السلام أم حرية التعبير؟! - مقالات
أحدث المقالات

السلام أم حرية التعبير؟!

السلام أم حرية التعبير؟!

بدأ التوتر يتصاعد في فرنسا عندما أعادت مجلة "شارلي إيبدو" الساخرة نشر رسوم كاريكاتورية للنبي محمد في وقت مبكر من الشهر الماضي، وذلك بالتزامن مع محاكمة المتهمين المتواطئين في الهجوم على مقرها عام 2015.

دافع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشدة عن الرسوم باعتبارها حرية تعبير، ورأى أن الإسلام يمر بأزمة، لكن القضية تفاقمت ارتداداتها حينما عرض معلم على طلابه الرسوم المسيئة للنبي محمد، فقطع شاب شيشاني رأس المعلم خارج المدرسة.

بعد مقتل المدرس أصر ماكرون على عرض الرسوم الكاريكاتورية على مبانٍ حكومية وأعلن أن فرنسا لن تتخلى عنها في خطوة اعتبرها المسلمون تحدياً لهم.   

بحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، فإن رد فعل السلطات الفرنسية على الهجمات التي قام بها إسلاميون، والذي تضمن قمعاً للمنظمات الإسلامية، استولد وحدة بين  أجزاء من العالم العربي والإسلامي، وهو أمر نادر الحدوث.

اندلعت الاحتجاجات المناهضة لفرنسا في جميع أنحاء البلدان ذات الأغلبية المسلمة، كان أبرزها عقب صلاة الجمعة في 30 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، إذ أعرب عشرات الآلاف عن غضبهم من تعليقات الحكومة الفرنسية على الإسلام.

ذكرت وكالة "رويترز" أن عشرات الآلاف من المسلمين تظاهروا في العاصمة البنغالية، ورددوا هتافات تنادي بـ"مقاطعة المنتجات الفرنسية" وحملوا لافتات تصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه "أكبر إرهابي في العالم".

وأفادت وكالة "أسوشيتد برس" أن آلاف المسلمين في باكستان ساروا فوق الأعلام الفرنسية وطالبوا بمقاطعة المنتجات الفرنسية، فيما أغلقت قوات الشرطة الطرق المؤدية إلى السفارة الفرنسية في العاصمة إسلام أباد.

في الجامع الأزهر الشريف بالعاصمة المصرية القاهرة، هتف المئات للنبي محمد قائلين "إلا رسول الله". وشهدت ساحة المسجد الأقصى مسيرة نددت بالإساءة الفرنسية للإسلام ورسوله. 

 وانتشرت احتجاجات مناهضة لفرنسا في البحرين واليمن، وأزالت عدة متاجر في الكويت وقطر منتجات فرنسية. وأحرق محتجون صورة ماكرون في تركيا وليبيا.

ونظمت حركة حماس احتجاجات في أنحاء متفرقة من قطاع غزة حيث ردد المتظاهرون هتافات مناهضة للفرنسيين وداسوا صوراً لماكرون، وهي إهانة حادة في الثقافة العربية.

في لبنان، البلد الذي يتمتع بعلاقات ودية مع فرنسا، توجهت عشرات الحافلات التي ترفع الأعلام السوداء والبيضاء إلى العاصمة بيروت للمشاركة في تظاهرة مناهضة لفرنسا.

وأعلنت قوى الأمن الداخلي اللبنانية، في ساعة مبكرة من صباح الجمعة، إغلاق طرق وفرض حواجز أمنية حول السفارة الفرنسية ومقر إقامة السفير.

وفي تركيا، دعا الرئيس رجب طيب أردوغان لمقاطعة المنتجات الفرنسية وأدلى بتصريحات مسيئة لماكرون، فقررت باريس سحب سفيرها من أنقرة، في حين أصدرت عدة دول ذات أغلبية مسلمة، منها السعودية وإيران ومصر، بيانات تعبّر عن أسفها وإدانتها للرسوم المسيئة.

أين الأزمة؟

في تقرير لها حول التوتر الإسلام مع فرنسا، قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية: "ما يراه الكثير من الفرنسيين دفاعاً لا هوادة فيه عن بلادهم وعن سلامتها وحرية التعبير فيها، يعتبره العديد من المسلمين كبش فداء لهم وإهانات تجديفية لدينهم".

ولفتت الصحيفة إلى أن نطاق استجابة الحكومة واللغة الحادة لبعض مسؤوليها عرّض ماكرون للانتقاد لتسييسه الهجوم واللعب على وتر الناخبين الذين ينتمون إلى أقصى اليمين. على سبيل المثال، سخر وزير داخليته من وجود "طعام حلال" للمسلمين في محالّ السوبر ماركت، وقال إنه يشعر بالتقيؤ منه.

وغضب المسؤولون الفرنسيون من تعليق أدلى به مهاتير محمد، رئيس الوزراء الماليزي السابق، على موقع تويتر، وفحواه أن المسلمين لهم الحق في "قتل ملايين الفرنسيين بسبب مذابح الماضي".

طلبت الحكومة الفرنسية سريعاً من إدارة تويتر تعليق حساب مهاتير محمد  بسبب التحريض على الكراهية والعنف، وأُزيل المنشور لاحقاً بحسب الصحيفة الأمريكية.

مع ذلك، رأت "نيويورك تايمز" أن رد فعل المسلمين لم يزعزع إصرار الحكومة الفرنسية، أو الكثير من جمهورها، بل رأوا أن حملة القمع التي شنوها في بلد كان هدفاً لعشرات الهجمات، مبررة.

وقال ماكرون: "إذا تعرضنا للهجوم مرة أخرى، فذلك بسبب القيم التي نتمتع بها، بما في ذلك حرية العبادة وحرية التعبير. ولن نتنازل عن أي شيء".

منذ عام 2015 خلّفت الهجمات التي تعرضت لها فرنسا 200 قتيل، كان أحدثها قتل معلم خارج مدرسة عامة ثم مقتل ثلاثة في كنيسة، وهاتان المؤسستان تعتبران ركيزتين أساسيتين للهوية الفرنسية.

تقول "نيويورك تايمز" إن سلسلة الهجمات التي شهدتها فرنسا على مدى السنوات الخمس الماضية دفعت باريس إلى اليمين سياسياً، مشيرة إلى أن الرسوم الكاريكاتورية في "شارلي إيبدو" - والتي كان العديد من الفرنسيين يعتبرونها ذات يوم استفزازية ومتعصبة - أصبحت اختباراً لالتزام فرنسا مُثلها العلمانية، على الرغم من أنها مسيئة للمسلمين.

عام 2006، عندما نشرت "شارلي إيبدو" الرسوم الكاريكاتورية لأول مرة عن النبي محمد، شجب الرئيس المحافظ في ذلك الوقت، جاك شيراك هذه الخطوة، قائلاً إن أساس الجمهورية يرتكز أيضاً على "قيم التسامح واحترام جميع الأديان".

على العكس تماماً، دافع ماكرون عن إعادة نشر الصحيفة هذه الرسوم واعتبرها حرية تعبير.

في هذا الصدد، كتبت "نيويورك تايمز": "في ظل التركيز على الانتخابات الرئاسية لعام 2022، فإن ماكرون، الذي تضررت شعبيته بسبب تعامل الحكومة مع وباء فيروس كورونا، يتحرك نحو اليمين في قضايا مثل الجريمة ومكانة الإسلام في فرنسا".

ونقلت عن مورجان مانزي، عامل بناء فرنسي يبلغ من العمر 42 عاماً، كان قد حضر إلى كنيسة "نيس" في وقت متأخر بعد ظهر يوم الخميس قوله: "أعتقد أن هناك بعض الموضوعات التي يمكننا أن نخفف من أقوالنا بشأنها، أعتقد أن السلام في بعض الأحيان أفضل من حرية التعبير".

رصيف 22

 

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*