلام أو من المسلمين، وانتشر هذا المصطلح مع استفحال عمليات الإرهاب الإسلامي ومع الهجرة الواسعة لملايين المسلمين إلى الغرب ورفض بعضهم الاندماج في مجتمعاتهم الجديدة، بل منهم من كفّر هذه المجتمعات ويتحيّن الفرصة للانتقام منها لأسباب غير مفهومة، أي أن الإسلاميين هم الذين قدّموا أنفسهم بطريقة دفعت كثيرين في الغرب لاعتبار الإسلام دين عنيف ويشجع على الإرهاب ويعتقد بتصادم الحضارات ومتحيّز ضد النساء.
ولكن للإسلاميين تفسير آخر، فهم يعتبرون أن الإسلاموفوبيا هي نتيجة لتحامل مسبق من الغرب على المسلمين لأسباب عنصرية، وأن مجرّد كون الإنسان مسلما هناك هو سبب كاف للاعتداء عليه، مع أن العقود الماضية شهدت ارتكاب الإرهابيين الإسلاميين لمئات الجرائم في الغرب نتج عنها سقوط آلاف الضحايا، بينما قام متشددون من الغرب ببضعة عمليات انتقامية أدت لسقوط عشرات الضحايا من المسلمين، ولكن الإسلاميين لا يذكرون سوى هذه الحوادث حتّى ينمّوا شعور الاضطهاد والمظلومية عند المسلمين ليوظّفوه في تجنيد بعضهم في منظماتهم، بينما يتجاهلون بشكل تام جرائم الإسلاميين.
ولكن إذا كان من السهل على الإسلاميين أن يسوّقوا لجمهورهم تصوّرهم عن الإسلاموفوبيا في الغرب لشحنهم بمشاعر الكراهية ضد المجتمعات الغربية، فكيف يبررون لهذا الجمهور وجود الإسلاموفوبيا في الدول العربية والإسلامية، والتي تعني خوف نسبة واسعة من المسلمين من الإسلاميين وبرامجهم وأشكالهم وأزياءهم وأفكارهم وغضبهم الدائم، والذي يمكن ملاحظته بأوضح أشكاله في المناطق التي أوقعها حظها العاثر تحت حكم داعش أو النصرة أو بوكو حرام أو طالبان، لأنهم عايشوا "حكم الشريعة" وما يعنيه من احتفالات دوريّة بقطع الرؤوس والأطراف والرجم، وملاحقة الشعب على الملبس والسلوك ودرجة الالتزام بالعبادات، مما جعل الإسلاموفوبيا نتيجة حتمية لحكم هذه التنظيمات.
ولا يختلف الوضع كثيرا في "الجمهورية الإسلامية الإيرانية"، حيث يتم سجن النساء لعشرات السنين لعدم تقيدهم بارتداء الحجاب، كما تنفذ الإعدامات وبقية "الحدود الشرعية" في الساحات العامة لبث الخوف عند الشعب، وبشكل عام فإن القيود الاجتماعية والسياسية في دولة ولاية الفقيه الشيعية مماثلة لتلك الموجودة في المناطق الخاضعة لحكم النصرة وطالبان السنيّة، كما يمكن مشاهدة الإسلاموفوبيا عند شعب العراق، نتيجة الاغتيالات المنتظمة التي تنفذها ميليشيات مرتبطة بإيران ومتداخلة مع مؤسسات الدولة العراقية مثل الحشد الشعبي وغيره، والتي لا تكتفي باغتيال المعارضين للنفوذ الإيراني من الشيعة والسنّة، بل تستهدف السيدات الناجحات والأطباء والعلماء ومحلات بيع المشروبات الروحية وصالونات الحلاقة والتجميل.
وعلى نمط مشابه استهدف حزب الله اللبناني وهو أيضا ميليشيا مرتبطة بنظام ولاية الفقيه الإيراني عشرات القادة السياسيين والمثقفين اللبنانيين بعمليات اغتيال منظمة يعرف الجميع أنه يقف خلفها وأكدت على ذلك مؤخرا المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ولكنه يرفض تسليم المجرمين من أعضاء حزبه للعدالة لأن هذا سيقود لإدانة قيادة الحزب نفسها بهذه الجرائم، كما منع حزب الله المشروبات الكحولية وثياب البحر في الكثير من المناطق اللبنانية تحت التهديد بالقتل أو تكسير الأرجل، رغم التركيبة متعددة الطوائف والخلفية المسيحية للبنان.
وفي مصر قامت تنظيمات إسلامية متطرفة باغتيال فرج فودة والاعتداء على نجيب محفوظ وتكفير نصر حامد أبو زيد وغيره لإخافة المصريين، ولكن انتشار الإسلاموفوبيا على نطاق واسع حدث أثناء حكم الإخوان وما رافقه من تجوّل مجموعات من الملتحين والمنقّبات في الشوارع للقيام بدور حراس الفضيلة ومراقبة المواطن المصري من ناحية لباسه وسلوكه ومظهره وبشكل خاص النساء، مما دفع نسبة كبيرة من المصريين للتضحية بمطلبهم المحق في الديمقراطية خشية من أن تأتي بهؤلاء الإسلاميين المخيفين للسلطة.
ورغم سقوط حكم الإخوان المسلمين لكن التقييد على حرية الشعب المصري باسم الدين لم تتوقف، بل استفحلت بشكل كبير مؤخرا نتيجة تولّي الأزهر مهمة الوصاية على أخلاق وسلوك المصريين بديلا عن الإخوان المسلمين وبقية التنظيمات الإسلامية، فالأزهر الذي يقدم نفسه في الغرب كممثل للإسلام المعتدل هو الذي يقيم محاكمات في مصر تستهدف النساء والمثقفين باتهامات تتعلق بأفكارهم وملابسهم، حتى أصبح من الصعب التمييز بين مواقف شيوخ الأزهر وموقف أيمن الظواهري وقادة الإخوان، فجميعهم يريدون تطبيق الشريعة وحكم الشعب باسم الله.
وانعكس انتشار الإسلاموفوبيا عند الشعوب العربية في خوف شريحة واسعة من الربيع العربي، رغم أنه ابتدأ كحركة احتجاج شعبية عفوية أشعل شرارتها وقادها شبّان وفتيات مثقفين وعلمانيين، ولكن تسلّق الإسلاميين لتلك الاحتجاجات دفع كثيرين للحذر منها، وكان حزب الإخوان المسلمين تحديدا كابوس الربيع العربي، لأن وجوده أو مشاركته في أي تحرك شعبي كان كفيلا بإفشاله وتنفير الشعب منه، خصوصا لأن الكثير من دول الشرق الأوسط متعددة الطوائف والأديان، ووجود الإسلاميين يعني عمليا استبعاد بقية مكونات الشعب ونزع الصفة الوطنية عن الحراك الشعبي والتخلّي عن مشروع الدولة المدنية والنظام الديموقراطي، وربط الحراك ببرنامج ضيق غير واقعي ولا يمكن تحقيقه لأنه يقوم على إعادة عقارب الزمن للوراء، كما دفع ذلك الكثير من دول العالم للوقوف ضد هذا التحرك، مما رفع من احتمال انتصار الديكتاتوريات، ولا يمانع الإسلاميون في ذلك لأن معارضة الديكتاتوريات أسهل عليهم من معارضة حكومات ديموقراطية تحظى بتعاطف شعبي.
وفي النتيجة كانت الكوارث التي ألحقها الإسلاميون في شعوب الدول الإسلامية أكبر بما لا يقاس بما ألحقوه بالغرب، فالوجوه الغاضبة التي ظهرت في باكستان وبنغلادش وهي تهتف "إلا رسول الله" احتجاجا على رسوم شارلي إيبدو لا تستطيع إلحاق ضرر بدول الغرب، بينما كانت تنقض في بلدها على شخص أعزل وتقتله بتهمة التجديف أو عدم توقير الرسول، فالإسلاميون في الغرب أقلية غريبة وأقصى ما بإمكانهم القيام به هو عملية إرهابية بين الحين والآخر، أما في البلاد ذات الأغلبية الإسلامية فمن السهل على رجال الدين تهييج الغوغاء والجهلة وتوجيههم للاعتداء على مواطنين مسالمين عزّل من أبناء بلدهم.
ومن الطبيعي أن يولّد الإسلام الذي يروج له الأزهر وحزب الإخوان المسلمين ونظام ولاية الفقيه والتنظيمات المتفرعة عن القاعدة "إسلاموفوبيا" عند نسبة كبيرة من الشعوب الإسلامية، لأن جميع هؤلاء يريدون التحكّم بالشعوب عن طريق التخويف والترهيب، فللتعبير عن الرأي أو التمسّك بالحرية الشخصية ثمن باهظ في البلدان الإسلامية وقد يكلف الإنسان حياته، لذلك على من يريد مشاهدة الإسلاموفوبيا أن يذهب إلى إيران أو مصر أو أفغانستان أو العراق أو أي منطقة في العالم الإسلامي يكون لرجال الدين فيها نفوذ أو دور في حكمها، فهناك سيشاهد الإسلاموفوبيا على حقيقتها والتي تفوق بكثير الخوف من الإسلام في دول الغرب.